العدد 2315 - الثلثاء 06 يناير 2009م الموافق 09 محرم 1430هـ

أمن الخليج مجددا على طاولة التشريح (2 - 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

خلال شهر عقد مؤتمران تناولا أمن الخليج العربي، الأول هو ما يعرف (حوار المنامة) والذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في الفترة 12-14 ديسمبر/كانون الأول 2008 للسنة الخامسة على التوالي، والذي غطته الصحافة ووسائط الإعلام جيدا والقارئ مطلع على ما دار فيه. أما الثاني فقد عقد بعد شهر من حوار المنامة، ويتعلق بالأمن والتعاون في الشرق الأوسط، حيث شكل أمن الخليج محورا أساسيا من محاوره. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية أمن الخليج في السياسة الدولية، وإلحاح دور إيران المحوري وبرنامجها النووي، في أمن الخليج والشرق الأوسط، على صناع السياسة الغربيين والخليجيين والعرب والشرق أوسطيين.

إيران غابت عن حوار المنامة، وفوتت على نفسها فرصة طرح وجهة نظرها وتنفيذ أطروحات الآخرين سواء أكانوا أعداء أو جيران أو أصدقاء. أما في المؤتمر الثاني فكانت إيران حاضرة ونجحت في التصدي للأطروحات المتطرفة والمعادية وغير الموضوعية.

يمكن الاستخلاص أن حوار المنامة كان عبارة عن حشد مكثف لتجريم إيران بممارسة وتشجيع الإرهاب على نطاق إقليمي ودولي، وتصويرها بأنها الخطر الأول الذي يتهدد أمن الخليج وأمن الشرق الأوسط، وليس «إسرائيل» أو الولايات المتحدة أو أنها في أحسن الأحوال تشكل خطرا كامنا قابلا للتحول إلى خطر فعلي متى ما أنجزت برنامجها النووي. ومن المفارقة أن في حين أن الجنرال باتريوس، قائد القوات الأميركية المركزية في المنطقة (سنتكوم)، أكد الأطروحات الأميركية المعروفة تجاه إيران، وخصوصا توجهات إدارة أوباما في الاشتباك النشط مع إيران بالمفاوضات والضغوط والحصار والتهديد القوي دون التلويح بالحرب من قبلها أو من قبل «إسرائيل»، فإن أصواتا خليجية وعربية مزايدة، طرحت ضرورة الحزم والحسم مع إيران، قبل استكمال برنامجها النووي. كما طرح وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة مجددا، مشروع اقامة منظمة إقليمية للأمن والتعاون تضم الدول العربية و»إسرائيل» وتركيا وإيران، ولوح بالاستعداد لخوض الحرب، إذا فشلت المساعي الدبلوماسية لتأمين مصالح مجلس التعاون. وهو ما اثار استغراب المسئولين الخليجيين أولا حيث انهم لم يستشاروا في الموضوع أصلا، ولا يتفقون معه، وقد اتضح ذلك بشكل خاص في عدم مشاركة كل من عمان وقطر في اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي مع الدول الخمس الكبرى + ألمانيا، لمناقشة البرنامج النووي الإيراني.

إذا يمكن اعتبار المؤتمر بأنه لتسويق فكرة تحالف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مع دول مجلس التعاون الخليجي، وباسناد من الدول الإقليمية الآسيوية وخصوصا الهند والصين، وبدعم من الدول العربية والشرق أوسطية المعتدلة مثل تركيا، لعزل إيران، ومحاربة الإرهاب والقرصنة، وتأمين إمدادات النفط، وضمان أمن الخليج تحت مظله أميركية، والتي وصفها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بأنها قوة ضاربة يعتد بها. أما الرسالة الأميركية الثانية والتي طرحها روبرت غيتس فهي إدماج العراق، الذي دمرته الولايات المتحدة في مجلس التعاون، لتحمل تبعات الدمار الأميركي.

المؤتمر الذي أنفقت عليه حكومة البحرين مبلغا غير معروف، لكنه بمئات الألوف بالتأكيد أرادت منه أن يكون حملة علاقات عامة، للترويج لها وخدمة لحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، في ترويج استراتيجيتها وأطروحاتها. المؤتمر الثاني مختلف إذ إنه لا يضم أيا من المسئولين من الولايات المتحدة البلدان العربية و»اسرائيل» وفلسطين والشرق الأوسط وأوروبا، بل يقتصر على خبراء وباحثين وسياسيين، وعلى العكس من حوار المنامة، ضم مندوبين إيرانيين موالين ومعارضين، ولذى كان أكثر توازنا.

فيما يتعلق بأمن الخليج وهو موضوعنا هنا، فإن المستجد الأهم هو وصول الرئيس المنتخب باراك أوباما إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، على أساس برنامج مختلف عن برنامج الرئيس غير المأسوف عليه، جورج دبليوبوش والذي حكم الولايات المتحدة لفترتين متتاليتين لثمان سنوات، كما أن ذلك يأتي بعدما تبينت ملامح استراتيجية أوباما الدفاعية والأمنية والخارجية من خلال تشكيل فريقه الدفاع والأمن والخارجية من الجنرال جيم جونز (مستشارا للأمن القومي)، وروبرت غيتس (وزير الدفاع الحالي الذي طلب منه أوباما الاستمرار لسنة على الأقل)، وهيلاري كلنتون للخارجية وهي منافسة أوباما على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، عضو مجلس الشيوخ، وزوجة الرئيس كلنتون، والذي يعتبر فريق التغيير مع الاستمرارية.

كما أن استراتيجية أوباما الدفاعية والأمنية والخارجية في ظل الأزمة الاقتصادية المالية التي ضربت الولايات المتحدة كأخطر أزمة مرت بها الولايات المتحدة، وامتدت إلى العالم كله، والتي تتطلب تكريس جهود وإمكانات الإدارة الأميركية وإمكانات الولايات المتحدة لمواجهة هذه الأزمة، والتي لها الأولوية على كافة القضايا ومنها الدور الأميركي العسكري والأمني في العالم، مما يتطلب إعادة أولويات الولايات المتحدة واحد المؤشرات الأساسية في هذه الاستراتيجية تبني الإدارة الأميركية الجديدة لتعددية الأطراف الفاعلة بدلا من انفراد الولايات المتحدة بمسئولية الأمن في مختلف مناطق العالم بما في ذلك أمن الخليج.

في هذا الصدد فقد كان هناك خلاف في وجهات النظر ما بين فريقين. فريق متمسك بالاستراتيجية القديمة المصرة على عزل إيران، واستثنائها من أية ترتيبات للأمن الخليجي بل والتحريض على مهاجمتها عسكريا لإجهاض برنامجها النووي، وتصويرها بأنها وليس «إسرائيل» الخطر على أمن الخليج واستطرادا أمن الشرق الأوسط، ويدعون إلى انخراط دول الخليج فيما يعرف بعملية السلام، وتعزيز ما يعرف بمعسكر الاعتدال العربي، المتحالف مع الولايات المتحدة، والتفاعل مع إسرائيل. ويدعو هذا الفريق إلى تكامل الدور الأميركي في الخليج مع حلف الناتو، واسناد الدول الإقليمية مثل الصين والهند لهذا الدور ويضم هذا الفريق الإسرائيليين وعددا من الأميركيين والعرب والأوروبيين.

أما الفريق الثاني، فينطلق من أنه إذا كان أوباما صادقا مع برنامجه الانتخابي، فإن ذلك يتطلب استراتيجية جديدة، تخلي الولايات المتحدة عن دور الدركي الدولي، و تبني استراتيجية تعاون مع الأطراف المعنية وخصوصا الأطراف المحلية وإعادة الاعتبار للأمم المتحدة، وانخراط إيران في ترتيبات مع دول مجلس التعاون والعراق، لضمان الأمن والتعاون في الخليج.

وكذلك تعاون الأطراف الإقليمية والدولية ذات المصلحة في نفط واستقرار الخليج ومن ضمنها الغرب والدول العربية والآسيوية مثل تركيا والصين والهند وباكستان ذلك يتطلب بالطبع أن يحسم مجلس التعاون الأمر، وان يتبنى استراتيجية عسكرية أمنية تنطلق من مصلحته بالأساس، وبناء قوة خليجية يعتد بها، والتعاون مع إيران باعتبارها جارا وصديقا، والعراق باعتباره شقيقا وجارا، وليس الركون إلى المظلة الأميركية - أو التوجه للمظلة الأطلسية كداعم للمظلة الأميركية لقد ثار جدل كبير بشأن الدور الإيراني وطبيعة النظام الإيراني، وكان للوفد الإيراني بمن فيهم معارضو النظام الإيراني دور في التأكيد على حق إيران في تطوير برنامجها النووي السلمي، وان يكون تعامل الولايات المتحدة أو الدول الكبرى معها تعامل الند للند، وعلى أساس حق السيادة، وخصوصا أن إيران ليست دولة هامشية وكونها قد ناضلت وضحت من أجل استقلالها عن هيمنة الولايات المتحدة.

وبخصوص طبيعة النظام الإيراني وكونه ديمقراطيا أم استبداديا، فقد أكد الوفد الإيراني أن نموذجهم ليس الديمقراطيات الغربية وهي نابعة من خصوصيتهم وتستند إلى الإرادة الشعبية وبخصوص الموقف العدائي تجاه «إسرائيل» فهو تابع من كون قضية فلسطين قضية محقة لبلد إسلامي وذات قدسية لكل المسلمين، وان المغتصب والمعتدي والمحتل هي «إسرائيل». وبخصوص العراق، والذي لعب في الماضي دورا سلبيا في استقرار وأمن الخليج وشن حروبا عدوانية على جيرانه، هو اليوم غير ذلك تماما، وهو رغم المخاض الصعب الذي يمر به واستلاب إرادته بفعل الاحتلال الأميركي، فإنه يبني نظاما ديمقراطيا فيدراليا، ويقوم على حسن الجوار والتعاون مع جيرانهم وفي مقدمتهم الأشقاء الخليجيين وعلى رغم أن العراق لن يدخل مجلس التعاون الخليجي قريبا فالمطلوب تعزيز صيغة علاقة الشراكة مع مجلس التعاون بما في ذلك التعاون الأمني.

بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، فقد جرى تناول غياب استراتيجية أمنية خاصة به تقوم على الاعتماد على الذات أولا وخطا تشخيص العدو باعتبار الولايات المتحدة صديقا والتشكيك الدائم في إيران، وتفكك القوة المشتركة (درع الجزيرة) والركون إلى المظلة الأميركية، والترحيب بدور حلف الأطلسي.

كما جرت مناقشة مدى جدية الإصلاحات في دول المجلس ومؤسسات المجلس وأشار المشاركون إلى خطر مشروع بوش «بنشر الديمقراطية، ومكافحة الإرهاب» والتي أدت إلى نتائج وخيمة أضرت بقضية الديمقراطية وفاقمت الإرهاب والتطرف، وهنا اختلف المشاركون تجاه الموقف الأميركي تجاه الإصلاح والتحول الديمقراطي، ففي حين رأى البعض أن هذه السياسة مستمرة مع بعض التعديلات مثل عدم الأخذ بوصفة جاهزة أو معايير موحدة، فإن البعض الآخر رأى أن انشغال إدارة أوباما بالشأن الداخلي الأميركي، سيجعلها تتخلى عن برنامج بوش في هذا الصدد في الخليج ومجمل الشرق الأوسط.

تشكل هذه العناصر وغيرها، ما يعرف بنظام الأمن الخليجي وعلى رغم الاتفاق على استمرار الدور المحوري العسكري والأمني الخليجي في نظام أمن الخليج إلا أنه من المرجح أن تشرك الولايات المتحدة حلفاءها وخصوصا حلف الأطلسي وأصدقاءها في آسيا مثل الصين والهند والباكستان واليابان في دعم هذه الترتيبات. كما أنها ستسعى إلى التهدئة مع إيران، والتوصل معها لترتيبات تؤمن انسحابها الأمني من العراق، وحربها في أفغانستان والتي يمكن أن تنعطف إلى تسوية محلية مدعومة إيرانيا. لكن ذلك دون إشراك إيران في أية ترتيبات أمنية خليجية، خلافا للعراق والذي هو غير مؤهل حاليا للعب دور أمني، ولكن يحتاج إلى دعم مجلس التعاون لعبور مرحلة الانسحاب الأميركي بسلام.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2315 - الثلثاء 06 يناير 2009م الموافق 09 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً