صرّح رئيس الأركان الباكستاني الجنرال أشرف برويز كاياني للإعلام أن ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية سوف تُمنَع في إقليم بلوشستان، حيث تتحول الولايات المتحدة بحسب التقارير الواردة، لمقاتلة مجموعة كويتا شورا المتشددة المسلّحة، التي توفّر حسب ما يقال معظم قيادات «طالبان» الباكستانية.
يمكن لهجمة على عاصمة بلوشستان أن تفاقِم بشكل إضافي النزاع الانفصالي المستمر في المنطقة.
أطلقت باكستان عمليات في بلوشستان في أوقات مختلفة خلال التاريخ الممتد عبر 62 سنة، بعضها عندما كان الرئيس السابق برويز مشرف في السلطة، ثم مرة أخرى خلال فترة الحكومة الديمقراطية الأخيرة، بينما يستمر النزاع بين الجيش والانفصاليين البلوشيين.
أعلن رئيس الوزراء يوسف رازا جيلاني مؤخرا، في محاولة لتغيير المسار، عن خدمة مقترحة لبلوشستان تعطي البلوش للمرة الأولى في تاريخ باكستان سلطة أوسع على مواردهم الطبيعية، التي توفر للدولة جزءا كبيرا من ثروَتها. وبوجود جهود كهذه، يمكن لهجمات الطائرات الأميركية من دون طيار على العاصمة الإقليمية أن تضرّ بجهود صنع السلام.
لقد نتج عن نظام باكستان السياسي، المركزي بشكل زائد، نزاعات سياسية واقتصادية مستمرة بين وسط الدولة والمقاطعات الأخرى، ويثبت النزاع القائم في بلوشستان هذه النقطة.
يتذمر السكان لكونهم يُحرَمون من العائدات المالية، ولأن حقوقهم كمواطنين غير معترف بها، بينما ينادون بعقد اجتماعي جديد يحتوي على حكم ذاتي إقليمي متزايد. وتعمل هذه التذمرات على إمداد حركات التحرر داخل المنطقة وقد تؤدي إلى انفصال عن باكستان إذا لم يتم التعامل معها بأسلوب صحيح.
وحتى يتسنى منع حصول ذلك تقوم الحكومة الباكستانية باتخاذ خطوات صغيرة نحو إعطاء بلوشستان الغنية بالموارد والهامة استراتيجيا حصة أكبر من الفوائد المالية وتمثيلا سياسيا أقوى في الحكومة المركزية.
توفر طبقات الأرض السفلى في بلوشستان جزءا هامّا من الطاقة والموارد المعدنية في باكستان، حيث تشكّل 36 في المئة من إجمالي إنتاج الغاز. وتضم الموارد كذلك كميات كبيرة من الفحم والذهب والنحاس والبلاتين والألمنيوم، والأهم من هذا كله اليورانيوم، الذي يُعتَبَر أساسيا في تطوير الطاقة النووية. كما تشكل بلوشستان منطقة عبور محتملة لأنبوب ينقل الغاز الطبيعي من إيران وتركمانستان إلى الهند.
ويشكل ساحل الإقليم أهمية خاصة لاقتصاد المنطقة، إذ يوفر لباكستان منطقة اقتصادية مقتصرة تنتشر عبر نحو 111,600 ميل مربع، الأمر الذي يعطي بلوشستان أهمية اقتصادية خاصة. ويُتوقَّع من مدينة غوادار في بلوشستان الواقعة على مقربة من مضيق هرمز على مدخل الخليج العربي ميناء ومخازن ومرافق صناعية لأكثر من عشرين دولة آسيوية وشرق أوسطية.
بلوشستان هي كبرى الأقاليم الباكستانية الأربعة من حيث المساحة، ولكنها موطن لما يقدر بنحو6 في المئة فقط من إجمالي عدد السكان. ورغم احتوائها على أغنى الموارد المعدنية والطبيعية في الدولة، إلا أن الإقليم يعاني من أعلى نسب الأمية وأكثر المؤشرات الصحية والهيكلية انخفاضا.
وينبع فقر الإقليم من سياسة توزيع الموارد التي تتبعها هيئة المالية الوطنيّة، التي تموّلها الضرائب ويتم توزيعها بين الأقاليم لغايات التنمية من قِبَل الحكومة المركزية. ويعتمد توزيع الموارد على عدد سكّان الإقليم، وهو نظام يعود إلى تاريخ تفسّخ باكستان في العام 1971، وطالما كان خلافيا منذ بدئه. ويدّعي الكثيرون أن الحكومة المركزية فرضت هذا النظام على الأقاليم غير المتقدمة متجاهلة احتياجاتها الأساسية.
شكّل مبدأ التكافؤ خلال السنوات الأربعين الماضية الشرط الوحيد لتوزيع الموارد. أصرّ إقليم البنجاب، وهو الأكثر اكتظاظا بالسكان منذ إنشاء نظام التوزيع على أن يكون عدد السكان هو الأساس الوحيد للتوزيع. وتطالب أقاليم السند وبلوشستان وإقليم الشمال الغربي الحدودي أن يُعطى الحجم الجغرافي ومستوى النمو الوزن النوعي في توزيع الموارد، وهي أفكار يجري أخذها بعين الاعتبار للمرة الأولى منذ عقود عديدة.
شكلت عملية تبني اللا مركزية في نظام التوزيع الذي تتبعه الهيئة المالية الوطنية والذي هو قيد النقاش الآن، نقطة سوداء للشعب البلوشي. تحتاج الحكومة في إسلام آباد لأن تظهر أنها تستوعب مفهوم الحكومة المركزية للجميع، أي ما يعني توزيعا عادلا لموازنة الحكومة لصالح جميع مواطنيها وأقاليمها، حتى يتسنى إدامة ديمقراطية باكستان الناشئة.
يتوجب على الحكومة في إسلام آباد، حتى يتسنى لها استعادة ثقة الشعب في الديمقراطية أن تولي المزيد من الاهتمام للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية المروّعة في أقاليمها المهمّشة، مثل بلوشستان. الحاجة ماسة وحرجة للتشارك في الدخل بين الأقاليم ضمن نظام توزيع للهيئة المالية الوطنية يُعاد تصميمه مجددا.
وبوجود حكومة أكثر ديمقراطية مستقلة من الجيش الآن، سوف تكون القرارات التي تُتخذ بشأن بلوشستان ذات أهمية خطيرة. يأمل سكان هذا الإقليم الغني بالموارد، والذي يحتل موقعا استراتيجيا على حدود إيران وأفغانستان، أن تكون الإجراءات التي يتخذها النظام الحالي ستلطّف نزاعا مستمرا منذ عقود عديدة، وهم بانتظار ذلك.
صانعة أفلام ومحللة اجتماعية سياسية، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2598 - الجمعة 16 أكتوبر 2009م الموافق 27 شوال 1430هـ