ليس من السهل أن تكون مراقبا على الأخبار هذه الأيام. تعتقد بعض الصحف، وخاصة في الولايات المتحدة بأن إلغاء منصب مراقب الأخبار يشكّل عملا مؤلما ولكنه إجراء ضروري لخفض الكُلف في الأوقات الاقتصادية الصعبة. إلا أن المؤسسة تستحق الاستثمار فيها، حيثإأن مراقبي الأخبار يظهرون سلطة لها أهميتها في المنظمات الإخبارية حول العالم، وبالذات في الشرق الأوسط.
يملك مراقبو الأخبار، الذين يُعرَفون أيضا بمحرري القراء أو محررين عامين، مهمّة لا تصدّق هي التعامل مع المستمعين والقراء والمشاهدين الذين يشعرون أن الصحيفة أو المراسل ارتكبوا خطأ في نقل الخبر أو أنهم متحيزون.
وكمراقب إخباري في الإذاعة الوطنية العامة (إن بي آر) في الولايات المتحدة العام 2006، شرحْتُ للقراء مدى الفعل الجيد الذي قامت به محطة الإذاعة عندما امتنعت عن إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية الخِلافيّة للنبي محمد (ص) على موقع المحطة عندما انفجرت الأزمة. كذلك تعاملت أحيانا مع مستمعين وجدوا أن تغطية محطة إن بي آر لأحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية مثيرة للعواطف أو تفتقر إلى مضمون كافٍ.
لم تكن آرائي بالضروري هي أراء الإدارة أو الجمهور الإذاعي. وهنا يكمن بيت القصيد.
لماذا إذن يتوجب على الجمهور أن يهتم بإثارة الشكاوى مع الرقيب الإخباري؟ يحاول الرقيب إيجاد حل للشكوى، أو على الأقل تفسيرا لكيف ولماذا حدث أمر ما. يحاول هو أو هي التفكير بتعبيرات لممارسات إخبارية للحد من فرص حدوث نفس الغلطة مرة أخرى. يقوم الرقيب بعد ذلك بالإبلاغ عن نتائج بحثه للمنظمة الإخبارية وللجمهور.
لماذا تريد المنظمة الإخبارية إذن أن يكون لديها ما يشبه مانعة الصواعق في داخلها؟ هناك في نهاية المطاف أصحاب مدونات وصحافيون مواطنون ينخرطون في عمليات انتقاد الإعلام، فلماذا إذن نحتاج لمن يسيء إلى سمعة المنظمة الإخبارية؟
يستطيع المراقب المستقل الذي يعمل من الداخل أن يلقي نظرة فاحصة متمرسة بشكل أفضل على المشكلات وأن يقترح حلولا لها بصورة أفضل من الصحافي أو المراسل. بالنسبة لإذاعة إن بي آر على سبيل المثال، كان العديد من المستمعين يعتبرون تغطية الانتفاضة على أنها إما مُسانِدة لـ «إسرائيل» أو للفلسطينيين.
قمت نتيجة لذلك بطلب إجراء دراسة أظهرت كيف يمكن لأسلوب إن بي آر في نقل الخبر أن يكون أكثر توازنا.
كانت توصيتي أن تبدأ إن بي آر من جديد بتفسير جذور النزاع. كانت النتيجة سلسلة متعددة الحلقات فازت بجوائز إعلامية عادت إلى القرن التاسع عشر ووعد بلفور. قد لا تكون هذه النتيجة أقنعت الجميع بإمكانية وجود سَرْدَين متنافسين على الأقل لقصة الشرق الأوسط، إلا أنها نجحت بتخفيض مستوى الذم والانتقاد إلى درجة يمكن إدارتها.
كذلك قمت على الهواء بمقابلة مستمعين شخصيا لأشرح لهم بأن الصحافة ليست عن الانحياز لطرف ما، وإنما عن نقل خبر بأكبر دقة ومضمون ممكنين. كان لذلك أثر في مساعدة الجمهور على فهم حقيقة الصحافة الجيدة.
تُظهِر الدراسات أن الجمهور والمنظمات الإخبارية تقدّر قيمة المراقب الإخباري. يسمح المراقب للمنظمة الإعلامية أن تكون أكثر استقلالية من خلال تنظيم نفسها وتوجيه الانتقاد لذاتها، فتصبح أكثر قدرة على مقاومة الضغوطات الخارجية، بغض النظر عما إذا كانت من طرف الحكومات أو مجموعات التأثير أو المصالح الاقتصادية.
هناك منطق مالي كذلك. يمكن لكلفة الأتعاب القانونية أن تنخفض بنسبة تصل إلى 30 في المئة عند وجود مراقب إعلامي للتوسط في إيجاد حل قبل أن تنتهي الأزمة في المحكمة وتصل مرحلة المقاضاة.
ما زالت بعض المنظمات الإعلامية الكبرى، بما فيها النيويورك تايمز والواشنطن بوست وإي بي سي وبي بي إس وإن بي آر، تحتفظ بالمنصب رغم تراجع الاقتصاد الأميركي. ولكن غيرها، بما فيها لويسفيل كوريير جورنال، أول صحيفة في أميركا قامت بتوظيف مراقب إخباري في عشرينيات القرن الماضي، ألغت هذا المنصب كإجراء للحد من المصاريف.
في هذه الأثناء يجري توظيف المراقبين في أماكن أخرى من العالم، وخاصة في الشرق الأوسط. رحّبت منظمة المراقبين الإخباريين خلال السنوات القليلة الماضية بأعضاء من تركيا (من صحيفتي صباح وميللييت) والمغرب (2MTV وSNRT TV). وفي العام 2004 قمنا بعقد اجتماعنا السنوي في اسطنبول، الأمر الذي سمح لأعضائنا التعلم بشكل مباشر عن التحديات التي تواجه الحفاظ على إعلام مستقل في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
تُثبت خبرتي الشخصية كمراقب إعلامي في إن بي آر بواشنطن العاصمة سبب استمرار أهمية المنصب. كنت أول رقيب لدى إن بي آر وعملت هناك من سنة 2000 وحتى 2006. عندما بدأت العمل تسلّمت 1900 رسالة إلكترونية من الشكاوى والمخاوف خلال الشهور الستة الأولى. وفي سنتي الأخيرة كرقيب إعلامي، تسلّمت أكثر من 82000 رسالة إلكترونية وآلاف الرسائل وعددا من المكالمات الهاتفية أكبر مما أستطيع تذكّره. لم تنحدر المعايير الصحافية في إن بي آر خلال تلك الفترة. بالعكس تماما، أثبت الأمر أن الاهتمام الشعبي في مساءلة الإعلام عن المعايير النوعية للصحافة استمرت في النمو. كذلك بَقِيَت إن بي آر ملتزمة بعمق بالمساءلة الجماهيرية من خلال الانفتاح للاقتراحات بشأن كيف يمكنها جعل صحافتها أقوى وأفضل.
هذا هو صلب موضوع المراقبة الإعلامية: توفير سبل وصول أفراد الجمهور إلى الإعلام الذي يحتاجونه ويستحقونه. إنه سبيل للإبقاء على الإعلام صادقا ومعتمدا ودائما في خدمة المواطنين. لذا وفي الوقت الذي يجري فيه تحجيم المنصب في الولايات المتحدة، آمل أن تستمر دول الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط في الاستفادة من إمكانات المنصب المتكاملة.
* المدير التنفيذي لمنظمة المراقبين الإخباريين، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2600 - الأحد 18 أكتوبر 2009م الموافق 29 شوال 1430هـ