العدد 2317 - الخميس 08 يناير 2009م الموافق 11 محرم 1430هـ

غزّة: حرب إبادة نازية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الإسرائيلي، تستمر حملة الإبادة للشعب الفلسطيني على الطريقة النازية الحاقدة، فقد وصل عدد الشهداء إلى المئات، بينهم عشرات الأطفال، كما بلغ عدد الجرحى الآلاف. ومن اللافت أن هذا العدد من الضحايا لم يجعل المحاور الدولية والعربية تشعر بالخطر والكارثة الإنسانية، بل إن القضية المطروحة لديهم هي الدعوة إلى إيقاف العنف.

أمّا أميركا، فإنها تعمد من خلال مسئولي البيت الأبيض إلى تحميل حركة حماس المسئولية، كما أن مستشارة ألمانيا تردد الكلام نفسه، وكأنها تستعيد طريقة النازي الألماني في تجديد المحرقة للفلسطينيين، في الوقت الذي تتحدث أميركا عن ضرورة توخي الدقة في أرقام الضحايا في غزة الذين سقطوا بفعل القصف الإسرائيلي بالطائرات الأميركية التي لا تُستخدم إلا في الحروب الكبيرة. والجميع ممن يدعون إلى وقف العنف ويساوون بين الجلاد والضحية، يعرفون أن ما قامت به الفصائل المجاهدة المقاومة كان ردّ فعل على العدوان الإسرائيلي في القصف الإسرائيلي المتدرّج، والحصار التجويعي، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها من المدنيين، وتدمير المساجد على رؤوس المصلّين، ولكنّ هذه الدولة الأميركية تشارك حليفتها اليهودية في كل جرائمها وفي سياساتها التوسعية. وقد تكررت التصريحات بأن الهدف من هذا العدوان هو تغيير الواقع السياسي وإنهاء حركة حماس، ما يدلّ على أن ما يجري هو جزء من الحملة الدولية العربية ضد هذه الحركة المجاهدة، بحيث يُستخدم الحصار والقصف الوحشي المجنون للشعب كله من أجل أن يقف الشعب الفلسطيني ضد حماس، بدعوى أنها توّرطهم في هذا الوضع المأساوي.

ولكننا نعتقد أن هذه الحرب رفعت معنويات هذه الحركة لدى الشعب ولدى العالم العربي والإسلامي، بما تمثّل بالتظاهرات الحاشدة التي تهتف في صراخ احتجاجي ضد العدوان، محمّلة العالم العربي المسئولية، وهو ما أكّدته التصريحات الإسرائيلية التي ذكرت أن هذا العدوان كان بالتنسيق مع بعض الدول العربية أو بموافقتها. وهذا ما لاحظناه في بعض تصريحات المسئولين العرب الذين حمّلوا حركة حماس كل النتائج الوحشية، وكأنهم يعذرون العدو في عدوانه، زاعمين ـ على الطريقة الأميركية ـ بأنه يدافع عن نفسه، ولذلك كان قرارهم تأجيل مؤتمر وزراء الخارجية العرب إلى وقت متأخر ريثما تستكمل «إسرائيل» عدوانها، بما يتيح تحقيق رغبة بعضهم في إسقاط حماس، لتتّم عملية ما يسمى السلام العربي ـ الإسرائيلي الذي ينطلق من قاعدة تقديم التنازلات للعدو الذي لم يوافق على المبادرة العربية، بل يعتبرها قابلة للتفاوض الذي تشرف عليه أميركا والدول الأوروبية، في خطة اللجنة الرباعية الدولية التي أثبتت أنها الفريق الإسرائيلي لا الفريق المحايد الذي يدرس المسألة بطريقة موضوعية سياسية، حتى إن الحديث عن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية يستهدف إخضاع حماس لتنازلات السلطة الفلسطينية التي اعترفت بـ «إسرائيل» التي لم تحدِّد حدودها حتى الآن، ولم تقدّم أي تنازل، سواء في مسألة رفض حق العودة، أو في الاستمرار في تهويد القدس واعتبارها العاصمة الموحّدة الأبدية للدولة اليهودية، أو في إبقاء المستوطنات والجدار العنصري الفاصل، والسيطرة على منابع المياه في الضفة.

ولذلك، فإنّ اعتراف مصر والأردن بـ «إسرائيل»، لا يمثّل اعترافا قانونيا أو حقوقيا أو دبلوماسيا، لأن هذه الدولة لا حدود لها بشكل رسمي... بل إنها سوف تفرض الحدود التي تتطلّبها استراتيجيتها مستقبلا من دون أن يعترض عليها أحد، ولقد كانت الجماهير العربية والإسلامية تأمل من مصر والأردن أن لا تكتفيا بالاستنكار وبعقد المؤتمرات التي لا تنتج أيّ حل لمشكلة العدوان والحصار، بل أن تتخذا موقفا قويا من «إسرائيل»، قد يتمثل على الأقل، باستدعاء السفيرين المصري والأردني من الكيان الصهيوني تدليلا على الموقف الضاغط عليه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك.

أما الاتحاد الأوروبي الذي يحترم شعوبه وقضاياه الحيوية ومواقفه السياسية، فقد بادر وزراء خارجية دوله إلى الاجتماع للتداول في هذه المسألة، وطالبوا بوقف فوريّ لإطلاق النار، في الوقت الذي نرى الزعماء العرب لا يملكون هذه المبادرة في مثل هذه الحرب الكارثية التي تحصد الشعب الفلسطيني في غزّة، بكل الحقد والعنصرية اليهودية التي تدخل في ثقافة اليهود ضد العرب والمسلمين، وقد استمع الجميع إلى بيان وزراء خارجية الدول العربية الذي يمثل رسالة غير مباشرة ل»إسرائيل» لكي تأخذ وقتها في الحرب على غزة، كما يمثل رسالة لأميركا، القابضة على الجامعة العربية ومجلس الأمن، بأن العرب يستمعون إلى تعليماتها لا إلى نداءات شعوبهم.

إنّ هذه الحرب ليست حربا ضد حماس، بل هي حربٌ ضدّ الإصرار على الثوابت الوطنية الفلسطينية في قضية التحرير التي لم تستطع الدولة اليهودية أن تنزع الالتزام بها والإصرار عليها من الشّعب الفلسطيني منذ ستين سنة، ولذلك كانت الخطة الإسرائيلية عقابا لهذا الشعب بالحصار والحديد والنار والإذلال على المعابر ومصادرة الأراضي بشكل تدريجي.

وإننا نجد في المواقف الغربية، وبعض الدول العربية، ما يشير إلى المشاركة في التآمر، ولو بشكل سلبي، بما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، لأنه لا حقوق للشعب الفلسطيني لدى كل هؤلاء أمام احترام الشعب اليهودي، ولذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يحترم الإنسان الفلسطيني، والذي عبّر عنه بعض الحاخامات اليهود بأنه يشبه الحشرات والأفاعي التي لا بدّ من القضاء عليها...

وإننا نعتقد أن هذا الصمود الرائع الذي تمثل بثبات أهل غزة والمقاومة القوية في حركة المجاهدين من خلال صواريخهم المتحدّية، سوف يجعل هذه الحرب فاشلة وخاسرة على كل المستويات، وسوف يحقّق للشعب الصابر النّصر بالرغم من كل التضحيات، بالطريقة التي انتصرت فيها المقاومة في لبنان.

ومن جانب آخر، فإننا نرحب بالمساعدات الطبية والغذائية من أكثر من دولة التي وصلت من خلال معبر رفح للتخفيف من حال الحرمان الشعبي، ولكننا نتساءل: لِمَ لم تُرسل هذه المساعدات قبل الحرب، ولا سيّما من الدول العربية؟ ولماذا لم يُفتح هذا المعبر قبل ذلك لفك الحصار أو تخفيفه أو تقديم المساعدات الطبية؟ هل إن ذلك من أجل التنفيس عن الغضب الشعبي الذي يطالب الزعماء العرب بدعم هذا الشعب المحاصَر الذي يموت أطفاله ومرضاه بفعل فقدان الأدوية وإمكانات العلاج؟ ونحن نقول لهم: إنّ القانون الدولي والاتفاق الإسرائيلي المصري لم يمنعا فتح المعبر، فلماذا يصرُّ المسئولون هناك على منع فتحه حتى للجرحى والمرضى، أو للحصول على الحاجات الحيوية؟ هل نفهم من ذلك أن المسألة مرتبطة بالموقف من حركة حماس الذي يمتد إلى الموقف من شعب غزة، والذي يراد الضغط عليه لينتفض في وجه الحكومة المقالة لحساب السلطة الفلسطينية؟ إننا نطلق السؤال من خلال المنطق الشعبي العربي والإسلامي الذي بدأ يفقد ثقته بالمسئولين العرب في التزامهم بالقضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية، وبمعاهدة الدفاع المشترك، ما جعل من الجامعة العربية جامعة الرؤساء لا جامعة الشعوب العربية.

إننا نحذّر العالم العربي والإسلامي من أنّ الغرب قد وضع «إسرائيل» في قلب المنطقة من أجل الفصل بين البلدان التي كانت على اتصال ببعضها البعض، وللسيطرة على الواقع العربي وإخضاعه للسياسة الغربية، ولا سيما من خلال تزويدها بكل الأسلحة المتطورة، بما فيها السلاح النووي، ليكون لها التفوق النوعي على المنطقة، ولتمارس عمليات إبادة متواصلة ضد شعوبنا من دون أن يحرك العالم ساكنا.

وهذا ما عاشه العالم العربي في السنين الماضية في الحرب الصهيونية المدعومة من أميركا وأكثر الدول الغربية ضد مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، ولذلك فإنه لن يكون هناك سلام عادل يضمن للأمة الحرية والعزة والكرامة والعنفوان ما دامت هذه الدولة، التي تمثل القاعدة الأميركية والغربية المتقدّمة لإثارة الفوضى وتحريك الفتن وتهديد الأمن، قائمة، وهو ما يفرض على كل شعوبنا العربية والإسلامية البقاء في موقع الرفض لوجودها في المنطقة.

وإذا كانت بعض الدول العربية، كمصر، تعتبر أن صلحها مع هذه الدولة اليهودية يمنحها الاستقرار والأمن، فإن عليها أن تعرف أن طموحات هذه الدولة في السيطرة على المنطقة سوف تتدخل لإضعاف قوتها، لتبقى «إسرائيل» الدولة الأقوى في المنطقة.

أما في لبنان، فإن الموقف الشعبي كان موقفا مميزا في لقاء المواقف الممانِعة بين مقاومة فلسطين وموقف لبنان، لتكون التجربة المتبادلة هي الخطّ الذي يصل بين المقاومتين، ويؤكِّد النظرة السياسية المشتركة في مواجهة الدولة اليهودية وضرورة إزالة الاحتلال في كل مواقعه.

ويبقى الشّعب اللبناني الأصيل الذي يقف مع قضية الحرية، والذي نريد له أن يدرس الموقف الصهيوني الذي عاش اللبنانيون المعاناة الكبرى من قصفه واحتلاله وتدميره بنية البلد التحتية، ومن المجازر التي تمثلت بـ»قانا» الأولى والثانية بدعم أميركي، إضافة إلى تهديداته المتلاحقة واختراقاته الجوية والبرية المتواصلة، ليتوحّد الجميع في لبنان على أساس ضمان أمنه في كل مناطقه، ويكفّوا عن اللعبة السياسية التقليدية التي يرقص فيها بعض السياسيين على آلام المستضعفين الجائعين المحرومين لاستغلال فقرهم وضعفهم، لضمان الحصول على أصواتهم في صناديق الاقتراع، بما يزيد في تخريب الذهنية اللبنانية في مسألة احترام المواطن واحترام حرية قراره.

إنّ المرحلة تمرّ باهتزازات سياسية وأمنية، وخصوصا أن أميركا ـ ومعها «إسرائيل» ـ ما زالت تتابع حربها على المستضعفين، ومصادرة ثرواتهم، وإثارة الفتن، واغتيال المجاهدين، ولن يكون لبنان في منأى عن هذه الأخطار، بالرغم من حديث المسئولين الأميركيين، في بعض الجلسات، بأن لبنان لم يعد في موقع الاهتمام السياسي والأمني. وعلينا أن نفهم جيدا معنى أميركا و»إسرائيل» في كونهما تمثلان دولة واحدة متكاملة في اضطهاد الشعوب واغتيال السلام.

إنَّ المرحلة تفرض الوعي والحذر، والوحدة الوطنية، والتلاقي على قاعدة المواطنة الإنسانية التي تجعل الإنسان اللبناني يعيش إنسانيته في انفتاحه على الآخر، لا وحشا طائفيا يقبع في زنزانة طائفته الخبيثة التي يجتر فيها عقدته النفسية ضد الآخر... إن معنى إنسانيتك أن تعترف بإنسانية الآخر لتتواصل معه ولتتعاون معه على البرّ والتقوى، لا على الإثم والعدوان

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2317 - الخميس 08 يناير 2009م الموافق 11 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً