إذا كان ما قالته مجلة «سبكتاتور» البريطانية دقيقا، فإن نتائج استطلاعها آراء البغداديين عن وجود القوات الأميركية والبريطانية على اراضيهم توضح مدى الانهزام الذي سببته الدكتاتورية العربية في بلداننا. فبحسب المجلة فأنه وعلى رغم ان ثلاثة من كل أربعة بغداديين يشعرون بالخطر على حياتهم أكثر ما كان الوضع عليه اثناء حكم صدام حسين وكل اثنين من ثلاثة اشخاص يخشون الاعتداء والسرقة مقارنة بما كان عليه الوضع أيام صدام فإن 50 في المئة من البغداديين يعتقدون أن الحرب الانجلو - أميركية لإزالة صدام كانت مشروعة، و18 في المئة منهم فقط يودون رحيل الاحتلال عنهم.
الاحصاءات عادة ما تعطي نتائج غير واضحة لأن الجواب يعتمد على السؤال والارقام تعتمد على عدد الأشخاص ونوعياتهم ودقة العملية الاحصائية.
ولكن حتى لو لم توجد الدقة في الطريقة فإنه من المؤكد ان الفشل الذي وقعت فيه مجتمعاتنا خلال العقود الماضية أدى لأن يفضل البعض ان يحكمه أو يدير شئونه الأجنبي، بدلا من ابن البلد. ذلك لأن الأجنبي تهمه مسائل محددة، مثل السيادة على القرار السياسي والاستراتيجي، أما المسائل المحلية وشئون الناس فانه يتصرف حيالها بحكمة. والمواطن العربي يجد نفسه مخيرا بين حاكم من أبناء وطنه يحرمه من القرارات الاستراتيجية ويظلمه على المستويات المعيشية اليومية ايضا، وبين الطرف الأجنبي الذي يفسح المجال لأمور لا تتوافر تحت الحكم المحلي.
التجربة العراقية لا تختص بالعراق فقط، فلها امثلتها في كل مكان، ولو بدرجات مختلفة وفي اطر أخرى. ففي السبعينات، كانت في البحرين كثير من المؤسسات التي يسيطر عليها غير البحريني، وكان البحرينيون يعانون عندما يتسلم احدهم رئاسة قسم معين. فالبحريني يدخل في لعبة لا يدخلها غيره، وكثيرا ما كان يتمنى البحريني عدم تسلم المسئولية مواطن يدخل كل المشكلات الاجتماعية في مجريات الأمور، ويضيّق في أمور لا تستدعي التضييق، ويميز بين هذا وذاك على أسس المحسوبية والمنسوبية أو على أي اساس آخر.
بعد مضي سنوات طويلة من استقلال بلداننا، نراجع انفسنا وما استطعنا تحقيقه عند تولينا شئوننا، وما هي الفوارق؟ لقد كان المستشار تشارلز بليغريف يتحدث عن مختلف فصائل المجتمع البحريني بنوع من الاستهجان، وهو الذي كتب في مذكراته مدعيا ان هذه الفئة البحرينية أو تلك لا تثق بنفسها ولا يمكن ان تقبل بأحد افرادها ان يكون مسئولا عليها. وقال إن البحرينيين يفضلون الأجنبي عليهم في كل شيء حتى في الشئون الدينية مثل القراءة في المأتم الحسيني، اذ يفضلون غير البحريني ايضا.
اعتقد اننا في البحرين اثبتنا كثيرا عكس ما كان يقوله بليغريف، ولكن ليس كل ما قاله بعيدا عن المشاهدات الصحيحة. فالمواطن يعاني كثيرا عندما يحاول التعامل مع مواطن آخر، ويحتاج الى وسائل وثقافة متطورة لمعالجة مختلف القضايا لكي يبقى الميزان عادلا ولا يميل الى الدرجة التي يتمنى المواطن ان يأتي الأجنبي لتخليصه كما تقول لنا مجلة «سبكتاتور» البريطانية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 319 - الإثنين 21 يوليو 2003م الموافق 21 جمادى الأولى 1424هـ