المملكة العربية السعودية ومصر وإيران والعراق أربعة نماذج تمثل مراكز أخلاقية ودينية رئيسة وقوية بما تملكه من مؤسسات ذات أعداد بشرية هائلة، ومؤهلات متقدمة، همها أولا وأخيرا التبشير بالقيم الأخلاقية، ودفع المجتمع للتمسك بها، ومقاومة شتى أنواع الاستعمار الثقافي والسلوكي والقيمي الذي يمكن أن تتعرض له أجيال العالم الإسلامي الناشئة.
وقد سعت هذه النماذج الأربعة جاهدة لتغطي أنشطتها ومؤسساتها ومبلغيها أوسع مساحة ممكنة في العالم كله، وليس الإسلامي فحسب لنشر الفضيلة والقيم، وترسيخ العقل الملتزم مقابل الغرائز والأهواء المنفلتة.
(2)
لقد كان دأبنا وجميع المسلمين - حين يحدث وهنٌ أخلاقي في أطراف العالم العربي والإسلامي - أن نحمد الله سبحانه وتعالى أن القلب مازال بخير، وأن مراكز التوجيه والمراقبة والقدرة ما زالت بعافية وسلام.
إننا نعتقد أن قلب العالم الإسلامي كقلب الإنسان، وأن سلامته وعمله سيساعدان على معالجة الأطراف من كل وهن أصابها، تماما كما يفعل القلب إذا أصيب طرف من أطراف الجسد بوهن أو ضعف، إذ تبقى سلامته علامة حيوية على إمكان معالجة الأطراف المصابة.
ولعل مطالبة المؤسسات الدينية الفرعية المترامية في أطراف العالم العربي والإسلامي لدول القلب بإرسال مبشرين ومبلغين ومرشدين أوضح دليل على ما أريد قوله من الشعور بالقوة والعون والسند من هذه الدول مع حدوث أي وهن أو غزو تتعرض إليه الأطراف.
(3)
بدورها تندفع هذه الدول إذا لمست ضعفا دينيا أو أخلاقيا يفترس دولة فقيرة، أو غير قادرة على المواجهة والتصدي، واحتواء الناس في أطر دينية وفطرية وأخلاقية، لإنشاء المراكز والمؤسسات الثقافية والدينية الضخمة بغية النصرة وتثبيت القلوب، وإرسال المبلغين واستقطاب الطلاب الذين يعودون لمناطقهم ودولهم بحصيلة علمية ومعرفية تمكنهم من القيام بدورهم على أكمل وجه.
(4)
ما سبق ربما يوحي أن دول القلب تعيش هدوءا دينيا وسكينة أخلاقية، وهيمنة سلوكيه تمكنها من الانتصار الحتمي في كل مواجهة ذات صبغة دينية وأخلاقية تعتريها، أو مواجهة ثقافية وسلوكية تخوضها، بأي شكل تمظهرت وبأي لون تلونت، وفي أي موقع برزت.
لكني أتذكر كيف كانت قوى العراق الشابة وأجياله اليافعة فريسة سهلة للفكر البعثي بما يحمله من هبوط للإنسان الذي خلقه الله (في أحسن تقويم) مع كل ما في العراق من وعي وثقافة ومؤسسات دينية وأخلاقية عريقة، وحوزات علمية يشهد لها تاريخها بالكفاءة والقدرة.
ومصر فتكت بثقافتها وسائل الإعلام الموجهة بمسلسلاتها الهابطة، فأصبحت - في سنين سابقة - مقصدا مشهورا للشهوات والغرائز، مع كل ما تمتعت به من عقول مبدعة وعلم وحضارة، ساهمت بدور فعال في العالمين العربي والإسلامي وأخص بالذكر هنا الأزهر الشريف.
وإيران التي أتذكرها مليا بين عامي 1981 وبدايات 1987 تفاجئني الآن وأنا أكتب هذا المقال بحجاب جديد للمرأة يختلف عن ذلك الحجاب المحتشم الذي الفته فيها، وشباب من فتيان وفتيات - لا يشكلون السواد الأعظم - لكنهم عدد حاضر ومشاهد، ومختلف كل الاختلاف مع شباب تلك الحقبة التي أشرت إليها، مع ما تملكه تلك الدولة من مؤسسات دينية وأخلاقية وقيمية واعية، وحوزات عديدة دأبت في أيامها على تخريج مئات آلالاف من العلماء.
أما بلدنا المملكة فما بدا يطفو على السطح من قضية المجاهر إلى أحداث الخبر المنفلتة أيام العيد، إلى غير ذلك مما نقرأ ونسمع، كلها تدل على تحولات لا تعرف العيب ولا الأخلاق ولا الرحمة ولا كف اليد عن الحرام، مع إدراك العالم كله بأن هذا البلد ممتد بمؤسساته الدينية في كل أنحاء العالم.
لست أدري إن كان الديني والأخلاقي قد قرر خوض المعركة أو ما زال متفرجا؟ ولست أدري هل للديني والأخلاقي وسائل جديدة في مواجهة الجديد الجارف والسلوك المنحرف أم سنشهد تدهورا وضياعا للأجيال في دول المركز والقلب؟
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2593 - الأحد 11 أكتوبر 2009م الموافق 22 شوال 1430هـ