العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ

عجوزٌ من جيل الشتات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم نتمنى فتح ملف الجنسية، بالطريقة التي روّج لها وزير الداخلية، لأن فيها تقليبا للكثير من المواجع والمظالم والأحزان.

للوزير رؤيته وتفسيراته وأرقامه، وللشريك الآخر في الوطن رؤية وتفسيرات وأرقام أخرى... تراكمت على طول طريق الهجرة لحشودٍ منسيةٍ من أجيال الشتات، لم يكن المرحوم عطية الجمري أولهم، وليست آخرهم العجوز فاطمة الصفار.

امرأةٌ قابلتها بالصدفة قبل عامين في دولة الإمارات العربية الشقيقة، عمرها جاوز السبعين. كانت قادمة من إيران، وكنت ذاهبا من البحرين، لحضور حفل زفاف أحد الأقارب. وهي نموذجٌ معتَبَرٌ مما أسماه الباحث الأكاديمي نادر كاظم «جيل الشتات». فجدّها غادر منزله في المنامة، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، هربا بعائلته من «تجاوزات شنيعة» و»انتهاكات» لحقوق الإنسان، واستقر به المقام في أحد البنادر جنوب إيران.

ملابس السيدة من النوع القديم، الذي قد تعثر عليه فقط في بعض قرى البحرين اليوم. والغريب أنها احتفظت بلهجتها المنامية المتميّزة بمدّ نهاية الكلمات، رغم أنها لم تزر البحرين قط، وإنما عاشت ضمن أحد تجمعات من عُرفوا في الخليج بـ «البحارنة»، وتمثّل الجيل الثالث في إحدى العوائل المهاجرة.

كصحافي، استثارتني هذه الملاحظة، وأخذت أقارن أثر الأيام على ابنتها وحفيدتها. الابنة تجاوزت الأربعين، وقد بدأت الكلمات الفارسية تتسلّل إلى لسانها وتختلط بكلماتها، أما الحفيدة فكانت تكافح بشدةٍ للتعبير عن نفسها بلغةٍ عربيةٍ دون تكسير. إننا أمام الجيل الخامس من جماعةٍ اضطرتها الظروف السياسية إلى ترك موطنها قسرا قبل مئة وخمسين عاما، بحثا عن الأمان، في زمنٍ مليء بالمحن والاضطرابات واستباحة الأموال والأعراض. من مصلحة من فتح هذه الملفات؟

شخصيا، أنِسْتُ لصحبتها كونها عجوزا تتكلّم على سجيتها مثل عجائز قريتي اللاتي تأسرني طيبتهن ويستهويني حديثهن. كما أنك أمام شخصيةٍ لا تلتقيها إلا في المسرحيات التراجيدية والروايات التي تذكّرك بـ «الجذور» لألكيس هالي. كانت تتحدّث عما سمعته من أبيها وجدّها عن الوطن البعيد الذي يعيش في الخيال، ومن ذلك أن لديها أهلا في البحرين من عائلة الصفار. ومما حدّثوها عنه مأتم «طيّوب» في المنامة، وعندما حاولت التأكد من المعلومة من بعض الأصدقاء، تبين أن هناك ثلاثة مآتم تحمل اسما مشابها في عدة أحياء، على أن أقربهم احتمالا، عمره اليوم 120 عاما، في فريق الحمّام، يحمل اسم «المعلّمة طيّوب».

الغريب أن هذه الفصيلة من السلالات العربية النادرة، المصابة بمرض حبّ الوطن، تماما كما جاء في التوصيف الدقيق لنادر كاظم، فهو محور حياتها ومماتها، وقصصها وأساطيرها. اليوم، تتعرّض إلى التشكيك في جذورها وهويتها وانتمائها، بعد أن استنفذت حملات أخرى للتشيك في ولائها لأرضها ووطنها، ضمن محاولةٍ دؤوبةٍ لتزوير الماضي، وعبث بالتركيبة السكانية لشعبٍ عربيٍّ أصيل، باستقدام أجناسٍ وجنسياتٍ ولغاتٍ من مختلف جهات الأرض.

ليست قضية أكثرية وأقلية، ولا سنة أو شيعة كما يحاول البعض تحريف دفة النقاش، وإنما هو التجنيس السياسي. وهي قضيةُ سياسة غير متوافَق عليها وطنيا، لما تلحقه من ضررٍ مؤكدٍ بالشعب البحريني ومستقبله. وفيها يجري الكثير من الاستغفال والتضليل، وستدفع كلفته قريبا جميع الفئات من الجماعات السكانية «القديمة»... ولماذا نذهب بعيدا؟ ألم نبدأ بتسديد فاتورته من الآن... في المدارس والمستشفيات والشوارع ومشاريع الإسكان؟ اسألوا إخواننا وأهلنا في المحرق والحد والرفاع.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 9:58 ص

      نعم

      جدتي تخبرنا بأن لها أهل هاجروا إلى العراق او البصرة من القدم، هي لم تراهم على ما يبدو ولكن والدها اخبرها بذلك

    • زائر 18 | 6:36 م

      مراقب

      انا محتار!!! من قام بالتجنيس؟؟؟لابد من محاكمتةولابد من مقاطعلة المجنسين ..واليوم مت قهر ان مكتبتين بالرفاع يملكانها يمانية

    • زائر 17 | 12:42 م

      يستوطنون أرضنا ونعيش أغراب

      التحية لك سيدنا موضوعك جميل جدا ويستحق كل التقدير ولكن من يسمع يا سيد ..طبعا أنا لاأدعوك لتوقف عن إثارة مثل هذه الموضوعات بل أدعوك إلى تكثيف الكتابة فيها .. التجنيس آفة ستفتك بالوطن إن لم يجد من لديهم مفاتيحها الحل الناجع لها . البحارنة المهجرون يا سيد كثر قد تناثروا في كل مكان في الاحساء في إيران وفي كل دول الخليج منهم من هاجر هربا حفاظا على عرضه ومنهم بحثاعن لقمة رزقه التي فقدها في وطنه واستلها منه مجنس مشؤوم فعاش في وطننا منعما وعشنا في الغربة مرغمين ننام ونصحوا وحب الوطن يسري في عروقنا..

    • زائر 16 | 12:26 م

      منطق عجيب

      العجيب الغريب أن البلوش لهم أقليم معروف الموقع الجغرافي له وهو بين باكستان وايران ولكن الغريب أن الأصوات النشاز تدعي أن مواطنين أصليين والبحارنة الذين اشتق أسمهم من المنطقة التي عمروها منذ قدم التأريخ تكون أصولهم ايرانية. صحيح المعروف منكر والمنكر معروف في هذا الزمن. منطق عجيب غريب ولا نعرف هل يملك صاحب هذا المنطق عقلا أم هو الحقد الذي تملكه وحجب عقله عن ما هو بين.

    • عاشق | 8:13 ص

      مثلها وايد

      الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
      الواحد منا وين ما يروح بدول الخليج بشوف الكثير من الناس الذين لهم اصول بحرانيه .

    • زائر 15 | 7:47 ص

      حسين الحاج حسن

      شكرا سيدنا نحن عائلة معروفة من السنابس ، ولدينا فرع كبير من عائلتنا يعيشون في البصرة بعد أن هاجروا إليها حفاظا على نواميسهم جراء ما أسميته (بالانتهاكات الشنيعة) وحفاظا على أعراضهم وأموالهم. أرجو أن تفتح صفحات التاريخ المغلقة لمعرفة الافعال الشنيعة تلك ومجريات الاحداث

    • زائر 14 | 5:28 ص

      المقال الواضح

      إن من يتتبع سير السلالا البشرية يلاحظ أولا اين مصدرها ومن ثم يببدأ في معرفة فروعة وقد برع الكاتب في تحلليل اصول هذه الفئة السكانية المترامية على أطراف الخليج ...
      نوجه شكرنا للكاتب قاسم حسين

    • زائر 13 | 5:21 ص

      الي متي؟

      نطالب محاكمة من قام بتجنيس لان لاجيال القادمه سوف تحاسبنا علي هذا

    • محب البحرين | 5:12 ص

      مليون حسافة يالبحرين

      دمعت عيناي وأنا أقرا مقالك ياسيد, الحين أنهيت "حصة" كان عدد طلابي فيها 20, منهم 10 آسيويين, 6 عرب مستوطنين (75%), تصرف عليهم خيرات بلدي ويضيع جهد أمثالي ... في نفس الوقت أنا ما حصلت حقي, فما بالك أبنائي, أخواني, حبايبي. مصابنا عظيم ولما يتكلم فيه الإنسان ينخنق,

    • زائر 11 | 4:17 ص

      لماذا خرجوا من البحرين؟

      ما هي الأسباب التي دفعتهم للخروج من البحرين؟

    • زائر 9 | 3:35 ص

      ولكن من يقرأ ويتعظ

      بعد هذا المقال صاحب الحس الوطني الرفيع هل من وزير أو نائب ذو غيرة على بلده يستجيب لنداءات وقف التجنيس وتهجير المجنسين

    • زائر 8 | 3:04 ص

      عفيه عليك سيد

      بعيدا عن الطائفيه والقضية ليست سنه او شيعة ولكن احقاق للحق والوقوف دون تشويه الحقائق,, ولو اردنا ان نوثق هذه القضية والمأساة للمشتتين من ابناء البحرين لأحتجنا مجلدات ومجلدات,, وحقيقه اي شخص يسافر لابد ان يلتقى بناس يقولون ان اصلهم من البحرين,, وانا شخصيا لدي اخت لجدتي هاجرت مع زوجها للعراق وابنائهم واحفادهم موجودين وقد علمهم ابوهم وامهم كل شي عن البحرين حتي انهم يعرفون "زرانيقها" اكثر من اي بحريني,, في حين ان المجنسين الجدد يو تقول له عدد لنا 5مناطق من البحرين مايعرف؟؟

    • زائر 7 | 2:55 ص

      وين الانسانيه

      احزنتنى قصة المره الطيبه !! الله يعطيها طول العمر !! لا حول ولا قوة الا بالله ؟؟ ليش تنفون الناس الطيبه وتجلبون الناس الكريهة النتنه ؟؟

    • اسالني انا | 1:35 ص

      كلامك اسس الصدق !

      والله اني استمتعت بمقالاك فأنت ترجعني الى ماضي جميل يختنق فيه الحاضر المر .ولا أبالغ اذا اقول اننا دفعنا الثمن غالي بسبب داء التجنيس ولكن ما بيدنا سوى صوتنا الضعيف ورأيكم السديد وفقكم الله لخدمة الوطن .

    • زائر 5 | 1:17 ص

      بلوتنا بالبحرين

      اتساءل احيانا...كيف بدئت فكره التجنيس ومن بدئها!! اي فرد؟ وباي افق ضيق خاض فيها وكيف تحولت من فكره الى خطه الى تنفيذ!
      زوجوا شباب السنه اذا كان الغرض تعديل ديموغرافيه البلد ولكن اوقفوا التجنيس!
      اذا كان هو هذا الهدف....فقد تم اختيار اسوا الحلول لتحقيقه.
      ديرتنا اصيله باهلها شيعتها وسنتها....مانبي هنود ولا شاميين.
      وللنائب الحكومي: مرد شاميش ولد كومار يطق بيتكم طالب القرب. دافع عن التجنيس عقب.

    • زائر 2 | 11:13 م

      صدقت

      احيك على الكلام المنطقي الموزون

اقرأ ايضاً