تأتي تصريحات وزير الاعلام الفلسطيني نبيل عمرو عن اللقاء المرتقب اليوم الاثنين بين عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) في عمان قبل توجهه الى الولايات المتحدة في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الجاري فرصة لبحث تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط وتطبيق خريطة الطريق والهدنة التي اعلنتها الفصائل الفلسطينية بشأن العمليات ضد «إسرائيل».
وعن اللقاء وصورة ما يحدث في المنطقة تجاه القضية الفلسطينية حصلت «الوسط» على تصريحات من المستشار السياسي للرئيس عرفات بسام ابوشريف يقول فيها: ان تستطلع الآراء في المجتمع الفلسطيني على الطريقة الاسرائيلية، او من خلال اسئلة موجهة (بحيث لا يمكن للاجابة ان تخرج عن اهداف الاسرائيليين من الاستطلاع)، أمر لا يؤدي اطلاقا الى معرفة اتجاه الرأي العام والذين لديهم دراية او خبرة في صنع اسئلة الاستطلاع يستطيعون التحكم بالنتائج كما يشاءون وكما هو محدد للغاية من الاستطلاع.
بلغتني معلومات عن استطلاع تعده عدة جهات إسرائيلية يمينية يستهدف خدمة شعار شارون المعلن «عزل عرفات» وان الاسئلة درست دراسة وافية بحيث ان النموذج المنتقى للاستطلاع لن يتمكن من الخروج من دائرة الهدف، اي ان صاحب الرأي سيكون «محشورا» في الاجابة على اسئلة ضيقة الدائرة، ولا سبيل للاجابة على تلك الاسئلة الا بحشر الجواب ضمن الدائرة الضيقة للسؤال، وان حصيلة الاستطلاع ستكون سلبية جدا هكذا يحاول اليمين الاسرائيلي مساندة هدف شارون المعلن بعزل ياسر عرفات ولا شك ان الجميع تابع جولة شارون الاوروبية التي بدأت بالعاصمة البريطانية لندن وشملت اوسلو عاصمة النرويج ولا شك ان الجميع انتبه الى ان هدف شارون الوحيد كان ابتزاز الاوروبيين لفرض آرائه بضرورة مقاطعة وعزل عرفات ورغم الحفاوة (غير المبررة) التي حظي بها شارون في لندن واوسلو لم تخضع أوروبا لآرائه ولا هي وافقت على هدفه لعزل عرفات وقررت انها ستتعامل مع ياسر عرفات لأنه رئيس منتخب ديمقراطيا من الشعب الفلسطيني ولأن لا استقرار ولا سلام في المنطقة من دون تحقيق الاهداف، التي سعى ياسر عرفات ويسعى لتحقيقها تندرج في هذا الاطار كل الاسطوانات الاسرائيلية عن جهود ياسر عرفات لعرقلة عمل محمود عباس الذي عينه ياسر عرفات رئيسا للوزراء ودعمه وأمن له شبكة امان الثقة في المجلس التشريعي الفلسطيني، وكان قد امن له غالبية اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وهي الحزب الحاكم في فلسطين.
كما تندرج تحت هذا العنوان الاتهامات المتكررة بأن ياسر عرفات يدعم الارهاب ويحاول تقويض جهود أبومازن صانع السلام انه فعلا لأمر مضحك، لا بل مثير للسخرية (يكذبون ويصدقون كذبهم) فما هي حقيقة الامر؟ ما هي قصة الخلاف بين ياسر عرفات وأبومازن؟ كيف تفاقم الامر؟
واكد ابوشريف: لابد للشعب من معرفة الحقيقة، لأن الشعب هو الحكم الحقيقي وليس أي احد آخر.
تبدأ الحقيقة عند الموقف الاميركي، فقد رضخت الادارة الاميركية للرغبة الاسرائيلية المتمثلة في مواقف ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي التي ترفض رفضا قاطعا التعامل مع ياسر عرفات ذلك ان ياسر عرفات (على رغم الخلل الكبير جدا في موازين القوى) قرر الدفاع عن النفس بكافة الوسائل المتاحة في وجه العدوان العسكري الواسع الذي شنه شارون (اثر اقتحامه الحرم القدسي الشريف) واعاد خلاله احتلال مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وقتل ودمر واحرق واقتلع الشجر والحجر والبشر وزور شارون ورؤساء الاجهزة الامنية التقارير وارسلوها إلى واشنطن (التي لا اعتقد انها صدقت تلك التقارير)، ورضخت واشنطن للابتزاز وقررت تبني فكرة تعيين رئيس وزراء فلسطيني لتتخطى العقبة التي وضعها شارون.
واوقعت واشنطن ارييل شارون عندما تسلمت منه ردا على اسئلتها مع من تريد ان نتفاوض فقد جاء جواب شارون واضحا: مع أبومازن وتوقع شارون ان يثير ذلك خلافا عميقا في اوساط فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية وان مثل هذا الخلاف الكبير سيعطل السلطة عن العمل الفاعل، وان هذا سيؤدي الى شلل يؤخر تطبيق خريطة الطريق (بما في ذلك الانسحاب وإعلان الدولة) أو انه سيلغيها تماما وهذا ما يريده شارون. فالهدف الشاروني هو القاء المسئولية واللوم على الفلسطينيين في عدم تطبيق خريطة الطريق في البداية تحمس شارون عندما دب الخلاف بشأن من يعين رئيسا للوزراء، ثم تفاءل بعد تعيين ياسر عرفات رئيسا للوزراء، عندما دب الخلاف عن تشكيل الحكومة وراح ينتظر الاشتباك. وبعد تشكيل الحكومة تفاءل بأن ياسر عرفات سيحرم الحكومة من ثقة المجلس التشريعي، لكن ياسر عرفات فوت الفرصة عليه حينما احتضن أبومازن واصر على المجلس التشريعي اعطاء حكومته الثقة، عندها راح شارون يصعد المطالب في وجه أبومازن، واهمها انه قبل ان يخطو خطوة في اتجاه تطبيق خريطة الطريق، فإن عليه ان يحارب الارهاب ويجمع السلاح من المقاومين ويعتقل المطلوبين، وكل هذه المطالب تستهدف جر الساحة الفلسطينية لحرب اهلية وتقوض جهود أبومازن الذي اختاره الاميركيون رئيسا للوزراء بناء على توصية ارييل شارون، والذي قرر ياسر عرفات تكليفه بتشكيل الحكومة بناء على ثقته بالتزام أبومازن بقرارات فتح، وقناعته بوطنية مواقف أبومازن قافزا عن كل الشكوك التي حاول شارون بثها عن أبومازن ومواقفه وعلاقاته
ويرى ابوشريف ان شارون خسر معركته لعزل ياسر عرفات اوروبيا واضافة لذلك امتلك المعلومات المؤكدة أن الادارة الاميركية ستعود للاتصال بياسر عرفات في فترة قريبة لانها اكتشفت انه رئيس منتخب من الشعب، وان شعبية ياسر عرفات هي التي ستمكن عملية السلام من المضي قدما اذ ان الشعب الفلسطيني يرى في ياسر عرفات ضمانة سياسية لنيل اهدافه الوطنية وان ياسر عرفات لن يتخلى عن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ولن يقبل بديلا حدوديا عن خط الرابع من يونيو/ حزيران ولن يقبل اي سيادة منقوصة للدولة الفلسطينية لهذه المواقف الصلبة التي يتخذها ياسر عرفات وقاتل من اجلها، لا يريد شارون ان يتعامل مع ياسر عرفات وهنا يكمن سبب الخلاف الذي نشب داخل اللجنة المركزية لحركة فتح، وداخل اللجنة التنفيذية والاطر القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا يشك احد بوطنية اي قيادي فلسطيني، لكن طريق جهنم معبدة بالورود والخطأ السياسي قد يؤدي الى كارثة وياسر عرفات يحاول تجنيب الشعب الفلسطيني مزيدا من الكوارث.
وقبل مدة فرضت «إسرائيل» منع التجوال على مدينة رام الله وظن البعض ان السبب هو خطف سائق سيارة اسرائيلي، لكن الحقيقة ان منع التجوال الذي امر به وزير الحرب الاسرائيلي شاؤول موفاز كان لمنع خروج مظاهرة شعبية ضخمة لتأييد ياسر عرفات.
الادارة الاميركية تعد أبومازن بالدعم المالي والأمني وشارون يعلن انه يريد ان يساعد أبومازن وان يدعمه، لكن الواقع هو ان كلا من الادارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية لا تسعيان حتى الآن سوى لتأجيج الصراعات الفلسطينية وزيادة حدتها، لكن هذه المحاولات الاسرائيلية لن تجدي نفعا لأن ياسر عرفات يعرف مكانته عند الشعب الفلسطيني، وكذلك أبومازن، ويعلم رئيس الوزراء والوزراء ان المرجعية في الامور الاستراتيجية هي للرئيس ياسر عرفات المنتخب مباشرة من الشعب تحت اشراف دولي قاده الرئيس الاميركي جيمي كارتر.
والجميع يعلم بمن فيهم الرئيس بوش ورئيس وزراء «إسرائيل» شارون، ان اجراء انتخابات جديدة ستؤدي الى حصول ياسر عرفات على غالبية ساحقة اكبر بكثير من الغالبية التي حصل عليها في الانتخابات السابقة وان غيره قد لا ينال اكثر من صوته وصوت افراد عائلته لذلك فقدت ادارة بوش المتنطحة لنشر الديمقراطية في العالم العربي رغبتها في ترجمة ممارسة الديمقراطية النزيهة على ارض فلسطين، خشية تعزيز موقع الرئيس ياسر عرفات واثارة غضب شارون.
في ظل كل هذا يخرج البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) وبقرار يعتبر فيه الضفة الغربية وقطاع غزة ارضا «غير محتلة» في تحد آخر للشرعية الدولية ولخريطة الطريق ولأبومازن، اذ الموضوع واضح، ياسر عرفات يقاتل من اجل حرية الوطن وبناء دولة كاملة السيادة على الارض التي احتلتها «إسرائيل» العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، و«إسرائيل» لا تريد ذلك لذلك لا تريد التعامل مع ياسر عرفات.
هذه هي حقيقة ما يجري وليس اي شيء آخر، ولا بد من الاشارة هنا الى ان هذه الجهات التي تسعى لتهميش دور ياسر عرفات تحاول استخدام «المال» و«الأمن» لتحقيق اهدافها واللبيب من الاشارة يفهم.
ويعتقد ابو شريف ان جولة أبومازن الى مصر والاردن والولايات المتحدة سيكون لها الاثر الكبير لحسم الخلاف في طبيعة العلاقة بين أبومازن وعرفات وسياسات دول المنطقة وأوروبا وأميركا
العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ