شهدت السينما المصرية خلال العام 2009 ظاهرة لافتة تدعو إلى التوقف أمامها طويلا، وهي استقطاب السينما مجموعة كبيرة من المطربين، وخصوصا من مطربي الصف الثاني، ليدخلوا المجال جنبا إلى جنب مع كبار المطربين.
هذا الواقع طرح بدوره سؤالا مهما حول سر هذا التوجه؛ هل هو نتيجة مطالبة كبار المطربين والممثلين بأجور عالية، ومحاولة من المنتجين لتقليل الكلفة في ظل الكلف الباهظة التي أصبحت تواجه صناعة السينما؟ أم أن هناك أبعادا أخرى لتوجه المطربين - صغارهم وكبارهم - نحو عالم التمثيل، وتأثير كل ذلك على مستقبل السينما عموما! إقبال المطربين على السينما ظاهرة لم تكن وليدة اليوم، بل بدأت منذ سنوات طويلة، شهدت خلالها وجود العشرات من المطربين والمطربات في عالم التمثيل، بعضهم حقق نجاحا، والبعض الآخر لاقى فشلا ذريعا، واستمرت تجارب المطربين مع التمثيل ما بين صعود وهبوط حتى موسم العيد الماضي ليشهد تحولا واضحا في هذه التجارب، حيث ظهر عدد من الأفلام التي قام ببطولتها مطربون من الصف الثاني على غرار فيلم «الحكاية فيها منة» الذي تم إسناد دور البطولة فيه إلى الفنانة بشرى على رغم قدراتها الغنائية المتواضعة، وفشل ألبوماتها في تحقيق أي نجاح، وشاركها البطولة المطرب الشاب إيساف الذي فشل ألبومه الوحيد أيضا الذي صدر له منذ عامين.
وخلال موسم العيد أيضا ظهر فيلم «مجنون أميرة» الذي أسندت البطولة فيه إلى المطربة اللبنانية نورا رحال، على رغم أنها حتى الآن لاتزال في الظل، ولم تتقدم أية خطوة للأمام. وكذلك ظهرت مايا نصري في فيلم «الدكتاتور» والكثيرون غيرهم من شباب المطربين والمطربات الذين يقومون حاليا بتصوير عدد من الأفلام المقرر عرضها خلال المواسم المقبلة.
بقراءة سريعة لهذه الأفلام التي عرضت أو التي يتم تصويرها، نجد أن غالبية هؤلاء المطربين يكونون في أدوار البطولة الثانية، وهو الوجود الذي فسره عدد من النقاد بأنه محاولة من محاولات صناعة نجوم من المطربين في مجال التمثيل واحتكارهم عبر الشركات المنتجة لسنوات بأجور متفق عليها مقدما، ويتم خلالها تقديمهم في أعمال تكثف لها الدعاية، ما يساعد القائمين على هذه الأعمال في تقليل الكلفة في عدد من الأفلام.
ولفت النقاد إلى أن هناك عوامل أخرى تكمن في استفادة المنتجين من الأغنيات التي تقدم في هذه الأفلام بعد تصويرها فيديو كليب، لتباع إلى القنوات الفضائية وعبر «سيديهات» للجمهور، كون ذلك يوفر عائدا جيدا للمنتج.
في سياق متصل، ربط الكثير من النقاد والمهتمين بسوق الأغاني بين إقبال المطربين سواء الصغار أم الكبار على السينما، والكساد الذي شهده سوق الأغاني خلال العامين الماضيين ولايزال مستمرا لأسباب كثيرة، أدى إلى تعرض المنتجين في مجال الأغاني إلى خسائر كبيرة، على رأسها عمليات تقليد الألبومات وبيعها على الأرصفة بأسعار زهيدة.
في ظل هذا الواقع - والكلام للنقاد - لم يجد المطربون وخصوصا الكبار منهم إلا البحث عن وسائل جديدة للانتشار وعرض أعمالهم، وكانت السينما هي الوسيلة الأفضل لتحقيق المزيد من النجومية وحصولهم في الوقت نفسه على أموال طائلة تصل إلى الملايين مقابل فترة وجيزة لا تتعدى أربعة أو خمسة شهور هي فترة تصوير أعمالهم، إضافة إلى ما تتيحه لهم هذه الأعمال السينمائية من تقديم عدد من أغنياتهم الجديدة التي تباع إلى القنوات الفضائية أثناء وبعد عرض أفلامهم، لافتين إلى أن أجر المطرب الذي تسند إليه بطولة فيلم سينمائي يكون غالبا أعلى بكثير من أجر الممثل العادي، وقد يصل أجره إلى أكثر من ثلث كلف الفيلم، ويستند المنتجون في ذلك على نجومية المطرب والاستفادة من بيع أغنياتهم إلى القنوات الفضائية المختلفة.
كغيرهم من نجوم التمثيل، أدى مغالاة كبار المطربين في أجورهم بعد النجاحات الكبيرة التي حققوها واستقطابهم لجمهور عريض من محبي السينما والغناء بالمنتجين، إلى الانصراف عنهم والتوجه نحو مطربي الصف الثاني، والتعاقد معهم لسنوات طويلة بأجور زهيدة، ليكبروا بين أيديهم وينالوا حظا كبيرا من الشهرة بدلا من كبار المطربين الذين يستنزفون غالبية موازنات أفلامهم.
وعلى رغم الجدل الذي أثير في أوقات سابقة حول نجاح المطرب في مجال التمثيل والممثل في مجال الغناء، فإن تجربة المطربين الذين دخلوا مجال التمثيل كانت هي الأنجح والأفضل، بعكس الممثلين الذين قدموا أغنيات في الأفلام، فجاءت ضعيفة وباهتة من كل النواحي.
وما يؤكد ذلك محمد فؤاد في فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، وحمادة هلال في «حلم العمر»، ومصطفى قمر في «عصابة د. عمر» و «حريم كريم» و «قلب جريء»، وشيرين عبدالنور في «رمضان مبروك» مع محمد هنيدي، وروبي في «الوعد»، ودوللي شاهين في «نمس بوند» و «المشمهندس حسن»، وهيفاء وهبي في «دكان شحاتة»، إضافة إلى الأفلام الكثيرة التي شارك فيها محمد منير وغيره من كبار المطربين، وهي كلها أفلام حققت نجاحا كبيرا بفضل نجومية المطربين الذين قاموا فيها بدور البطولة، وغالبيتهم أدى البطولة المطلقة.
انطلاقا من ذلك، أشار الكثير من النقاد إلى أن دخول هؤلاء المطربين عالم السينما كانت له إفرازات إيجابية، منها عودة أغاني الأفلام التي تقوم على سيناريو منضبط تسمح للجمهور بالتفاعل معها، إضافة إلى الكشف عن مواهب تمثيلية على مستوى عال، وكانت أيضا في المقابل تعويضا منطقيا وموضوعيا عن سوق الأغاني التي تتعرض لكارثة حاليا بفعل التقليد الذي أصابها في مقتل.
وأكدوا أن هذا النجاح يشكل إضافة حقيقية للأفلام السينمائية بوجود الأغنية الحقيقية من أصوات مؤهلة ومدربة، كبديل لممثلين خاضوا تجربة الغناء من دون مؤهلات، ولم يتركوا أثرا أو يشكلوا إضافة لأعمالهم السينمائية، غير أن تجربتهم تعتبر خصما من نجوميتهم.
وإذا كان السبب الأساسي لإقبال المطربين على مجال السينما هو الكساد في مجال الأغاني، فهذا الواقع جاء على غرار المثل الذي يقول «رب ضارة نافعة»، فإن كانوا قد تضرروا لفترات محددة من غياب الأغاني، فإنهم كسبوا في مجال السينما أضعاف ما كانوا يكسبونه من الأغاني، وفي الوقت نفسه أراحوا الجمهور المغلوب على أمره من دخول بعض الممثلات والممثلين عالم الغناء والموسيقى استنادا إلى نجوميتهم، وقدموا نَسْخا مشوها أدار له الجمهور ظهره علنا.
العدد 2598 - الجمعة 16 أكتوبر 2009م الموافق 27 شوال 1430هـ