العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ

حُلفَاءٌ مؤقّتون

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تفاءَل بعض الساسة العرب (أحزابا وزعامات) بسياسة أميركية جارفة بعد غزو العراق (ربما) لتُعينهم على صرع خصومهم. هُم كانوا قبلها يُحملقون كيف أن نظام طالبان قد تمّ سحقه بالأرض. وأن ياسر عرفات قد حوصِر ثم قُتِل. وأن صدّام حسين قد أذِلّ ثم أعدِم. المعركة إذن هي كسر عظم بلا مؤثرات درامية.

كانت هذه الأحزاب -أو بيوتاتها السياسية وكذلك الزعامات- تجزِم أن هذه الإدارة (اليمينية) مُستأسدة بفعلين. الأول ناتج عن حادثة تحطيم بُرجَي التجارة، والثانية لوجود جبابرة الأرض في ردهاتها كديك تشيني وبول وولفوفيتز.

هذه النبوءة بارت عروقها اليوم. فبعد انكفاء الموقف الأميركي في القوقاز بعد لكمة الدب الروسي لوجه ساكاشفيلي أصبحت الأمور تتضح أكثر في أن هذه الإدارة لا يُمكن التعويل عليها كثيرا في حسم معارك مُقيّدة بقاعدة التزاحم.

فهي تضع عينها على دعم الكرملين لها في أفغانستان، والعين الأخرى على طاقته الأحفوريّة المتدفقة لها ولحلفائها الأوربيين. وبالتالي تأمين هذين الأمرين -بنظرها- أؤكد من تأمين الغطاء لحلفاء مؤقتين غير قادرين على خوض «عراك أكتاف» من دونها.

في الداخل رأينا نقمة الأميركيين على هذه الإدارة بسبب شحنها لأبنائهم للشّواء في معارك القتال في العراق وأفغانستان، إلى تفكيكها منظومة الاقتصاد الرأسمالي، وإثمها في تسريح أربعة ملايين مواطن أميركي عن أعمالهم، باتت وجوه هذه الإدارة وشخوصها ووعائها الحزبي محل ازدراء الشعب الأميركي حتى في الولايات الحمراء. هذا ما دلّلت عليه الانتخابات الأخيرة على أقل تقدير.

هنا قد يُحملِق «الحلفاء المؤقّتون» مرة أخرى في المشهد الجديد. وقبل جِدّته كانت الأمور تسير بشكل سلس لكي تَصِلَ إلى النتيجة ذاتها. حوار مع دمشق بشأن لبنان، وحوار مع إيران بشأن العراق، وهم أعداء للحلفاء المؤقّتين، الذين كانوا يتمنّون ذهاب ريحهم (سورية وإيران) في أتون الموجة اليمينية الهوجاء بعد العام 2001. لكن ذلك لم يحصل.

ما يزيد الأمر إيلاما هو أن الحلفاء المؤقّتون في لبنان أصبحوا صرف عُملة في التسويات الكبرى. هم لم يكسبوا ما كانوا يريدونه في اتفاق الدوحة مع أنهم أكثرية كانت تريد خوض مباريات صفرية ضد خصومها. إذن التسويات كانت بهم وبشأنهم وعليهم.

وهم لم يكسبوا معركة العظم ضد حركة «حماس» في فلسطين لا بدايتون ولا حتى بالهجوم الصهيوني. فـ»حماس» حوّلت قضية القطاع إلى معادلة صعبة. هي خليط ما بين هدنة تنتهي، وآهات يستعر لها العالم، وركلة بركلة، دون التنازل عن حقّ قرّره لها صندوق الانتخاب.

اليوم معركة الأميركيين من أجل حلفائهم المؤقّتين في المنطقة انتهت بخسارة. هم مكشوفون إلى الحد الذي يدفعهم إلى أن يبوح أحدهم وهو جالس إلى جانب ساسة يمينيين في واشنطن بأن «السياسة الأميركية في لبنان هي نموذج ناجح لإدارات مقبلة»! لكنه كان يسمع في الوقت ذاته وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند يقول: «إن سورية بدأت لعب دور إيجابي في لبنان». إنه تصريح مزعج بالنسبة إليه وإلى من يليه.

اليوم من عشقَ منهم العلَفَ الأميركي فلأنه لا يستطيع قراءة السياسة ولا التاريخ جيدا. هذه السياسة التي جعلت من واشنطن تبصق على وجه فرنسا الشّيراكية وألمانيا الشّرودرية قُبيل غزو العراق، هل تعجز اليوم عن البصق على حلفاء مُؤقّتين لا يزيدون قدرة على تحريك نرد شطرنج؟!

إذا ما أصرّ هؤلاء على حني ظهورهم لفوارس الكابوي مهما اختلفت محاسنهم ومساوئهم فإنهم سيبقون أبدا مُستَخدَمين لا مُستخدِمين، مُلبّين سقاية المصالح لغيرهم دون أدنى اكتراث لمصير بلدانهم وشعوبهم ورهنها بأبخس الأثمان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً