بثت «الجزيرة» لقاء مع الكاتب والصحافي محمد حسنين هيكل، تركّز بشأن غزة وموقف الحكومة المصرية الذي أصبح موضع استهجان الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
هيكل هو أبرز كاتب عربي، بدأ حياته مراسلا صحافيا يغطي أحداث فلسطين في 1948، ولما قامت الثورة أصبح مقربا من جمال عبدالناصر، وظلّ مخلصا لتراثه حتى بعد 38 عاما من وفاته. من هنا فإن حديثه يسكت كل خطيب.
وإذا كان من السهل استهداف أي شخص ينتقد الموقف المصري الغريب هذه الأيام، فإن الرجل لا يمكن المزايدة عليه، فهو رجل سياسة وقومية واستراتيجيا عليا. وهو يتحدّث أولا وأخيرا عن دور مصر وأمنها القومي بغضّ النظر عن «حماس» و»الإخوان» و»إيران»، وغيرها من الفزّاعات التي يضلّلون بها بعض قطاعات الرأي العام، ويغطّون على أكبر جريمة إبادة يشارك فيها بعض العرب بالتفاهم مع الإسرائيليين.
هيكل كان يحاول تحاشي أي نقد مباشر لحكومة بلاده، ومع ذلك فاض به الكأس، فقد تحدّث عن «قوة مصر الناعمة» ونفوذها المتآكل في الإقليم بسبب سياستها التي لا يفهمها، وقال بالحرف: «إن الأمن القومي المصري يتعرّض في هذه اللحظة ليس فقط إلى خلل في التوازن وإنما الخشية في أن يأتي يومٌ يقوم فيه السكرتير الثاني بالسفارة الإسرائيلية بلفت نظر الحكومة المصرية إلى معاملة الرعايا المصريين في سيناء»!
الرجل عارفٌ بدهاليز سياسة بلاده، ولم يكن يتكلّم بعاطفة أو هوى خاص يربطه برمز المقاومة الكبير حسن نصرالله، ففي الوقت الذي أعلنت تسيبي ليفني الحرب على غزّة من القاهرة قبل يوم واحد من العدوان، فإن القاهرة تستعد لاستقبال أولمرت وعبّاس السبت المقبل لعقد قمة ثلاثية، بينما رفضت استقبال وفدٍ من العلماء المسلمين المقرّبين أصلا من الحكومات العربية.
هيكل أشار أيضا إلى الكاريكاتير الذي نشرته «الإيكونوميست» مؤخرا، والذي «يفزع كل مصري يراه»، لأنه يؤكد أن مصر شاركت بحصار غزة. كما أشار إلى أن السياسيين الأجانب الذين قابلوا الرئيس مبارك نقلوا عنه أشياء مهولة وخطرة جدا على حد تعبيره، آخرهم ساركوزي الذي قال في «إسرائيل» إنه سمع من مبارك أن «حماس لا ينبغي أن تنتصر في هذه المعركة»، ولم يصدر تكذيبٌ لساركوزي!
هيكل قال إن العدوان على غزّة يعرّض الأمن القومي المصري للخطر، وإن إغلاق معبر رفح كان خضوعا للابتزاز الإسرائيلي وإرضاء للأميركان. واستغرب من هذا الموقف الذي تمليه النظرة الضيقة للأزمة الفلسطينية والخلافات الداخلية الصغيرة مع الإخوان. كما إنه يُظهر مصر متواطئة مع ما يجري في غزة، ما يصيب مصر في مقتل، ويخرجها من دورها كدولةٍ تحترم نفسها، وطلب شيئا واحدا من الرئيس ومستشاريه: أن «يوضّحوا لنا أين مصلحة مصر الاستراتيجية ومستقبلها».
هيكل أكّد مرارا على ضرورة استناد مصر على استراتيجيتها العليا، فالبعد العربي يجب أن يؤخذ في حساب الأرباح والخسائر، فمصر اليوم أصبحت طالبة وليست مطلوبة لزرقة عينيها أو شقرة شعرها. وهو كلام واقعي ومؤلم للمصريين بكل تأكيد، بعد كل هذا التآكل في قوّة بلدهم وتراجع هيبتها وحضورها الإقليمي، وخصوصا أن يأتي على لسان أكبر كاتب عربي قومي مازال المدافع الأول عن التراث الناصري، في وقتٍ كثر فيه الجهّال والمتساقطون والمتواطئون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2317 - الخميس 08 يناير 2009م الموافق 11 محرم 1430هـ