ينتظر منكم المواطن البسيط الكثير، فلا يشغلكم النزاع والمحاصصات الفئوية عن الاهتمام بقضاياه المعيشية، ولا تستنفدوا طاقاتكم في سبيل الثأر من وزير اختلف معكم في الرأي أو خالفكم في توجهاتكم أو عقّب على تصريحاتكم الصحافية بغير ما تشتهي أنفسكم، واعطوا التشريع فرصته مثلما تستميتون في بسط سطوتكم الرقابية.
أوقدوا فكركم بمقترحات تمسُّ تحسين الوضع المادي للمطلقات والأرامل والفقراء والمعوزين، وأسألوا الله المتعال أن يعينكم على الانشغال بمن انتخبوكم أكثر من سعيكم الحثيث لحصد المزيد من النقاط في صناديق الاقتراع، ورفع مستوى حظوظكم في دوائركم.
نصيحة أهديها لكم أيها النواب المحترمون وأنتم تخطون عتبات دور الانعقاد الرابع والأخير من الفصل التشريعي الثاني، وكثيرون منكم فكره مرتهن بأرقام الحملة الانتخابية والبحث في الدوائر المفتوحة والمغلقة، أن تبرأوا أنفسكم من تهمة اللهث وراء مصالحكم وزيادة مكافآتكم وتأمين مستقبلكم التقاعدي.
ولا يخفى عليكم أن من بينكم مشرعين لم يبرزوا للرأي العام كحماة للحمى ورافعي للواء المصلحة العليا الوطن والمواطنين، إلا في اللحظات التي اقتربنا خلالها من افتتاح هذا الدور، بينما كانوا طوال أدوار الانعقاد المنقضية في بيات صيفي وشتوي عميق.
ولا تنسوا أنكم محاسبون على ما ائتمنتم عليه من مال عام، ومن الأجدر أن تكونوا أول من يحافظ عليه، فلا تجركم مصالحكم إلى بناء مقرات لكم تطل على واجهة البحر بآلاف الدنانير وهناك من يعيشون بلا مسكن، وآخرون اضطروا لافتراش الطرقات بعد أن أعيتهم السبل والتهمتهم الفاقة.
أغلقوا أبواب الاستجوابات التي لا طائل منها سوى مضيعة الوقت وإشغال الناس في نزاعات لا تخرج عن نص المسرحيات الفكاهية، وأبحروا في دروب التشريع علكم تصلحون القوانين المثبطة للحريات والسالبة للحقوق الدستورية.
انزلوا إلى من رفعوكم وأصغوا لمطالبهم ودونوها واسعوا إلى تحقيقها، فربما تشفع لكم يوم لا تفضيل فيه إلا للعمل الصالح، وبعد ذلك انصرفوا لإعداد برامجكم الانتخابية، فهناك الكثير من البنود التي عاهدتم أنفسكم بتنفيذها قبل تبوّئكم مواقعكم، ولم تسلطوا عليها الضوء لانشغالكم بالمناكفات والخلافات الداخلية.
أطرقوا أبواب البيوت، فستعثرون خلفها على قوائم من العاطلين الجامعيين الرازحين في مواقعهم منذ سنوات، وتأكدوا أنكم ستحتاجون إلى أصواتهم في يوم ستضطرون فيه إلى حشد كل طاقاتكم للعودة إلى ما أنتم عليه الآن.
سيروا في الأحياء السكنية والأزقة والممرات، واسألوا من يستظل بسعف النخيل ومن يهم خارجا للرحيل إن كان قد حصل على مبلغ الدعم المالي (علاوة الغلاء) الذي وعدت الحكومة بصرفه سريعا لذوي الدخل المحدود، فسيتبين لكم أن هناك من لايزال يحلم بمعاملته أسوة بالآخرين بعد أن تورّمَت قدمه من كثرة التردد على مراكز التسجيل، ولكن من دون أي طائل.
تقصّوا عن من هرموا وانتقص منهم الشيب حتى ضعفوا وخارت قواهم، بعد أن وضعوا بسواعدهم اللبنات الأولى للتنمية العمرانية والاقتصادية لهذا البلد منذ فجر الطفرة النفطية وما واكبها من تقدم على مختلف الأصعدة، فأغلبهم يتلقون رواتب شهرية لا تتجاوز 200 دينار، وبعضهم يمضون أيامهم على الكفاف.
تجاهلوا القضايا الهامشية وردوها لذوي الاختصاص والشأن، فأبراج الاتصالات ليست أهم من سلب السواحل وتحويلها لأملاك خاصة، وهي لم ترفع اليوم أو بالأمس بل هي قائمة منذ سنوات فلماذا أشغلتكم الآن واستحوذت على اهتمامكم؟
اختلوا بأنفسكم وحاسبوها إن قصّرَت، قبل أن يستفرد بكم من يحاسبكم على الكلمة في غير مواضعها، ويسألكم عن رد فعلكم السلبي في القضايا المصيرية، ولكم في التأمين ضد التعطل الذي يُقتطع من رواتب موظفي القطاعين العام والخاص عبرة يا أولي الألباب.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2594 - الإثنين 12 أكتوبر 2009م الموافق 23 شوال 1430هـ