إذا استثنينا القوى الخارجة عن نطاق المعارضة، ووضعنا هذا التساؤل على طاولة هذه الأخيرة، فمن المتوقع أن تصلنا إجابة متسرعة، ومسطحة، ولا تمتلك الخبرة السياسية المطلوبة التي تبيح لها، دع عنك تؤهلها، الإجابة على هذا التساؤل، وفي مثل الظروف الراهنة التي تسود اليوم ساحة العمل السياسي البحرينية.
تضع تلك الإجابة حركة المعارضة السياسية البحرينية أمام خيارين ليسا الأفضل من بين كل السيناريوهات المتاحة: إما المقاطعة المطلقة، وإما المشاركة العمياء.
وكلا الخيارين يحصران المعارضة في نطاق ضيق يحرمها من قنوات عمل سياسي رحب فعال بوسعه تحقيق المزيد من المكاسب لصالح العمل الديمقراطي بإطاره الوطني الواسع.
على أن من يريد أن يرسم معالم خيار استراتيجي طويل الأمد وقابل للتنفيذ، خارج نطاق ذينيك الخيارين، عليه الوقوف بنضج ووعي سياسيين أمام مجموعة من المعطيات السياسية، ومن بين أهمها:
1. ان عملية التحول الديمقراطي، في أي كيان سياسي، والبحرين ليست حالة استثنائية، هي عملية طويلة ومعقدة ومتعرجة، ومن المحال تتبع أثرها على طريق واحدة مستقيمة، بل هي على العكس من ذلك تماما، إذ إن خط تقدمها حلزوني ثلاثي الأبعاد، ومتموج في آن، تتفاعل في رسم معالمه الخلفيات الاجتماعية للقوى التي تقود ذلك التحول أو تقف في وجهه، سوية مع البنى الاقتصادية التي تحتضن تلك القوى وتعبر عن مصالحها، وتتحكم فيه إلى جانب القوى الساسية المحلية تلك الإقليمية أو العالمية ذات العلاقة بالكيان السياسي الذي يحتضن تلك العملية.
2. ان الدستور، سوية مع البرلمان، هما ثمرة نضال طويلة قدمت خلالها الجماهير البحرينية الكثير من التضحيات، الأمر الذي يجعل من التمسك بهما، مهما شاب أي منهما من نواقص، ومهما قيل حول ما يكتنفهما من سلبيات، مهمة وطنية على طريق التحول الديمقراطي.
هذا الأمر يجعل من التمسك بهما، والدفاع عنهما من أجل توسيع هوامش الديمقراطية في آلية أعمالهما، هدفا من أهداف المعارضة البحرينية، من أجل ترسيخ جذورهما في تربة العمل السياسي البحريني من جهة، وزرعهما عميقا في ذهنية المواطن من جهة ثانية.
هذا التمسك بهما يبقى مستمرا إلى أن يصبح كلاهما ليس مظهرا من مظاهر الحياة السياسية البحرينية، وإنما ركيزة أساسية فيها، ولا يمكن الاستغناء عنها.
ينبغي التمسك بالدستور والبرلمان بقوة لا تقل عن تمسك المواطن اليوم بمؤسسات السلطة التنفيذية، رغم كل ما ينتاب هذه السلطة من نواقص، ورغم كل الملاحظات التي يبديها المواطن في سلبيات أدائها، بما فيها تلك التي قد تكون، في حالات معينة، ضد مصلحة ذلك المواطن.
3. ان قوى الظلام والقمع، لاتزال تسن أضراسها، وتهيئ أنيابها السامة، بانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على البرلمان ولَيّ رقبة التاريخ، وإعادة عقارب الساعة نحو الوراء، وافتراس المعارضة والعودة بالجميع إلى أيام «قانون أمن الدولة».
هذه القوى الظلامية التي أخفت نفسها تحاشيا لرياح عاصفة البرلمان، لاتزال متربصة، وتمتلك قوى على استعداد للانقضاض على قوى الإصلاح والتقدم من أجل إعادة العمل بقوانين القهر وعلى الخصوص أكثرها سوءا والذي هو «قانون أمن الدولة».
4. ان للبرلمان حجرتين الأولى للنواب المنتخبين والثانية للشوريين المعينين. النظرة الموضوعية المتكاملة للعمل السياسي للحجرتين، لابد لها وأن تتلمس أنه بينما سمحت السلطة التنفيذية لنفسها بأن يكون لها حصة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في غرفة النواب، فإن المعارضة، وبسلوك غير منطقي - بالمقاييس السياسية - اتخذت قرارا ذاتيا حرمت فيه نفسها من أي شكل من أشكال التمثيل في حجرة الشورى.
وجردة سريعة لمواقف أعضاء الحجرتين على امتداد الدورتين التشريعيتين الماضيتين، تكشف أن الاصطفاف السياسي خلالهما جسّد حقيقتين: الأولى، أن هناك حالات، ليست قليلة العدد، كان هناك من بين الشوريين من وقف إلى جانب مشروعات المعارضة، والثانية، جسدت العكس من ذلك تماما، حيث وقفت بعض الكتل السياسية البرلمانية، وعند منعطفات استراتيجية، إلى جانب السلطة، بل وحتى ضد مشروعات المعارضة ذاتها.
5. ان أخطر طريق يمكن أن تسلكها المعارضة في إطار بناء كتلتها الحرجة المؤثرة في مجرى العمل السياسي البحريني، هي تلك التي تحصرها بين جدران البرلمان الأربعة. فإذا ما انطلقنا من فرضية أن الحياة البرلمانية هي إحدى قنوات الديمقراطية، ومن ثم فإن المشاركة البرلمانية هي واحدة - وليست الجميع - من قنوات العمل السياسي، فالنتيجة المنطقية لهذه الفرضية أن من حق المعارضة، إن لم يكن من واجبها، استخدام القنوات الأخرى المعاضدة للبرلمان والتي هي، إلى جانب المواطن العادي، منظمات المجتمع المدني، والتي لاتزال في واحدة من خانات ثلاث: الأولى خاملة سياسيا، ومهمشة اجتماعيا، الثانية تسيّرها سياسات السلطة التنفيذية وفقا لأهوائها وبما يخدم مصالح الممسكين بمفاصل تلك السلطة، أما الثالثة فهي، وللأسف الشديد، مشلولة، وتسير دون بوصلة، جراء الصراعات السياسية النزقة أو الطائفية الضيقة.
هذه الحالة جردت تلك المنظمات من دورها الاستراتيجي في التحول إلى أحد أجنحة البرلمان الذي لا يستغنى عنه للتحليق عاليا، ودون منافس، بالمعارضة السياسية البحرينية نحو أهدافعها الاستراتيجية.
على أرضية هذه المعطيات، نتوقع من قوى المعارضة البحرينية، ونأمل أن يكون في طليعتها التيار الوطني الديمقراطي، أن تصوغ برنامجها السياسي الذي يخاطب المواطن البحريني، الذي نتوقع منه أن يُقوّم موازين ثقل القوى الفاعلة، ويأخذ في الحسبان تأثيرات هذه المعطيات، ويقرر في ضوء كل ذلك الموقف الصحيح من البرلمان القائم، الذي ستتناول الحلقة القادمة الموقف الصحيح، كما يراه كاتب هذا المقال منه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2595 - الثلثاء 13 أكتوبر 2009م الموافق 24 شوال 1430هـ