بدأ الهندوس احتفالاتهم السنوية أمس بمناسبة «عيد ديوالي»، أو «عيد الأنوار»، وهو العيد الأكبر لدى الهندوس والذي يحتفلون به سنويا في فصل الخريف، وقد بادر الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا العام بتسجيل رسالة خاصة عبر اليوتيوب إلى جميع الهندوس مهنئا لهم بهذا العيد.

وفي الحقيقة إننا نجهل الكثير عن الهنود رغم أنهم أكبر مجتمع يعيش في أوساطنا، ويعتمد عليهم جزء كبير من اقتصاد دول الخليج، كما أن روابطنا التاريخية مع الهند تمتد إلى آلاف السنين. والهند تعتبر من قصص النجاح الكبرى في عصرنا الحالي، وهي قصة تحكي لنا كيف توحدت أكثر من 500 إقطاعية وإمارة ومملكة تحت حكومة فدرالية واحدة وتحولت إلى نظام جمهوري ديمقراطي يحتكم إلى الشعب. ولعل أساليب توحيد الهنود هي مانحتاج لأن نتعلمه في بلداننا العربية التي توزعت إلى أكثر من عشرين دولة تكُن العداء لبعضها البعض، وزاد على ذلك أن داخل كل دولة هناك التقسيمات الطائفية والقبلية والإثنية التي تتهدد استقرارنا وأمننا.

الهنود أبدعوا في تحويل عيد ديني إلى مراسم احتفال تجمعهم، وهذا العيد بدأ يخرج عن النمط التقليدي ليتشكل في أطر تجتذب حتى غير الهندوس للمشاركة في الاحتفالات، وهذا تماما ما حدث في أعياد الكريسمس المسيحية التي تحولت إلى أعياد تحمل معاني أكثر من المناسبة الأصلية ذاتها.

ثم إن الهنود رجعوا إلى رمزيات وقصص توحدهم، ولذا فقد لاقى، مثلا، فيلم «جودا أكبر» الذي أنتج العام الماضي، نجاحا كبيرا، وقد قامت قناة «ام بي سي» بدبلجته إلى اللغة العربية وعرضته مرتين بطلب من الجمهور. ويحكي الفيلم قصة حب جمعت امبراطور مغولي مسلم وأميرة هندوسية. المهم في هذا الفيلم أن الامبراطور «جودا أكبر» الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي قد تمكن من تغيير نظرة الهنود عن المغول. فالهنود كانوا يرون في المغول مجرد غزاة ينهبون خيراتهم ويضطهدونهم، ولكن «جودا أكبر» تزوج منهم، وأمر قادة دولته وعلماء الدين المسلمين آنذاك بالتوقف عن فرض الضرائب على أعياد الهنود وشعائرهم الدينية، وأن يستشعروا معاناة الفقراء في كل قرار وتشريع يصدرونه، موضحا لهم «نحن لسنا سراقا، إننا هنود مثلهم».

ثم كان المهاتما غاندي في النصف الأول من القرن العشرين الذي علّم الهنود كيف يناضلون سلميا من أجل الاستقلال، وكيف أنه عانى الكثير لوقف الهندوس والسيخ من قتل المسلمين بعد انفصال باكستان عن الهند، وأضرب عن الطعام حتى توقف القتل الموجه ضد المسلمين الهنود، وبسبب ذلك قام أحد الهندوس المتطرفين باغتياله لاحقا.

وحاليا تلعب أفلام «بوليوود» الهندية الدور الأكبر في نشر ثقافة وعادات الهند، بحيث لا يوجد هندي من أي فئة ومن أي طبقة إلا ويتأثر بما تطرحه هذه الأفلام التي استطاعت أن تحقق إنجازا كبيرا في رفع همم الهنود وربطهم بمشاعر العزة... و «بوليوود» هي التي أعادت تذكير الهنود مؤخرا بالامبراطور «جودا أكبر» لتؤكد أن الهند لجميع من عاش فيها وساهم في تنميتها