العدد 2315 - الثلثاء 06 يناير 2009م الموافق 09 محرم 1430هـ

لا يوم كيوم عاشوراء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في ظهيرة مثل هذا اليوم الحزين الحزين... كانت المعركة قد حُسمت. كانت النتيجة معروفة سلفا، فهناك مجموعةٌ صغيرةٌ يقدّرها بعض الرواة بـ 73 فردا، ويذهب بعضٌ آخر إلى 150، بين صبيٍّ وشابٍ وكهلٍ وشيخٍ طاعنٍ في السن.

في المقابل، كان هناك جيشٌ نظاميٌ لا يقلّ عن 30 ألفا، ويقدّره آخرون بـ70 ألفا، فالمعادلة هي واحدٌ مقابل ألف. ولهذا جرت المعركة بسرعةٍ خاطفة، فلم تمضِ غير ساعتين إلا وأفراد الجيش الصغير مجدّلين على الرمضاء، بعد أن فُرض عليهم الحصار أياما، ومُنع عنهم الماء.

المعركة كانت خاطفة، والمعاناة على فداحتها كانت قصيرة في عمر الزمن، إلاّ أن ما جرى بعد المعركة فأمرٌ تشيب له الوالدان. فجنود الخليفة الأموي بدأوا بالإغارة على خيام الحسين بعد مقتله، يروّعون الأطفال وينهبون حُلي وقلائد النساء، وتوّجوا انتصارهم الكبير بحرق الخيام.

كانت مهمةُ زينبٍ (ع) عسيرة في ذلك المساء، لجمع الأطفال اليتامى ولملمة النساء الثاكلات. الروايات تنقل لنا ما فعلتْ بعد أن أسدل الليل سدوله، فقد أضرّ بها المصاب فأدّت الصلاة من جلوس. ثم توجّهت إلى أرض المعركة، تبحثُ عن أخٍ لها من أبيها، لم تفارقه قطّ طوال 58 عاما إلاّ في الساعات الأخيرة، لكنها كانت طويلة كالدهر. لملمت أعضاء الجسد الذي وطأته الخيول، ورنت ببصرها نحو السماء وقالت: «اللهمّ تقبّل هذا القربان من آل محمد».

موقفٌ هو الغاية في الصبر ورباطة الجأش. عظيمةٌ كأبيها... لكن حتى العظماء يتألمون ويحزنون، فكيف كانت مشاعر زينب في تلك الساعات؟ لا أحد يدري، ولكن أمامنا نصٌ شعريٌ باللهجة البحرانية الدراجة، للخطيب الملا عطية الجمري (رحمه الله)، تشعر به وقد تقمّص شخصيتها، ونطق بلسان حالها... في دفقاتٍ شعريةٍ حزينةٍ:

ودّي أوصّل مصرعك وانجتل وياك... لكن شبيدي ولازمه اذيالي يتاماك... لو يقدر السجاد (المريض) ينهض كان جيناك... خدّك نوسده وبالدمع نغسل الطبرات.

ولعلّ خطيبنا الكبير نسي أو أغفل حقيقة أن القوم فصلوا رأس الشهيد وعلّقوه على رمح، كما فصلوا رؤوس خمسة عشر رجلا من أهل بيت الرسول (ص)، وعلقوها على الرماح وطافوا بها البلدان كما يفعل جيوش البرابرة.

بعدها تخاطب زينب أخاها: «تدري الغربة تضعضع عزوم الرجاجيل... وانا وحيدة وعايلة ومقبل علي ليل». وتعبّر عن خوفها من الفراق الوشيك: «خوفي ضعنّا من الصبح عن كربلا يشيل... وتظل عاري (لأنه سُلب بعد مقتله وسُرق منه حتى الخاتم من خنصره) بهالفلا واحنه ضعيفات».

ويتخيّل الشاعر ما يردّ به الحسين القتيل على أخته: «قلها بلا تجهيز لازم يتركوني»، لأن الجيش المنتصر حمل قتلاه معه لدفنهم وترك قتلى الجيش الآخر في العراء. و»باجر تمر بيّه الظعينة وتنظروني»... فقادة الجيش الجفاة الغلاظ، تعمّدوا المرور بالنساء الثاكلات والأطفال اليتامى في اليوم التالي على أجساد قتلاهن، ليزيدوهن مرارة وثكلا وحرقة قلب.

لا ندري إلى أيّ مدى نجح الجمري في التعبير عن تلك المشاعر، ولكن ما ينقله التاريخ أن السيدة زينب (ع)، بعد عودتها من رحلة السبي الطويلة، لم تبق طويلا، فلم يمض أكثر من عامٍ حتّى التحقت بأخيها الحسين واستراحت، كأن الشريف الرضي كان يتكلّم عنها:

قد آن للقلب الذي هدّه.... طولُ معاناةِ الأسى أن يُراح

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2315 - الثلثاء 06 يناير 2009م الموافق 09 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً