كان المعرض ناجحا لأنك بسعر زهيد تحصل على الكتاب الذي تريد، لأنه استقطب حضورا هائلا من أول ليلة، لأن زخات التبرع بالكتب لم تنته حتى آخر ليلة، لأنه خلق تداولا ثقافيا عبر تداول الكتب المستعملة، فقد كان زكاة للعلم، لأنه حقق أرباحا في المبيعات وحقق الهدف المرجو منه وهو التبرع للمشاريع الخيرية من ريع الكتب المستعملة، لأنه ببساطة صنع فعالية ثقافية أظنها ستبقى راسخة كل عام وحاضرة في أذهان الناس الذين حلموا به فبادروا بإنجاحه، لأنه استرعى اهتماما إعلاميا، أشاد به واعتبره مبادرة متميزة.
يسترعي انتباه إعلامي الـ «بي بي سي»
انتهى معرض الكتب المستخدمة الذي أقيم في نادي سار ونظمه مجلس بلدي الشمالية في الفترة 19/31 ديسمبر /كانون الأول الماضي، ومن شدة نجاحه استرعى نظر محرري البي بي سي العربية فجعلوا له تقريرا خاصا في البرنامج الشهير «بي بي سي اكسترا» واتخذوا من فكرته مجالا للمداخلات حول جدوى بيع الكتب المستعملة ومدى تفاعل الجمهور مع هذه الظاهرة، ومدى تأثير مثل هذه المعارض للكتب المستعملة على المكتبات والناشرين، وقد أثري البرنامج بمداخلات الجمهور، والمثقفين ومنهم جمال الغيطاني الذي ركّز مداخلته على دور الكتب المستعملة في إثراء المثقفين، وذلك لسهولة تداولها بالسعر الرخيص ودعا إلى العمل بهذه الفكرة وتشجيعها وإلى إعادة إحياء سور الأزبكية في مصر حيث تباع الكتب على الرصيف بسعر زهيد جدا، وكذلك إنعاش شارع المتنبي في العراق.
«لولا الحاجة ما بعتك»
ولعل من طرائف الحكايات التراثية الملحة عندما تتبادر إلى الذهن فكرة بيع الكتب المستعملة هي ما يروى عن أن أحدهم اشترى كتابا من صاحبه وبينما هو يقرأ فيه ويتصفحه وجد فيه عبارة تبين مدى حب صاحب الكتاب وتعلقه الشديد بكتابه وأسفه على مفارقته والتفريط في صحبته وختمها بقوله « لولا الحاجة ما بعتك» فما كان من المشترى إلا أن حمل الكتاب وأعاده لصاحبه تقديرا منه لعلاقته الحميمة مع الكتاب، ووهبه المال المدفوع ثمنا للكتاب بل ولعله زاده كمساعدة منه تعزيزا له لحبه للعلم.
حتى الكتب موضات
من الكتب التي بيعت كتب مكتبات تبرعت بها للمعرض لبيعها بسعر رخيص أو كتب لمكتبات أقفلت وأريد تصفيتها أو كتب بعض المؤلفين ظلت حبيسة الأرفف ربما لغلاء سعرها أو لتجاوز مرحلتها أو ذهاب موضتها الثقافية فكما أن اللباس موضات فكذلك من الأفكار والعناوين ما هو موضات ثقافية يتم تجاوزها ولكنها عند الراصد تبقى شاهدة على مرحلتها وعند من يقدرها تعني الكثير، فهو قد عاشها وتشربت أفكاره بها وقرأها وقرأته ولذلك يحرص على اقتناء كل ما يتحدث عنها أو يدور حولها من كتب ولن تكون لديه قديمة، بل تجد البعض مهووسا بتلك الكتب وتلك العناوين التي عاشها، فهو يبحث عنها دائما وأنى وجدها فقد وجد ضالته.
الكتب تفوق الطول
ولعل من الطريف في هذا المعرض ما رواه لي الصديق زهير إبراهيم، أحد منظمي المعرض، أن أحد الزوار أخذ يقتني الكتب ويحملها بين يديه فوق بعضها البعض، ولما باء بحملها أخذ يجمعها وكلما تكونت لديه مجموعة وضعها في زاوية حتى أصبحت في عمود يفوق قامته ويتجاوز طوله بل وأصبحت سورا حاجزا بينه وبين المحاسب.
دخلوا مع طفلهم وخرجوا مع الكتب
ومن الطريف كذلك ما شوهد من أن أسرة دخلت المعرض مع طفلها الذي تحمله في العربة، ولما امتلأت أيديهم بالكتب وناءت بحملها الأكتاف تحوّل الأمر إلى مفارقة ظريفة، فما كان من الأسرة إلا أن حملت طفلها على يدها وراحت تضع الكتب في العربة المخصصة للطفل فخرجت من المعرض وقد امتلأت عربة الطفل بالكتب بينما استمتع الطفل بدفء والديه وهما ينقلانه بينهما وأخذ ينظر «ربما بغيرة» إلى الكتب التي أخذت مكانه في العربة.
فرصة ثمينة بسعر رخيص
في النهاية كان المعرض فرصة ثمينة للحصول على مجموعة من الكتب القيمة بسعر رخيص زهيد جدا وخصوصا تلك الكتب التي كنت أتصفحها كثيرا في بعض المكتبات بين الفينة والأخرى «وأستغلي» ثمنها قليلا وأؤجل شراءها لاحقا لكني وجدتها في هذا المعرض فرصة سانحة فاقتنصتها ورحت أجمعها وأظفر بها قبل أن تنتهي أو يضع أحدهم يده عليها فلا أجدها، وكذلك كان المعرض فرصة للقاء الأصدقاء وتناول أطراف الحديث حول الثقافة وخصوصا في تلك المحاضرات التي أقيمت على جانب المعرض.
العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ