العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ

«ماذا تقول الصورة» في الفيديو كليب العزائي

عبر نظرة أولية تحاول أن تتعمق فيما يقدّمه «الفيديو كليب العزائي» حتى هذه اللحظة فإنه تحضر الكثير من الرؤى والمفاهيم والنقدات العابرة باعتبار أن ما يقدّم ما زال في أوّل طرق الصناعة الصورية وأوّل لحظات التّلقي.

وتنطلق هذه القراءة في رؤى منها ما هو نقد داخلي يختص بالفيديو كليب العزائي وما يقدّمه وما يستوظفه من أدوات ليوصل معناه وليقول ما يريد، ومنها ما هو نقد خارجي يشير إلى الأجواء التي تنطلق فيها ظاهرة الفيديو كليب وما يثار عليها من جدال ورؤى قد تكون لحقت الفيديو كليب العزائي باعتباره أحد أنواع الفيديو الكليبات الحديثة التي لها ما لها وعليها ما عليها.

وأن من أهم ما يحسب للفيديو كليب العزائي هو النقلة التي صنعها حيث انتقلت فعاليات التعزية الشيعية وما تحمله من رؤى قيم من المستوى السمعي إلى المستوى البصري، وكم للصورة من أثر في نقل الرسالة والتعبير عن الولاء لأهل البيت وقيمه الجميلة، ورب صورة أغنت عن ألف كلمة وتعد هذه النقلة التفاتة جديرة بالتقدير لصانعيها وخصوصا نحن في عصر الصورة التي تفعل الكثير، ناهيك عن تلبية حاجة الفضائيات الشيعية إلى ما تعبر به خصوصيتها الشيعية بأدواتها وقيمها التي تستمدها من احتفائها بأهل البيت عبر ما يصنعه الشعراء والرواديد وجماهيرهم من احتفاء واحتفال زاخر بالقيم والرؤى والتطلعات الحية التي هي آخذة في التطور يوما بعد يوم بتكريس الجيد واستحسانه بالإضافة إليه ومحو ما هو رديء وغير قادر على المعايشة، وذلك من خلال إمعان النظر في بعض الظواهر وتنقيتها من الشوائب والقبول بالنقد الذي طمح للتطوير ويسعى للتمكن من الأدوات القادرة على إيصال رسالة القيم الحسينية في أحسن صورة وأجمل حلة، من هنا أسوق هذه النقدات العابرة بغرض التطوير والبحث عن الصورة الأكثر تعبيرا عن الذات والقيم التي تتبناها، وكلي أمل في سعة الأفق الذي يوسع الصدور لما في القراءة من رؤى تتطلع لأفق أرحب.

أولا النقد الداخلي:

إن الكثير مما يقدّم كفيديو كليب عزائي مازال ليس سوى قصيدة مصوّرة لا تركّز إلا على الرّادود وتمكّنه من أدواته الصوتية واللحنية والإيمائية وهو وإن كان جدير بالإعجاب به لهذه القدرة والموهبة، إلا أن أقصى ما تفعله بنا كاميرا الفيديو كليب أنها تلاحق تعبيرات الرّادود وإيماءاته وانفعالاته خالقة شيئا من الجو النفسي الذي يصنعه أداء الرّادود والذي نعتقد من خلاله أننا صنعنا فيديو كليبا جميلا ومقنعا ولعلّ مرد ذلك إلى حالة الإعجاب بالرّادود والانبهار بما يصنعه، وتكريسه كنجم والاستهواء له ولما يفعله بمتلقيه حين يقدم قصيدته بمهارة عالية وقدرات فائقة.

إن بعض الفيديو كليب العزائي ما زال ليس أكثر من محاولة تصوير أوّلي لما في القصيدة من كلمات وصور واستعارات على المستوى البصري ورغم الشكر لهذا الجهد الأولي الذي لا ينكر جميله في البدايات إلا أن الصور المصاحبة قد تبدو أحيانا فاقدة للربط لولا ما حاوله الشاعر من صناعة لتبرير ما في القصيدة من صور واستعارات، ولو أخذت تلك الصور التي عرضها الفيديو كليب لوحدها بدون القصيدة لما استطاعت أن تعبّر عما تريده الصورة العامة للفيديو ولا تكون صورة كلية مترابطة، ولا تبرّر ما يقوله الشاعر وتكون مجرد صور مصاحبة داعمة، بل أحيانا لا تضيف شيئا فضلا عن أن بعضها تضعف القصيدة إذا ارتبطت بها.

أما البعض الآخر من الفيديو كليبات العزائية فقد انطلقت في الاقتطاع من الحادثة التاريخية بشكل مكرّر محفوظ، من غير رؤية إخراجية، ولا تخطيط درامي، ولا تكنيك فني، وذلك مرة عبر التمثيل الحي المباشر المجتزأة لمواقف محددة ومعروفة من الحادثة التاريخية بما يستعدي الآخرين أو يعرّض بهم وكأن الذات لا تستطيع أن تقدّم رسالتها إلا من خلال الغمز واللمز في الآخر فضلا عن أن المواقف المجتزأة بالتمثيل أو النقل المباشر من النص التاريخي تأتي بدون تجديد ولا رؤية درامية دقيقة تعلم ما تفعله، وماذا تقول وإلى أي قطاع تتوجه بالخطاب فضلا عن أنها تستقطع جمهورا محددا تفترض فيه التعاطف مع كل ما تبثه ولا تستثير ذكائه أو تكثف الصور لتقول ما تريد بصورة فنية وغير مباشرة.

ومرة أخرى يستدعي الفيديو كليب العزائي صورة الحادثة التاريخية عبر الاقتطاع من الأفلام والمسلسلات التاريخية الشهيرة من لقطات للخيول ومشاهد للقتال والمعارك الإسلامية وكأن التاريخ كله ليس إلا معركة قتال في قتال من غير التفات للسياقات الأصلية لتلك الصور المجتزأة ولا مسوغ فني يبرر الاقتطاع، فضلا عن أنها تصدر من غير إشارة للاقتباس والتّصرف أو استئذان يحافظ على حقوق الملكية، مما يؤكد على بساطة وتلقائيّة أو سذاجة واستسهال العملية الفنية عند صانعيها.

وفي كلا الحالتين من الحضور للحادثة التاريخية في الفيديو كليب العزائي سواء عبر التمثيل المباشر أو الاقتطاع من الأعمال السابقة فإن استدعاء حوادث معينة من التاريخ وبصيغ محددة صيغت بشكل تاريخي متوافق مع شروط زمنية للمؤرخ والسارد التاريخي أو رؤى أخرى رهينة لمن صاغها في عمل سابق بما لا تتوافق مع زمننا ولا رؤيتنا ولا مقولات هذا الزمن ومقتضياته بما يلبسنا ثوبا قد لا نريده وتقدّمنا بصورة هي غير صورتنا ولا ترقى إلى طموحاتنا بل وتقدم صورة أهل البيت مفرغة من القيم الجميلة التي آمنوا بها وسعوا إليها وتكرّس الصورة السلبية التي أرادها لهم زمنهم من هوان وتنسى القيم نادوا بها والعالم الذي حلموا به، ومن هنا تأتي أهمية التخطيط لما ستقوله الصورة التي نقدمها عن الذات وعن أهل البيت وقيمهم المتبناة.

وليس البعض الآخر من الفيديو كليب العزائي سوى استدعاء لمجموعة من الصور الثابتة أو الحية القديمة أو الحديثة لأضرحة الأئمة ومشاهدهم وحركة الزوّار أثناء مواسم الزيارة والتّعزية، ولا يعكس ذلك سوى حالة استعظام الذات الجماعية لحجم حضورها الجماعي أمام الآخر الذي يستهونها في حين أن الآخر لا يعبأ بها ولا يقيم لها وزنا ولا يضعها سوى في خانة الطقوس الدينية التي قد يدخلها البعض ضمن ثقافات الشعوب البدائية، إن لم يدخلها ضمن مفاهيم البدع الدينية إن شاءت له رؤيته ذلك وإن كان له رأي ينحو في ذلك الاتجاه.

والبعض الآخر ليس سوى تصوير حي للمواكب العزائية مع شريط ترفق من خلاله القصيدة مع مجموعة من الحركات التقنية التي تسمح بها الكاميرا أو برامج المونتاج الإخراجية، ولا يعكس ذلك سوى محاولة توثيق لمجريات الموكب العزائي مع شيء من صناعة الإبهار الإخراجي عبر التلاعب بزمن تدفق الصور بتبطيئ الحركة أو تسريعها أو إيقافها بما يتوافق أحيانا مع إيقاع القصيدة، وأغلب ما هو مطروح هو أقرب لحالة من التباهي بامتلاك هذه الأدوات من القدرة على توظيفها في صناعة المعنى.

والبعض الآخر من الفيديو كليب العزائي ليس سوى ما تقدّم من خليط مما سبق مكوّن من أداء الرّادود وإيماءاته أمام الكاميرا وصور من القصيدة وشيء من الحادثة التاريخية مع صور لأضرحة ومشاهد الأئمة أثناء مواسم الزيارة أو التعزية وليس أكثر من ذلك، مما هو محفوظ في الذاكرة الشيعية ومتمازج مع الوجدان الشعبي مما يعكس أن الفيديو كليب العزائي مازال يعيش في منطقة الذات وغير قادر على الخروج لأبعد مما هو من جنسه ومثله ولا يعبر إلا عن ذاته وخصوصياته المذهبية وكأنه غير قادر على الإمساك بالأدوات الفنية لمخاطبة الآخرين بدل المراوحة الانحصار في منطقة الذات.

فما الذي تعكسه هذه العملية على المستوى البصري، وماذا تقول الصورة باختصار؟، كل ما سبق لا يعكس سوى مجموعة من التوليفات الأولية التي قد يكون مصدرها مرة محاولة التعبير الأولي عن الذات الجماعية في أول حضور إعلامي لها أمام في الفضاء العام، ومن هنا كان لا بد من الالتفات إلى أهمية أن يكون الفعل الإخراجي بمراحله التقنية حاضرا بوعي ويحمل رؤية يقدمها من خلال العمل متمسكا بأدوات الإبداع على مستوى الشكل وما يعكسه من مضمون.

ثانيا: النقد الخارجي

وأما المنحى الأخر وهو النقد الخارجي فلعل الكثير مما يثار من نقاشات حول الفيديو الكليب العزائي هو نفس ما يثار من جدال حول الفيديو كليب في المجالات الأخرى والتي مردّها إلى عملية الاستهواء للصورة ومراوغاتها وما تصنعه بنا من لعب فني فالصورة بطبيعتها ليست واقعا إنها جزء مقتطع من التاريخ ومن الواقع للحياة وللأشخاص، جزء متخيل مفبرك محبوك عن الحياة وشخوصها قد يذهب بك بعيدا عن الواقع ويصنع لك واقعا آخر مزيفا قد تنبهر به قد تستهويه وتقلّده وقد تكون حبيسه ولا تستطيع مفارقته قد تستعيض به عن الواقع اليومي وتنشغل وتفكّر من خلاله به ولعل هذا ما يفعله الفيديو كليب بنا حين ننساق وراءه ونستهويه.

وما حالة الولع بالرّواديد والشيّارة إلا بعضا مما تفعله الصورة بالمتلقين تلك الصورة المتخيلة التي صنعها المخرج للرّادود في مواقف معية ومن زوايا محددة هي الزوايا التي تصنع النجم وتكرس نجوميتهم حيث يقف الرّادود في جهة محددة ويلتقط له الصورة التي تخفي العيوب وتظهر الجمال فتسحر العيون وتأخذ بالمتلقين بعيدا ولعل هذا ما يفعله الفيديو كليب بالجماهير الجاهزة للانبهار حين يصنع نجما فتظل العيون تلاحقه وتستهويه وتبحث عنه وتنشغل به وتصنع له صورة تعشي البصر والبصيرة حتى تجعل منه فارس أحلام الفتيات ومرجع الفتيان الحاسم في مناوشاتهم وجدالاتهم وصاحب الكلمة الفصل والمثل الأعلى عندهم فهم لا يرونه إلا من خلال تلك الصور التي تستر أكثر مما تظهر ولذلك ليس غريبا أن تفعل تلك الصورة فعلها ليس في المتلقين فقط بل حتى في الرّادود نفسه فتجعله عند نفسه حيث وضعته الكاميرا حتى أنه لينسى نفسه ومن يكون ليضع ذاته في ما يراد له أن يكون وفي الإطار الذي وضعته فيه الصورة وفي الموضع الذي تريد مخيلة الناس أن يكون.

وما مصدر الجلبة التي تثار بين الفينة والأخرى إلا لدخول منتج قيمي في عالم السوق والحذر من أن ينجر لأخلاق السوق ويستبدل قيمه بقيمها، ولعله من أهم الآفات التي يخاف على الرّواديد منها في هذه اللحظة حين دخولهم إلى عالم السوق هي آفة النجومية المصطنعة التي يفبركها الإعلام والعملية الإعلامية لا النجومية الإبداعية التي مصدرها الموهبة، وكذلك آفة الإصرار على الظهور والحضور المستمر سواء بالغث أو بالسمين وما ذلك إلا استجابة لمتطلبات شركات الإنتاج التي تصر على أن تستمر في تعزيز حضور النجم الذي يدر لها ذهبا من غير مراعاة لجودة ما يقدم بقدر مراعاة أن يتواجد في السوق فيكون الصراع في الإنتاج على الوجود لا على الجودة والإبداع فالفضائيات مستمرة في العرض والمنتج رائج ولابد من تغطية ساعات البث والاستمرار في الحضور، ولكن بأي شكل يكون الحضور لا يهم.

لقد حاولت القراءة أن تنظر في ما يقدمه الفيديو كليب العزائي حتى هذه اللحظة وتسبر ما وراءه، وماذا يقول وتسبر مصدر ما يثار حوله وتحاول تبرير وتتطلع لتقديم صورة أكثر نصاعة عن قيم أهل البيت المتبنّاة، وذلك بحسب ما تسمح به هذه المساحة من قراءة أولية.

العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً