العدد 2601 - الإثنين 19 أكتوبر 2009م الموافق 01 ذي القعدة 1430هـ

تركيا... لك الشكر

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يمتد ارتباط العرب بالأتراك لمئات السنين؛ فالخلافة العثمانية بسطت نفوذها على العالم العربي فأصبح جزءا منها يؤثر فيها ويتأثر بها بحكم الاختلاط الواسع بين الشعبين، كما أن الدين الإسلامي كان من أقوى العوامل للتقارب بين العرب والأتراك.

ومعروف أن الأتراك قدموا للإسلام خدمات عظيمة ولهذا فمن المستحيل أن ينسى المسلمون القائد العظيم «محمد الفاتح» الذي فتح القسطنطينية فاستحق ثناء الرسول عليه وعلى الجيش الذي كان معه.

وأعتقد أنه من المؤسف أن بعض مناهج التعليم في البلاد العربية تتحدث عن الأتراك بوصفهم مستعمرين انطلاقا من بعض تجاوزات خلفائهم المتأخرين، هذه التجاوزات التي شملت الأتراك والعرب معا بسبب ضعف الدولة في آخر أيامها.

والذي نسمعه هذه الأيام عن جهود الحكومة التركية في الوقوف مع بعض القضايا العربية يجعلنا نتفاءل بأن هذه الدولة المسلمة لن تتوانى عن بذل جهودها في الوقوف مع الحق ومعاداة الظالم مهما كان شأنه وقوته.

لقد رفضت تركيا قبل سنوات كل الإغراءات الأميركية التي قدمت لها لكي تسمح للجيش الأميركي بمهاجمة العراق عبر أراضيها، وها هي اليوم تلغي مناوراتها العسكرية السنوية المسماة نسر الأناضول الجوية مع الكيان الصهيوني، ولا يتردد كبار المسئولين فيها من القول صراحة إن الحرب على غزة ثم استمرار العدوان والحصار وكذلك محاولات اقتحام المسجد الأقصى هو السبب المباشر وراء هذا الإلغاء الذي يعد حدثا مهما في تاريخ العلاقات بين البلدين. وقد صرح رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان أنه بالإضافة إلى كل ما سبق فإن إبعاد «إسرائيل» عن المشاركة كان استجابة لرغبة الشارع التركي المسلم! وحسنا أن يستجيب السيد أردوغان لرغبة المواطنين الأتراك ولعله يكون قدوة لغيره فلا نرى بعد ذلك صهيونيا في أي بلد عربي أو مسلم.

ولعلّي أذكّر القراء الكرام بالموقف الرائع للسيد أردوغان عندما كان في منتدى دافوس وغادر القاعة محتجا على عدم إعطائه الفرصة لكي يرد على أكاذيب شمعون بيريز فكان لهذا الموقف أثر طيب ليس في تركيا وحدها بل في نفس كل مسلم.

الحكومة التركية تواصل ضغطها على الصهاينة باتخاذ المواقف الصحيحة في تعاملها معهم، فقد صرح وزير خارجيتها بأن تركيا لا يمكنها أن تسكت على زعزعة الأمن في المنطقة، وأن ردود الفعل لا تهم تركيا مهما كانت... وأوضح أنه يعني «إسرائيل» بهذه التصريحات التي جاءت مغايرة عما كان نسمعه في الماضي، بل ومغايرة - أيضا - عن بعض التصريحات التي نسمعها من بعض المسئولين العرب.

لم تكتفِ تركيا بهذا كله بل بدأت تضغط باتجاه المطالبة بالكشف عن أسلحة «إسرائيل» النووية، فكما أن إيران مطالبة بذلك فيجب أن تخضع «إسرائيل» لنفس المطالبة، وإلا فأين العدالة الدولية التي يتحدثون عنها!

ومن الأشياء التي تحسب للأتراك ذلك الفيلم الذي يوثق الجرائم الصهيونية على غزة، والذي أظهر كيف أن الجنود الصهاينة يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ العزّل من السلاح وهم لا يحملون إلا الحجارة! وكان مشهد قيام جندي صهيوني بقتل فتاة صغيرة وهو يبتسم مسرورا بما يفعل مروعا ومؤثرا في الوقت نفسه.

وهناك مشاهد أخرى كلها توثق جزءا من مسلسل الجرائم التي قام بها الصهاينة في فلسطين وخلال سنوات طويلة.

في الجانب الآخر كان الصهاينة يتململون غيظا وغضبا، فقد استدعى وزير خارجيتهم السفير التركي وأبلغه باحتجاج بلده على بث المسلسل لأنه يساهم في تعميق كراهية الصهاينة لكن الأتراك رفضوا هذا الاحتجاج.

أما نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم فعبر عن قلقه من تدهور العلاقات مع تركيا، وقال آمل أن يتعقل الأتراك وأن يدركوا أن العلاقة بين بلدينا تصب في مصلحتهم كما في مصلحتنا.

وقطعا فإن الصهاينة يدركون حجم الخسارة التي ستنالهم لو أن تركيا استمرت في مواقفها، أو لو أنها اتخذت مواقف أكثر تشددا في الأيام المقبلة.

الحكومة التركية بدأت بعمل عظيم، ولكن هذا العمل يحتاج من العرب إلى مؤازرتها والوقوف إلى جانبها، ماديا ومعنويا.

من مصلحة العرب والأتراك أن يعملوا معا، وأن يجعلوا إمكاناتهم تتضافر بعضها مع البعض الآخر، وليقوي بعضهم بعضا...

الصهاينة لن يتركوا تركيا تعمل ما تريد وهم صامتون، سيعملون كل شيء لإضعاف هذه الحكومة من الداخل ومن الخارج، وتاريخهم الأسود يجعلهم لا يتورعون عن فعل أي شيء. ومن هنا كان من مصلحة العرب والمسلمين أن يقفوا متّحدين لكي يحصلوا على حقوقهم أو على بعضها على أقل تقدير.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2601 - الإثنين 19 أكتوبر 2009م الموافق 01 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً