العدد 2593 - الأحد 11 أكتوبر 2009م الموافق 22 شوال 1430هـ

من نجد إلى تدمر حديث لا ينتهي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شُحُّ الشيء يجعله مطلوبا وثمينا. هكذا أصبحت أوضاع العلاقات الإيجابية «العربية العربية» في يومنا الحاضر نُدرة ووجودا. بل إن هذا الشعور أصبح يتحوّل إلى اتجاه يُلقي بظلاله على أكثر من 300 مليون عربي يعيشون في هذه المنطقة.

ليس بالضرورة أن أربط الذاكرة بالخلاف المصري السعودي بشأن اليمن أيام عبدالناصر، أو الخلاف السوري المصري بشأن حرب التوريط في الستينيات، بقدر ما أستدعي الأحداث القريبة منا والتي تَلَت المبادرة العربية (2002) ومن ثم اغتيال رفيق الحريري (2005) وحربي يوليو/ تمّوز (2006) وغزّة (2008 - 2009)، وهي كلّها أحداث جرت في بحر ستة أعوام فقط.

بطبيعة الحال فإن أيّ لَجْمٍ لهكذا تداعيات سلبية، أو على الأقلّ تدارك يُشكّل أمرا ليس مطلوبا فقط؛ وإنما مُلِحّا أيضا بسبب تراكم الخسائر الناتجة عن علاقات عربية عربية متوترة، أفضت في أحيان كثيرة إلى اصطفافات إقليمية ودولية خطيرة.

أقول ذلك وأنا أجرّ القلم صوب ما جرى من تطوّر مهم في العلاقات السعودية السورية بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى دمشق الأسبوع المنصرف، وما ترتب عليها من صِيَغ توافق (واتفاق) أرخت خيطا مشدودا بين البلدين.

الزيارة جاءت في سياق خاص وتوقيت خاص. فهي كَسَرَت حاجزا سياسيا (وحتى نفسيا) في العلاقة بين البلدين والتي ساءت منذ أزيد من خمسة أعوام وترتّبت عليها سياسات وتصريحات سلبية متبادلة.

بين ثنايا الزيارة، وما طمحت إلى تسويته تُلمح ثلاثة ملفات مهمّة قد يجتمع البلدان بها أو يتفرّقا لنظرا لحساسية كلّ منهما. الملف العراقي. الملف اللبناني. الملف الفلسطيني. وكلّها ملفات شائكة، لكنني أكتفي اليوم بما يهم البلدين بشأن العراق.

الملف العراقي فيه تشابك غاية في التعقيد. السعودية لديها حدود شمالية مع العراق. وسورية لها حدود شرقية معه أيضا. لكن ذلك الاتصال المباشر على الأراضي العراقية يقطعه بين البلدين (السعودية وسورية) برزخ أردني ليبقى هو الوسيط بينهما. هذا على مستوى الجغرافيا.

في المسألة السياسية يلتقي جزء من المصالح السعودية والسورية في عراق ما بعد صدام حسين. فالرياض لن ترتضي قسمة رباعية (غير مباشرة) أميركية تركية إيرانية كويتية على حساب مصالحها التاريخية والدينية وحتى الديمغرافية في ذلك البلد.

ودمشق لا تريد أن تتجاور مع عراق تُبنى لَبِنَاته على صيغة تكون فيها الغَلَبَة لصالح الولايات المتحدة التي تُعتبر بالنسبة لسورية صديقا طارئا وعدوا مُزمنا عينه على السياسة السورية تجاه عملية السلام في المنطقة، وبالتالي فهي تسعى (دمشق) إلى إيجاد معادلة إقليمية أخرى تجاه العراق غير المُتّبعة الآن.

بالرجوع إلى القسمة الرباعية، فإن الرياض لا تُحبّذ كثيرا حضورا تركيا في العراق يعتمر العَثْمَنَة التي لم تكن (تاريخيا) على ودّ مع الدولة السعودية في السابق، وبدأ يأخذ دورا متقدما في ملفات المنطقة على حساب أطراف أخرى.

ولا تُحبّذ نفوذا إيرانيا مُتغوّلا داخل الأراضي العراقية يطيح بالتوازن المذهبي التاريخي هناك، ويزيد من قدرة طهران على إزاحة ما تبقى من مكامن للنفوذ في المنطقة العربية الشمالية والشرقية.

ولا تُريد قرارا كويتيا لا يتحفّظ على إنشاء إقليم جنوبي (شيعي) مجاور طمعا في وجود بلد جار لا يملك مقوّمات الاعتداء مرة أخرى على أراضيها في تدارك كويتي احترازي لكي لا يتكرر ما جرى في أغسطس/ آب من العام 1990 من غزو عراقي للأراضي الكويتية.

ولا تريد وجودا أميركيا يُطلِق يد الأحزاب العراقية الموالية لإيران أو الأحزاب الكردية الطامحة فقط في تأسيس كيان قومي لها، والتحوّل إلى مكمن نفطي منافس، وبالتالي يُصبح العراق مُلْكَا عضوضا في يد هذه الأطراف.

ثم إن الرياض تُدرك أنها أحد جيران العراق المُهمّين الذين يبحثون لهم عن ورقة تأثير إلى جانب تأثير الآخرين. فإيران باتت حاضرة بفعل العامل المذهبي والجيرة المائية وبسبب قوّة الأحزاب القريبة منها.

وتركيا صارت حاضرة بسبب قدرتها على التحكّم في مياه نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول، وما يجري اليوم من نقاشات حادّة بشأن السدود المائية التركية الضخمة.

والكويت صار لها حساب في معادلات العراق الخارجية (وحتى الداخلية) بسبب ملف التعويضات وبقاء العراق تحت البند السابع، وأيضا بسبب قربها من ثاني أكبر مدينة عراقية (البصرة) ومن مآل مصب النهرين.

وسورية أصبح لها حضور بفعل إمساكها بأحد أضلاع الثنائية الحزبية التاريخية داخل حزب البعث، وبسبب قربها لأهم مُؤثّر داخل العراق وهي إيران، وأيضا تحوّلها إلى المعبر الرئيس لوصول العراقيين نحو مياه البحر الأبيض المتوسط.

وبالتالي فهي تطمح (أي الرياض) إلى دور يجعلها قريبة من مجريات الشأن العراقي على مستوى الداخل والإقليم. وربما أدركت المملكة العربية السعودية أن دمشق هي أحد أهم هؤلاء اللاعبين الذين يُمكن التنسيق معهم في هذا المجال.

التفسير لذلك هو أن حجم التعقيد الإقليمي العربي والدولي مع السوريين أكبر من بقية الأطراف الأخرى. فسورية يُنظر لها على أنها تملك أهم أحجار النرد في المعادلة اللبنانية، وكذلك الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية. وهي في النهاية دولة عربية قريبة.

وبالتالي فإن صياغة توليفة مُحدّدة في نظام مصالح معقّد قد يفتح ثغرة في كلّ هذه الملفات من خلال مصالح ثنائية داخل الملف العراقي الذي أصبح هاجس المنطقة اليوم. والمكسب هنا مضاعف وذو ربحيّة معتبرة ومجزية في نفس الوقت.

بالتأكيد فإن أهمية زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدمشق لا يُمكن حصرها في هذا الملف فقط، فهناك تبادل تجاري تجاوز المليارين من الدولارات، ومنع الازدواج الضريبي، وهي في كلّ الأحوال زيارة تاريخية في مسار عربي صحيح.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2593 - الأحد 11 أكتوبر 2009م الموافق 22 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:36 م

      التقارب للتقارب

      التقارب من اجل التقارب لا يفيد العالم العربي بل المهم هو التقارب بغرض معالجة الملفات الحساسة التي نعيشها

اقرأ ايضاً