نأمل أن يساهم ما سبق رصده من، إشارات لمواقف القوى من البرلمان، وتشخيص للمعطيات القائمة المحيطة بالدوائر السياسية التي تتفاعل، وفي مراحل معينة تتصارع داخل مساحاتها القوى السياسية المختلفة، في الخروج بموقف سليم ومتكامل من البرلمان، من حيث المقاطعة أو المشاركة. ومن أجل قطع الشك باليقين، فيما نراه ملائما لمتطلبات المرحلة المقبلة، ينبغي القول بصراحة ودون أية مواربة أن الموقف الصحيح، مأخوذة بعين الاعتبار كل النواقص التي تعاني منها التجربة الديمقراطية الحالية، هو المشاركة في انتخابات الدورة القادمة على أن تكون هذه المشاركة مدروسة وحذرة. ولكي تكون نتائج هذه المشاركة التي ندعو لها، إيجابية ولصالح العمل الوطني الديمقراطي لابد لها أن تأتي متناسقة ومتناغمة مع الخطوات السياسية والتحالفية التالية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الحديث مقصور هنا على قوى المعارضة الوطنية دون سواها من القوى السياسية الأخرى:
1. أن تدرك القوى المشاركة، النواقص التي يعاني منها البرلمان الحالي، كي تتحاشى، الوقوع بوعي أو بدون وعي في فخ تعظيم دور البرلمان في تعزيز آليات عمل المسيرة الديمقراطية، ولكي لا تضع تلك القوى، كما يقول المثل الدارج «بيضها في سلة واحدة فقط» هي البرلمان، الذي مهما بلغت عظمة دوره، لكنه يبقى في نهاية المطاف، محفوفا بالكثير من الأخطار، سواء كانت تلك الأخطار محصورة في نجاح بعض القوى في تقليص صلاحيات البرلمان القائم، أو حتى الذهاب إلى أقصى من ذلك والوصول إلى مرحلة حل البرلمان والعودة بالبلاد إلى مرحلة ما قبل تدشين مشروع الإصلاح السياسي. على القوى المشاركة هنا توخي الحذر المطلوب في نهج تعاطيها مع قرار المشاركة، كي لا تساهم حملاتها الانتخابية في تخدير الجماهير بتحويل دورها إلى مجرد أرقام في صناديق الاقتراع. المطلوب هنا درجة عالية من الوعي القادرة على تشخيص دور البرلمان والحيز الذي يمارسه في عملية التحول الديمقراطي الشاملة.
2. أن يتحاشى الطرفان، المعارض والمشارك نقل خلافهما حول هذه المسألة من خانته الثانوية إلى أي من خانات التناقض الرئيسي في المجتمع. مثل هذه الخطوة تكتسب أهميتها من زاوية حاجة القوى المعارضة كافة، لتجيير طاقاتها وحشد قواها، سواء من داخل البرلمان أو من خارجه، لحسم صراعات التناقض الرئيسي في هذه المرحلة، والذي هو بين المعارضة بأجنحتها المختلفة، والقوى التي تقف ضد التحولات الديمقراطية. لابد لكلا، المعارض والمشارك، أن يتقن إدارة دفة الخلاف بمهارة فائقة قادرة على وضع الأمور في نصابها، في أضيق حيز ممكن، كي يتسنى له وتوجيه دفة النضال نحو الهدف الوطني الأكثر أهمية والذي هو المحافظة على المكاسب الديمقراطية التي انتزعتها نضالات الجماهير البحرينية، ومن بينها، وليس جميعها، البرلمان. ينبغي استقاء الدروس هنا من تجربة برلمان 1973، عندما احتلت الاختلافات الثانوية بين فصائل الحركة الوطنية البحرينية المقدمة، وتراجعات، وبشكل خاطئ، كل التناقضات الرئيسية، حينها، إلى الخلف؛ ما أضاع على المعارضة الكثير من الفرص التي لم يعد في الوسع تعويضها.
3. أن يقيم الطرفان، المعارض والمشارك، قنوات حوار ناضجة ومسئولة، قادرة على ضبط إيقاع الحوارات بينهما. هدف هذه القنوات ينبغي أن ينصب على كيفية إدارة الحوار الوطني القائم على الاتفاق حول الأهداف الاستراتيجية المرحلية، وتغليب تحقيقها على سواها من الأهداف الثانوية الأخرى. هذه الخطوة التنسيقية ينبغي أن تأتي مكملة ومعززة، وليست بديلة، للعلاقات القائمة بينهما. هذه القنوات، سوية مع الإسهامات الإيجابية التي سيبذلها كل طرف من أجل توثيق عرى العلاقات المتكاملة، غير المتناحرة، بين الأطراف الوطنية المختلفة، هي التي ستحد من سلبيات الخلاف حول الموقف من البرلمان، وهي في الوقت ذاته القادرة على المزاوجة الجريئة والبناءة بين النضالات التي يقودها من هو في داخل البرلمان أو خارجه.
4. أن تتضافر قوى الطرفين، المشاركة والمعارضة، كل وفق برنامجه السياسي، لتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، التي من الطبيعي أن تدعم أداء الطرفين دون أي تمييز، فالقوى المشاركة ستكون في أمَسّ الحاجة للقيام بذلك كي تكون قادرة على انتزاع المكاسب من خلال القنوات البرلمانية، ذلك أن تعزيز حضور ودور مؤسسات المجتمع المدني، بوصف كونها الوحيدة دون سواها من المؤسسات الأخرى، القادرة على أن تكون صمامات الأمان ضد أي انكفاء، شبيه بذلك الذي أقدمت عليه السلطة في العام 1973، يحاول أن يعيد البلاد إلى مرحلة ما قبل المشروع الإصلاحي. ولابد من التأكيد هنا على أن تعزيز هذا الدور لا ينبغي أن يكون ممارسة شكلية تجميلية، بقدر ما هو برنامج نضالي متكامل يدرك، بشكل مسئول مدى خطورة وسلبية تهميش هذه المؤسسات، وبالقدر ذاته اقتناعه المطلق بأن هذه المؤسسات التي هي وحدها المؤهلة والقادرة على أن تكسو الهيكل العظمي للمسيرة الديمقراطية، والذي هو البرلمان، وأن تحميه من محاولات تهشيمه من قبل القوى التي لا تزال متربصة به. وعلى قدم المساواة ستكون تلك الفائدة التي من الطبيعي أن تجنيها القوى المعارضة للمشاركة، من النجاح في تعزيز ذلك الدور لمؤسسات المجتمع المدني، نظرا إلى كون هذه الأخيرة القناة الوحيدة المتبقية أمام تلك القوى من أجل احتفاظها بقنوات اتصالها مع جماهيرها.
تلك كانت اجتهادات كان القصد من ورائها المساهمة في الحوارات الساخنة التي تهب رياحها على الساحة السياسية، ومن الطبيعي أن يحمل كل اجتهاد في أحشائه احتمالات الصواب والخطأ معا. لكن الجدوى الحقيقي من ورائها لن يتم ما لم تضم إلى اجتهادات أخرى تتفق أو تختلف معها في الطرح أو التوجهات كي تشكل جميعها، في نهاية المطاف، مادة دسمة توضع على طاولة البحث والتمحيص للخروج بموقف مسئول ينتشل البلاد من أية محاولة لحرف مسارات نضالات جماهير البحرين من جادات العمل الوطني الاستراتيجي الرحبة القائم على وعي سياسي مسئول عن مستقبل هذه البلاد، إلى أزقة الخلافات الثانوية الضيقة التي سترغم الجميع على التدافع للخروج من زحامها من غير شيء أكثر من «خفي حنين».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ