هنا في البحرين ذعر ينتشر بين الناس، مخاوف تثير بال الكثيرين، وأحاديث مختلفة المصادر تتناقلها الألسن والمنتديات خاصة بعدما نشرت الصحافة المحلية خبرا مفاده أن البحرين هي الأولى عربيا والثالثة عشرة من بين دول العالم من حيث نسبة وفيات انفلونزا الخنازير، فهل هذا الخبر صحيح؟ وأين منه وزارة الصحة؟ وهل هي جاهزة؟ وهل سيجرنا الحال إلى أن نعيش أيامنا نفقد فيه طيبة قلوبنا خوفا على أنفسنا؟
يشار إلى أن فيروس انفلونزا الخنازير للإنسان نادر نسبيا، إلا أنه نتيجة للتحورات الجينية التي حدثت في عالم الفيروسات بدأ ينتقل إلى بني البشر، لكنه لم يسجل كوباء إلا في عام 1918م إذ تسبب بموت ما يقارب 50 مليون شخص، وكان موطنه كما يذكر المؤرخون في ولاية كنساس الأميركية، وفي العام 1968م، تفشى فيروس «انفلونزا الخنازير» في هونج كونج»، وقد أدى إلى وفاة مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، أما في العام1976م فأصيب 14جنديا من قاعدة فورت ديكس الأميركية بالمرض، توفي أحدهم والبقية خضعوا للعلاج، وعلى إثر هذه الحادثة انتشر الذعر بين الناس، مما استدعى الرئيس جيرالد فورد إلى إصدار أمر بتحصين جميع سكان الولايات المتحدة، وفي العام 1988م توفيت امرأة أميركية حامل، بهذا المرض جراء زيارتها لمكان عرضت فيه خنازير، وفي صيف2007م حذرت وزارة الزراعة الفلبينية من خطر عدوى الإصابة بانفلونزا الخنازير بين العاملين في مزارع الخنازير خاصة بعدما بلغ معدل وفاة الخنازير إلى 10 في المئة.
وفي العام 2009 تم التعرف على ستة فيروسات مسببة لانفلونزا الخنازير، وقد بدأ انتشار المرض في فبراير/ شباط 2009 في المكسيك، وتلتها الولايات المتحدة وكندا، وانتشر المرض سريعا حتى صنفته منظمة الصحة العالمية بالمستوى الخامس وهو المستوى الذي تكون فيه العدوى منقولة من شخص إلى آخر، وقد بلغت عدد الحالات حسب إحصاءات منظمة الصحة حتى يوم 10 مايو/ أيار 162380 حالة مصابة بانفلونزا الخنازير، منها 1154 حالة وفاة في 168 دولة، ليرتفع عدد الوفيات إلى 4525 شخصا في191 بلدا ومنطقة في العالم، حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية مؤخرا.
هنا في البحرين بدأت المخاوف تنتشر خاصة مع تحول المرض إلى وباء مستوطن، ولم يعد الخوف من القادمين من الخارج فحسب، بل الخوف صار من الجميع بمن فيهم أهل الحي والبيت والعمل، ومع ذلك بدأت معلومات يتداولها الناس عن أن انتشار المرض ما هو إلا مؤامرة أميركية صهيونية لارتكاب إبادة جماعية، على أساس أن الفيروس منتج كسلاح بيولوجي للقضاء على نصف سكان الكرة الأرضية من أجل تحقيق مصالح مادية، وقيل إن الحملة الإعلامية المبالغ فيها ما هي إلا لنشر مزيد من الذعر بين الناس والحكومات لفرض اللقاحات ليزيد بذلك من إرباح شركات ومصانع الأدوية الكبرى للتخفيف من حالة الركود الذي أصابها جراء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ولم يكن الإعلان عن المصل المضاد لانفلونزا الخنازير قد خفف من حدة التوتر والمخاوف بل زاد من حدتها، إذ ظهر على الفضائيات والصحف العديد من الأطباء والعلماء من يحذر الناس من تعاطيها، إذ إنها تحتوي (وفق ما يشيرون) على الزئبق الذي يدمر الجهاز العصبي ويسبب الإصابة بالسرطان، كما أن بها موادا تؤدي إلى مرض الزهايمر وتمنع من الإنجاب.
مع هذا كله والتضمينات جارية هنا على قدم وساق، لكنها لم تزل المخاوف، ولم تجب على الأسئلة الحائرة، ولم تسكن حدة الروع، ولم تؤمن الناس على أنفسهم وأبنائهم، فمازال الهاجس من الإصابة والموت يقلق الجميع، نخشى أن نتحول إلى مجتمع يخشى بعضه البعض، تقفل الأبواب، وتثار الشكوك، ربما هي حالة طبيعية جراء الخوف الإنساني من المرض والموت، لكن أن يتحول أهل البحرين إلى أسر معزولة، شيء خارج السياق، وخارج الطبيعة البحرينية الطيبة، الحكومة ووزارة الصحة بشكل خاص مطالبة بتبني برنامج فوري لمواجهة هذا الوباء، لنتعدى هذه المرحلة الحرجة بسلام، وحتى تطيب أيامنا كطيبة قلوبنا.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2595 - الثلثاء 13 أكتوبر 2009م الموافق 24 شوال 1430هـ