البعض يقول إن قانون أحكام الأسرة من كثرة ما عرض للمناقشة والنقاش تعرض أكثر لعدم التوافق والانسجام حوله، وصار من الصعب لملمته في حين أن البعض يصر على أن التوافق عليه إلى الآن لم يتحقق وتشهد في ذلك صاحبة المشروع الحكومة، فعندما قررت في يوم من الأيام أن تضعه في الدرج كانت تصرح بأنها لن تفرضه فرضا، ولكنها ستسعى لإيجاد التوافق المجتمعي حوله، وقتها شعرنا بأن الحكومة بدأت تنضج سياسيا، ولكنها ما لبثت أن بينت خلال الأيام الفائتة أنها لم تصل إلى مرحلة النضج فلاتزال تحتاج إلى مزيد من الزمن ليتحقق ذلك، وأكبر مؤشر على ذلك انفلاتها من جديد وتسرعها ورغبتها في فرض القانون من جديد على الجميع، فقط لأننا ننظر للمرأة وكأن المرأة لم يتبق أمامها سوى تقنين قانون لأحكامها الأسرية.
هناك جملة من التساؤلات وجملة من الأخبار العليمة تحتاج منا للتوقف عندها، لعل أبرزها قانون أحكام الأسرة هل بالفعل أحيل على المجلس النيابي؟ سؤال يجب أن نجد له جوابا أكيدا، فكما هو معروف أن القانون نفسه ورقة خضرة في يد الحكومة تلعب فيها كما يحلو لها، تحركها فجأة وتخفيها فجأة مرة أخرى، وكلما أرادت أن تلهي الشارع بشيء مهم وحساس استخرجته من درجها ورمته على الصحافة حتى تستطيع أن تخلق حراكا جديدا حوله، لأنها تريد أن تمرره ولكنها تحاول أن تختار الوقت المناسب فإذا رأت أنها لا تحتاج لإخراجه حاليا تتعذر بأنها ستبحث عن التوافق لكونها تعلم أن التوافق على مشروع كهذا أمر يحتاج إلى وقت طويل وإلى جهود كبيرة ولأنها تكره التحاور بشأنه فإنها تعقد الأمور وتعطلها أكثر من اللازم، وفي الوقت نفسه تبيّن للشارع أنها تريد تحقيق كفاية مهمة وهي التوافق إلى أن شعر الشارع بأهمية ذلك.
اليوم بعد أن أحست الحكومة بضرورة تحريك هذا الملف لكونها تريد أن تشغل الرأي العام بالموضوع -لأنها تعد طبخة أخرى ستسرق الإعلام- لأنها ستحاول أن توجه الإعلام لشيء آخر مختلف ويهدد أمن البلد رمت الموضوع في الصحافة.
رئيس المجلس النيابي يقول إنه إلى الآن لم يتسلم نسخة من القانون، رئيس اللجنة التشريعية يقول إنه لم يحوّل على اللجنة ووزير المجلس أيضا ينفي إحالة القانون على المجلس، فهل الإحالة مسرحية يراد منها جس نبض الشارع؟ أم جسر لمرور القانون في حال انشغال الشارع بمسرحية الخلية الإرهابية التي جاءت مباشرة بعد خبر إحالة القانون إلى مجلس النواب؟
أحاول أن أفهم حقيقة التوافق التي لطالما سمعنا عنه، هل التوافق متحقق ونحن نرى أن المجلس العلمائي قد بيّن موقفه الصلب الواضح الرافض للقانون مالم تتوفر الضمانة الدستورية الثابتة التي تمنع وضعه ابتداء وتغييره مستقبلا إلا بعد عرضه على المرجع الأعلى للشيعة وموافقته ضمانا للشرعية الدينية أو خيارهم الآخر وهو اعتماد رأي المرجع الأعلى للشيعة مساحة القضاء الجعفري وهو ما يصدر بقرار من قبل مجلس القضاء الأعلى لمرة واحدة ولا يكون قابلا للإلغاء أو التغيير من المجلس المذكور او غيره بحسب ما جاء في بيان ستة من كبار رجال الدين الشيعة في البحرين (السيد جواد الوداعي، الشيخ عيسى أحمد قاسم، الشيخ محمد سند، الشيخ عبدالحسين الستري، السيدعبدالله الغريفي، الشيخ محمد صالح الربيعي).
هل الخيارات التي تفضلَ بها رجال الدين تعد مستحيلة من وجهة نظر الحكومة لكي يتم تجاهلها؟ هل أن الأسلوب المناسب لدراسة المشاريع المهمة يكون من خلال التراشق الإعلامي في الصحافة، في ظل غياب الحوار الفاعل المباشر بين الأطراف؟ بعد أن أوصدت الجهات المعنية الأبواب أمام من يعنيهم هذه النوعية من المشاريع المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
لماذا تتجاهل الحكومة الشروط التي جاء بها رجال الدين؟ هل لأنها تبطن نية التغيير أم أنها لا تريد أن تعطي هؤلاء وزنا؟ أم ماذا ما تريد أن توصل من رسائل؟ وإذا كانت جادة بالفعل من أنها لا تبطن نية مبيتة لماذا تصر على التجاهل وهي صاحبة المشروع؟
وهل ستفي بالفعل الحكومة بموقفها الأولي بأنها فعلا ستحيل القانون إلى مجلس النواب ونحن نرى أن ليس هناك استجابة من قبل أكبر الكتل النيابية (الوفاق والأصالة)، وبعد أن تحقق أغلبية معارضة له؟
وهل ستصر الحكومة على طرحه في المجلس وهي ترى قناعة الوفاق الرافضة الرفض القاطع للقانون، وكذلك الحال بالنسبة لكتلة الأصالة في حين يجدون حلولا أسهل بكثير من تقنين القانون وجدليته ومن شأنها أن تحل العديد من القضايا العالقة في المحاكم والتي تتأذى منها الأسرة بشكل عام والمرأة بشكل خاص؟ هل الحل الأنسب كما تراه الحكومة فتح الجبهات مع رجال الدين الذين لهم ثقلهم في الساحة من جهة وجبهات أخرى من الكتل النيابية المعارضة منها والموالية؟
إصلاح القضاء والاستغناء عن المفسدين منهم والعمل على استقطاب الكفاءات منهم يعد أنسب الحلول في الوقت الحالي إذا كنا بالفعل نريد حل المشكل الموجود وإذا أردنا تحقيق إنجازات إيجابية تصب في خانة حاجات المرأة ورغباتها لا أن نحل مشكلة ونقع في غيرها وكأننا نضيع البوصلة ونسير بلا خارطة طريق.
ليس من الحصافة بمكان المواجهة والإصرار عليها طالما أن هناك مخالفات واضحة في الإيفاء بالوعود، وتحقيق الكفايات في حدها الأدنى، أين الديمقراطية التي ندّعيها ونحن نفرض قانونا والأغلبية العظمى قالت كلمتها النهائية فيه كموقف واضح منه؟ المرأة ساهمت في رسم الموقف بلا ضغوط وبلا إكراه.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ