من بين فعاليات مؤتمر جايتكس 2009 كان إطلاق نظام التشغيل الجديد «ويندوز 7». قام بعرض الوظائف الجديدة التي يقدمها البرنامج، والتي تميزه عن «فيستا»، والذي هو آخر نظام تشغيل أصدرته مايكروسوفت. استهل نائب رئيس الشركة ستيف غونغنهانز ذلك العرض بمقدمة غنية تناول فيها تلك العلاقة التي تربط بين خلفيات التفكير في إنتاج «ويندوز 7» وما أصبح يعرف بالاقتصاد الإبداعي. وفي هذا المجال توقف غونغنهانز عند مجموعة من القضايا في الاتجاه نحو الاقتصاد الإبداعي من بين أهمها:
1. أن التقارب «Convrgence»، الذي يسود الصناعة الإبداعية في مجال تقنية المعلومات يتم في نطاق التقنية ذاتها، وليس الأجهزة التي تستخدمها، مستشهدا في ذلك باستخدام التقنية نفسها لتشغيل مجموعة مختلفة من التطبيقات، في أجهزة مختلفة بدءا من الهواتف النقالة، انتهاء بشاشات العرض التي تصل مساحاتها إلى عشرات الأمتار المربعة.
2. أن نجاح أي مشروع صناعي يطمح في ان يكون له حصته في الاقتصاد الإبداعي، لابد أن يحمل في أحشائه نظرة بعيدة المدى ذات آفاق مستقبلية، ففي غياب مثل هذه النظرة يفقد المشروع أبسط مقوماته الإبداعية، الأمر الذي يحرمه من القدرة على المنافسة مع منتجات مستقبلية أخرى تمتلك الطموح ذاته. وأسهب غونغنهانز في شرح العلاقة بين مفهوم «النظرة المستقبلية» والاقتصاد الإبداعي.
3. علاقات التكامل بين البيئة الحاضنة المناسبة والمنصات التقنية التي يخاطبها ذلك المنتج. وهنا استشهد غونغنهانز بما يقدمه «ويندوز 7»، من وظائف سواء للمستخدم الفرد أوالمؤسسات.
ونجح غونغنهانز في إقناع الحاضرين بقدرة ويندوز 7 من خلال عرض سريع وشيق أوضح فيه كفاءة «ويندوز 7» في التفاعل المبدع مع البيئات التي تستخدمه، أو البرمجيات التي يخاطبها.
4. سهولة الاستخدام، حيث يفترض أن يتمتع المنتج بدرجة عالية من سهولة الاستخدام والتشغيل، بحيث يكون قادرا على شد مستخدمه، وتشجيعه على الاستفادة القصوى منه، دون الاضطرار إلى الدخول في عمليات معقدة، تضجر المستخدم وتفقده متعة الاستعانة بذلك البرنامج المعني. وهنا أشار غونغنهانز إلى سلوك المستخدم المنتمي لمجتمع الاقتصاد الإبداعي، حيث يمارس الوقت، بوصف كونه أهم عنصر من عناصر رأس المال، دورا مهما فيتحديد معالم ذلك السلوك، سلبا أو إيجابا من أي بضاعة متوفرة في سوق ذلك الاقتصاد.
5. الجدوى الاقتصادية ومن زاوية إبداعية، وهنا ميز غونغنهانز بين الجدوى الاقتصادية التقليدية التي تحصر نفسها في حسابات مباشرة تحدد الفرق المتحصل بين أقيام البيع والشراء، وبين تلك التي تراعي قيمة «الملكية الفكرية» و»القيمة المضافة» التي تراعيها حسابات الجدوى الاقتصادية الإبداعية. وحاول غونغنهانز هنا أن يبتعد عن أي شكل من أشكال التجريد، وجاء بأمثلة حية تدلل على تعاظم أهمية وقيمة «الملكية الفكيرة» والقيمة المضافة»، في الاقتصاد الإبداعي.
تثير محاضرة غونغنهانز الكثير من القضايا في ذهن من يتابع آليات ومحركات الاقتصاد العربي من بين أهمها:
1. لا يزال الاقتصاد العربي سواء على المستوى القومي الشامل، أو القطري، يتأرجح بين الزراعي التقليدي والريعي البدائي، وحتى تلك الدول التي وضعت أقدامها على الطريق الصناعية، لا تزال في بداية تلك الطريق، وهي لا تزال تراوح وبخطى بطيئة، عند محطات الصناعات التجميعية، وفي الحالات الشاذة التي تجاوزتها، وجدناه تتجه نحو الصناعة ذات اليد العاملة الكثيفة، أو تلك الفاقدة لأي شكل من الأشكال الإبداعية، ناهيك عن احتوائها على أي عنصر من العناصر القادرة على توليد أي شكل من أشكال القيمة المضافة، أما الدول النفطية، فهي إلى جانب إلقاء ثقلها في الصناعات الاستخراجية، وجهت نسبة ضئيلة من جهودها نحو الصناعات البتروكيماوية البدائية أيضا.
2. أن الكثير من الدراسات التي تتحدث بإعجاب عن التقدم الذي حققه الاقتصاد العربي، تعتمد كثيرا على ضخامة الرساميل النقدية التي ولدتها فورة الأسعار النفطية.
وعلى رغم أهمية السيولة النقدية، كعنصر من عناصر التطور الاقتصادي، لكن تلك الأهمية بدأت تتضاءل أمام تحول الاقتصاد العالمي المتطور خلال العقد الأخير نحو الاقتصاد الرقمي او المعرفي، واتجاهه اليوم نحو الاقتصاد الإبداعي. إذ بات الرأسمال البشري، ومعه «الملكية الفكرية» التي يمتلكها ذلك الرأسمال أهم عنصر في تسيير الاقتصاد المعرفي، الذي من المتوقع أن يمارس دورا تسلطيا على الاقتصادات الأخرى ومن بينها الاقتصاد العربي الذي يقف اليوم أسفل قائمة الاقتصادات المتطورة.
3. لا يزال من الصعوبة بمكان إيجاد أي شكل من أشكال الاقتصاد المعرفي، وهو المرحلة الأولى من مراحل الاقتصاد الإبداعي. هذا يعني أن هناك مسافات شاسعة تفصل بين الاقتصادات العربية وتلك التي بدأت تضع أقدامها على الاقتصاد الإبداعي. هذا الأمر لا يضع الاقتصادات العربية في أسفل قائمة الاقتصادات المتقدمة فحسب، لكن يقزم من أقيام مخرجاتها الصناعية مقابل تلك المخرجات التي تولدها منتجات الاقتصادات الإبداعية.
تبقى هناك قضية واحدة في غاية الأهمية وهي أن التحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المعرفي، وفي مرحلة متقدمة إلى الاقتصاد الإبداعي، عملية معقدة وطويلة المدى، ولا يمكن تحقيقها بقرارات فوقية، وأول الخطوات الصحيحة على طريقها الطويلة تبدأ بتصحيح البرامج التعليمية كي تكون مؤهلة لتوليد الراسمال البشري القادر على إحداث النقلة الإنتاجية المطلوبة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2600 - الأحد 18 أكتوبر 2009م الموافق 29 شوال 1430هـ
الإبداع المعرفي .. فوق تيار الاقتصاد ... وفي أعلى مؤشرات الأسهم الاقتصادية ! .
الإبداع المعرفي وصف متجدّد يستعصي على الوصف هو انتباه للاتجاه نحوه عبر ما يسمى بالاقتصاد المعرفي ( العلمي التقني الرقمي ) برز باستخلاص نتائج جهود حره تسبح في دروب التنويع بمساعدة المرونة والتمرّد " السلمي طبعاً " والإنعتاق من تقديس المنابع والأساليب الاقتصادية المألوفة والمسلّمة بعكس الحال للاقتصاد العربي الذي عيونه في الآفاق ويخطو كالسلحفاة ويفتقد الخلق والإبداع وضعف في الإنتاج ومستسلم لكل منافذ الممكنات الراهنة والمقبلة أي ثابت لا يحول عما هو عليه . كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض .