العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ

جدلية العلاقة بين المطالب الشعبية ومبادرات الملك

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

لكي يدرك القارئ الأسباب التي دعت جلالة الملك إلى القيام بهذه المسيرة الإصلاحية، وهل هي نابعة من ظروف وقتية فرضتها عملية التوتر التي حدثت بين المواطنين البحرينيين وبين القيادة البحرينية المتمثلة في الجهاز التنفيذي وبلوغ الأوضاع درجة الاشتعال أم أن جلالة الملك كان يؤمن بضرورة التغيير والتجديد من خلال إدراك واع بأن هناك جدلية في العلاقة بين تحديث مؤسسات الدولة وتطوير قوانينها واقتصادها وتوجهاتها السياسية وبين مطالب الشعوب عامة وليس الشعب البحريني وحده، فهو بحاجة إلى قراءة فكر صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين في كتابه «الضوء الأول».

إن هذا الكتاب سرد تاريخي يكشف للقارئ مدى إحساس جلالته بضرورة أن تكون لهذا البلد قوة دفاع لتسييج مكتسبات البلاد واستقرارها السياسي والحفاظ على أمنها.

وإن القارئ يكتشف في هذا الكتاب جدلية العلاقة في فكر جلالته بين التنمية والأمن الجماعي لدول المنطقة.

والقارئ سيكتشف في «الضوء الأول» جدلية الارتباط في فكر جلالته بين الحفاظ على استقرار الوطن العربي وبين وجود قوة عربية متطورة قادرة على حماية هذا الوطن الكبير.

نجد ذلك في جانب من مقدمة كتابه اذ يقول: «لقد مرت المنطقة بحوادث تاريخية وأزمات حادة ساعد على وجودها تصارع القوى الأجنبية للهيمنة عليها، والتي لن تهدأ مادامت تطمع بنا، وعليه فإنه لا غنى عن وجود قوة عسكرية عربية تتميز بالكفاءة والفاعلية والقدرة القتالية العالية لحماية نمو منطقتنا وازدهارها، ونجد المعاني الحقيقية للتعاون والمصير المشترك لدولها، وبذلك يمكننا التقليل من الأخطار وتجنبها، وما قوة الدفاع إلا جانب مضيء من جوانب أداء الواجب المقدس نحو الوطن».

لكن «الضوء الأول» الذي أصدره في العام 1981م عندما كان جلالته وليا للعهد وبعد تخرجه من الكلية العسكرية قبل أن ينفجر الوضع خلال مواجهة التسعينات بين المواطن البحريني الذي رفع وتيرة حركته المطلبية وبين النظام لأكثر من عقد ونصف العقد يؤكد أن جلالته كان يحمل فكرا إصلاحيا تحديثيا وحماسا للتغيير من دون وجود ضغوط محلية.

ويعني ذلك أن جلالته كان يرى أن هناك علاقة جدلية بين التقدم والإصلاح وتحسين أوضاع المواطنين وبين الاستقرار السياسي لذلك فإن جلالته بهذا الكتاب سبق الحوادث وكان يدرك أن الماء الراكد يحمل جراثيم تسبب الأمراض للناس تماما مثل المجتمع الراكد الذي ترفض قيادته تحريكه وتحديثه وتطويره يحمل في طياته أمراض الركود والتخلف والفقر، ما دفع جلالته إلى أن يضمن كتابه أفكاره الإصلاحية بمعنى أن «الضوء الأول» وإن كتبه جلالته بشأن تأسيس قوة دفاع البحرين وكشفه لمراحل تطويرها إلا أنه في الحقيقة يتضمن جوانب عدة من طموحاته وأفكاره الإصلاحية وحماسه في خلق مشروع وحدوي عربي على شتى المسارات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية تكون محصنة بدرع عربي قادر على الدفاع عنه من خلال الاهتمام بخلق قوة عربية قادرة على الدفاع عن الأمة كلها.

ولولا أن نظام صدام حسين وتجاوزاته بالعدوان على الكويت وزعزعة الثقة بالمشروع القومي العربي وخلق جرح جديد وعميق بعد نكسة يونيو/ حزيران العام 1967م وخصوصا بعد أن كاد الجرح يلتئم بانتصارات أكتوبر/ تشرين الأول 1973م وإنهاء زمن المستحيل في مواجهة «إسرائيل» وإزالة خط بارليف لكانت الأوضاع العربية أخذت مسارا جديدا.

وكان لهذا العدوان من دولة عربية - تزعم أن من أساسيات أفكارها المشروع القومي الوحدوي - على دولة الكويت آثارا سلبية كثيرة، عدا عن آثارها الاقتصادية، ومن أهمها تراجع المد القومي وإعادة حسابات المثقف العربي والشعب العربي في المشروع القومي.

إن قراءة متأنية لما ورد في كتاب جلالته «الضوء الأول» عند الحديث عن التطور الاستراتيجي الوطني لدول مجلس التعاون يجد القارئ مدى جدلية العلاقة في فكرة جلالته بين التنمية والاستقرار السياسي وبين خلق المجتمع الثقافي الواعي وبين الاستقرار السياسي.

إن حماس جلالته لتحقيق الأهداف التي وردت في البيانات الختامية لدورات المجلس الأعلى لمجلس التعاون والورقة الخاصة بالعمل الخليجي المشترك التي أقرها المجلس الأعلى في دورة انعقادها الأولى التي تضمنت السياسة العامة لدول المجلس في إطار تحديد الغايات الوطنية لدول مجلس التعاون يكشف حقيقة إيمان جلالته بضرورة تنفيذ ما ورد فيها. وحين يعيد جلالته إلى الأذهان أهمية تنفيذ ما ورد في الغايات الوطنية لدول المجلس وخصوصا النقاط الحساسة يتضح لماذا قام جلالته بعمليته التصحيحية حين يذكر في كتابه «الضوء الأول» في الفقرة (ب) تحت عنوان «بناء حضاري متوازن ومتكامل»:

«يتجسد هذا الهدف في السعي إلى تحقيق تنمية شاملة يتحقق فيها الرخاء الاقتصادي المتمثل في إشباع الحاجات المادية للأفراد من خلال تنمية وتنويع الدخل الإجمالي لدول مجلس التعاون وتزيد فيها قدرة هذه الدول على توفير الحاجات الروحية والاجتماعية والثقافية للمواطنين وتغيير أنماط السلوك وأنواع العلاقات الاجتماعية غير المرغوبة بما يمكن من تثبيت عدد من القيم المعتبرة قيما إيجابية جديرة بالتثبيت وفق التصور السائد في حضارة المجتمع الخليجي العربي وتغيير القيم الأخرى المعوقة لعملية التنمية بجانبيها الاقتصادي والاجتماعي». ولكي ندرك جيدا رأي جلالته في جدلية العلاقة بين إخلاء التجربة الإصلاحية من السلبيات الخطيرة وخلق استقرار سياسي من خلال أفكار ذكرها قبل أكثر من ربع قرن تتضح لنا تلك الصورة من خلال رأي جلالته في عملية «الاغتراب الاجتماعي والثقافي» اذ يقول: «أدى تزايد الاعتماد على العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون إلى وجود ظاهرة الاغتراب الاجتماعي والثقافي اذ أصبح المواطنون في بعض الدول أقلية في بلدهم لا يمثلون سوى خمس أو سدس عدد السكان وأصبح الأجانب يمثلون الغالبية العظمى من السكان، ما أدى إلى شعور المواطنين بالغربة في بلدهم وتهديد التماسك الاجتماعي والوحدة الاجتماعية الوطنية والهوية والوحدة الثقافية، ولقد ترتب على تزايد حجم العمالة الأجنبية وتطور هذه الظاهرة من ظاهرة مؤقتة إلى ظاهرة مستديمة مرتبطة بتركيبة الاقتصاد الخليجي بروز مجموعة الظواهر السلبية».

ويذكر جلالته في هذا الصدد الخطر على اللغة العربية القومية التي قد تتحول إلى لغة ثانوية وإلى تجميد قوة العمل النسائي الخليجي داخل الأسرة التي فقدت أو تكاد تفقد سبب تفشي ظاهرة خدم المنازل إلى جانب أمور سلبية أخرى ذكرها جلالته بالتفصيل عند حديثه عن الاغتراب الاجتماعي والثقافي. وما يكتشفه المرء خلال قراءته لكتاب «الضوء الأول» في عشرات المواقع رؤية جلالته عن جدلية العلاقة بين إهمال المواطن وعدم مشاركته في رسم السياسة العامة والتهديد الاجتماعي حين يقول: جلالته في الصفحة 193، «أدى شعور بعض مواطني دول مجلس التعاون بعدم مشاركتهم في صنع السياسة العامة لهذه الدول إلى ظهور الاتجاهات السلبية الآتية:

1- انسحاب كثير من المواطنين من الحياة العامة وانحسار اهتماماتهم في إطار مصالحهم الشخصية.

2- ضعف إحساس بعض المواطنين بالانتماء إلى المجتمع وانخفاض درجة وعيهم بحقيقة وأهمية أهداف عملية التنمية وخطوات تنفيذها وأهمية المشاركة في تحقيقها.

3- ربط تنفيذ كثير من المشروعات وضخامة حجم الضائع والمفقود من العناصر المادية المستخدمة فيها وارتفاع كلفة إنتاجها أو انخفاض نوعيتها فضلا عن زيادة كلفة إدارة المرافق الاجتماعية والصحية والتعليمية.

هكذا يمكن لقارئ كتاب جلالة الملك «الضوء الأول» - الذي أصدره قبل قيامه بالعملية الإصلاحية وتصحيح المسار الذي أدى إلى توتر العلاقة بين المواطن البحريني وقيادته بأكثر من عقد ونصف العقد - إدراك سموه ووعيه العميق بجدلية العلاقة بين الاستقرار السياسي والتنمية والاستقرار السياسي وخلق وعي ثقافي واجتماعي شامل وجدلية العلاقة بين التوتر السياسي والتخلف الاجتماعي والاقتصادي وجدلية العلاقة بين عدم مشاركة المواطن في رسم السياسيات العليا وضعف الانتماء للوطن.

إن جلالته في كتابه «الضوء الأول» يكشف عن جدلية العلاقة بين مجموعة من القضايا المصيرية في دول مجلس التعاون وجدلية العلاقة بين القيادة السياسية والمواطن في عدد من القضايا المحورية

العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً