العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ

أنظمة الحوكمة شرط أساسي لضمان الاستقرار العالمي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

إن عضوية الجمعية البحرينية للشفافية في منظمة الشفافية الدولية بقدر ما يتيح لها من إمكانيات وفرص فإنه يفرض عليها التزامات أيضا بأن تكون عضوا في منظمة دولية عليها التزامات عالمية.

إن قضية مكافحة االفساد والمحسوبية والعمل من أجل الشفافية والنزاهة هي في صلب مهام جميع المخلصين من المواطنين والمقيمين في أي بلد في العالم ونخبها السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية.

وفي مملكة البحرين فإننا نواجه تحديا كبيرا يتمثل في كون الفساد والمحسوبية وغياب الشفافية والنزاهة في دولة الاقتصاد الريعي ثقافة وممارسة متأصلة تنعكس سلبا في جميع مناحي الحياة، وتهدد مكانة الدولة وقدراتها وصدقيتها وتضر أشد الضرر بالمجتمع.

وفي ظل العهد الجديد فإن القوى الخيرة في المجتمع والدولة تناضل من أجل التصدي للفساد والمحسوبية. ترتب على ذلك بعض الخطوات المهمة أبرزها تشكيل ديوان الرقابة المالية وتصديق الحكومة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والتي تنتظر تصديق السلطة التشريعية والمناقشة والتدقيق في موازنة الدولة من قبل مجلس النواب منذ 2001 وتشكيل المجلس الأعلى للمناقصات وبعض الشفافية والانفتاح في إدارة الدولة للبلاد ومقدراتها.

ويعتبر قيام الجمعية البحرينية للشفافية وما قامت به من مهمات مؤشرا لدور المجتمع المدني ومنظماتة في هذا الجهد الوطني. كما أن منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ينحو لمزيد من الإفصاح والشفافية تجاه أعضائه أو مساهميه بشكل خاص والجمهور بشكل عام.

إن الإشارة إلى قرب صدور قانون بتشكيل ديوان الرقابة الإدارية في خطاب صاحب الجلالة ملك البلاد أمام حفل افتتاح دور الانعقاد الرابع للفصل التشريعي الثاني يوم الأحد الماضي وضرورة مكافحة االفساد في رؤية مملكة البحرين 2030، والتي أطلقها سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة مؤشر إيجابي يجب تحويله إلى استراتيجة للدولة والمجتمع وسياسات وتشريعات وأجهزة ومؤسسات دستورية فاعلة محل إجماع وطني ومدعومة من قبل الدولة والمجتمع.

بعد التحرك الواسع لمكافحة الفساد والارتقاء بالمسئولية الاجتماعية أصبح لدى القطاع الخاص إدراك أكبر لمسئولياته ولمصالحه ووعي أعمق لقدراته ودوره في محاربة الفساد.

كما أن الخطوات الاعتيادية والبسيطة لن تؤدي الغرض، والمطلوب تغيير الاستراتيجية واتخاذ خطوات عملية لكبح جماح الفساد في قطاع الأعمال.

وعلى القطاع الخاص أن يدرك أن الفساد يبدأ برشوة بسيطة وما يلبث أن يتوسع وعليه تحتاج المؤسسات إلى خطوات متكاملة تعزز الانتماء والنزاهة.

وعلى الحكومات أن تستثمر الجيل الجديد من الأدوات المبتكرة التي تركز على الأنظمة والتشريعات والقوانين والالتزام بها وتطبيقها فعليا بالإضافة إلى التعاون بين الدول في هذا المجال.

وعلى المجتمع المدني ومؤسساته أن تدرك أن مخاطر الفساد تمثل التحدي الأكبر في وجه النمو الاجتماعي والاقتصادي والبيئي ويجب أن تتحد وتعمل معا لدعم النزاهة والانتماء في الشركات والمؤسسات الخاصة.

إن على جميع أصحاب المصلحة من رجال أعمال ومستثمرين ومدراء الشركات والعمال والمدققين والمشرعين أن يدركوا أن تحقيق النزاهة والاستقامة في الشركات والمؤسسات يحتاج إلى تعاون وجهد مشترك وحثيث في كل القطاعات يتخطى حدود الدول ويتجاوز الموانع.


توصيفات المشكلة المتنامية والمعقدة

أثبت تقرير الشفافية الدولية لعام 2009 أن الفساد يشكل تحديا مركزيا ومتناميا لقطاع الإعمال وللمجتمع ككل من سكان ومؤسسات ودول ويمتد من أصغر بائع في أكثر بلدان العالم تخلفا إلى أكبر شركة متعددة الجنسيات في أكثر البلدان تقدما.

وقد خلص التقرير الذي تم إطلاقه في البحرين في 12 أكتوبر/ تشرين الأول إلى ما يلي:

- يشكل الفساد والرشوة تحديا مستمرا في سلسلة العملية الإنتاجية وضررهما أكثر بكثير مما كان معروفا في السابق.

- تحدي الفساد أكثر اتساعا وأكثر تعقيدا وأكثر خبثا من دفع الرشا هنا وهناك.

- من أهم المواضيع التي تحتاج إلى المتابعة والاهتمام هما دفع الرشا ومحاباة الأقارب في معاملات القطاع الخاص، حيث يؤكد نصف المدراء التنفيذيين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن العلاقات الشخصية والعائلية غالبا ما تستخدم لإرساء العقود والمقاولات العامة في الدول من خارج المنظمة مما يصعب متابعته والكشف عنه ضمن إجراءات مكافحة الفساد.

كما يرى كبار المدراء التنفيذيون أن الفساد في القطاع الخاص يشكل عائقا لمشاريعهم التنموية أكثر من مشكلات البنية التحتية أو الإجراءات التشريعية والقضائية.

- كما أن الفساد في المؤسسات الخاصة يهدد استمرار أدائها وتطويرها.

- الفساد في القطاع الخاص وفي عمليات الشراء تحديدا يقف عائقا أمام المنافسة الشريفة والكفاءة وتحديد الأسعار المعقولة والمتنامية للمنتجات والخدمات.

- ويعرض التقرير دلائل للعلاقات الوثيقة بين القطاع الخاص والحكومات ومخاطر تنامي تأثير لوبي الشركات على القرارات الحكومية، وخاصة في المواضيع التي تتعارض فيها المصالح بين الحكومة والقطاع الخاص ويبرز عددا من الأمثلة لهذا التأثير في العديد من الدول.

ومن اللافت أن هناك نحو 15000 شخص يعملون لحساب 2500 منظمة إعلامية تعمل في بروكسل وتسعى للتأثير على قرارات الاتحاد الأوربي.

وفي الولايات المتحدة ازدادت مصاريف الشركات المخصصة للتأثير على المشرعين وصنّاع القرار بشكل كبير لتصل إلى ما معدله 200.000 دولار لكل مشرع.


دروس في تقوية نزاهة الشركات

يستعرض تقرير الشفافية الدولية جملة من الإنجازات التي تحققت نتيجة لتطبيق الجيل الأول من قوانين حوكمة الشركات وجهود مكافحة الفساد ويقدم عدد من التوصيات المهمة بهذا الشأن منها:

- هناك تطور ملحوظ في مكافحة الفساد ولكن لاتزال هناك بعض النواقص التي يجب متابعتها وتلاشيها مستقبلا، ويشير التقرير إلى ارتفاع غير مسبوق في عدد الشركات التي طورت مبادئ عملها وبدأت تصدر تقارير دورية بشأن أدائها في مجال البيئة والمسئولة الاجتماعية.

- جهود التوعية والتدريب والمتابعة والمراقبة تحتاج إلى دعم كل أصحاب المصلحة من رجال إعمال ومستثمرين ومدراء شركات وعمال ومدققين ومشرعين.

كما يستعرض تقرير الشفافية عددا من الدراسات والإحصائيات التي تشير إلى عدم الوعي بالقوانين والأنظمة المكافحة للفساد وإلى ضعف برامج التدريب والتوعية بالقوانين الجديدة.

- جهود النزاهة في الشركات يجب أن تتوسع لتشمل اللاعبين الجدد والأسواق الجديدة كما هو الحال في الصين والهند والبرازيل التي تصنف شركاتها الأكثر فسادا عندما يتعلق الأمر بالمعاملات التجارية مع الخارج.

- قوانين مكافحة الفساد يجب أن توجه إلى مواضيع محددة في قطاع الأعمال.

ويوصى تقرير الشفافية بإيجاد الآلية الفاعلة لمراجعة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على المستوى الدولي لرصد مدى التطور في تطبيقها والإسراع في تطبيق التشريعات الملزمة على مستوى الأقطار.

- إعادة التفكير في الاستراتيجية والعمل على نقل مفهوم النزاهة الدائمة في الشركات إلى المستوى الأعلى.


فساد الشركات والأزمة المالية والاقتصادية العالمية

يشير تقرير الفساد العالمي 2009 إلى أن أحد أهم مسببات الأزمة المالية العالمية تتعلق بمجالات الفساد في الشركات والقطاع الخاص. ومن أهم مظاهر الفساد التي يشير إليها التقرير هي ضعف أنظمة حوكمة الشركات وانعدام الشفافية وعدم كفاية أنظمة المحاسبة والمراقبة ووجود عيوب كثيرة في إجراءات التدقيق والنزاهة.

وأوضحت الأزمة المالية مدى تأثير استراتيجية الشركات والمؤسسات على الاقتصاد العالمي، وخاصة فيما يتعلق بضعف التشريعات ومبادئ الإفصاح وإلزامية إصدار التقارير الدورية، حيث إن هذه الاستراتيجيات والتشريعات هي التي يمكن أن تقف في وجه الفساد والمفسدين متى ما كانت محكمة ومترابطة أو أن تشجيع على الفساد ويمكن اختراقها حتى ما كانت جزئية وضعيفة.

كما أشار التقرير إلى ضعف التعاون الدولي في مكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين وإلى ضعف الرقابة العامة والمتابعة ما أتاح اللازمة المالية أن تنتشر وتتوسع.

وتبقى رسالة التقرير الأساسية أن بناء أنظمة الحومكة المترابطة والفعالة في الشركات أمرا بات ملحا وضروريا ليس لمكافحة الفساد في القطاع الخاص فقط، وإنما لضمان الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً