تدخل الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وقضيته منعطفا جديدا، في ظل إصرار العدوّ على الذهاب بعيدا في استهداف المسجد الأقصى، وصولا إلى تغيير المعادلة كاملا، وخصوصا أنّ العدو يرصد تراخيا عربيا وإسلاميا، وتواطؤا مستمرا معه، واستسلاما متواصلا لشروطه وأهدافه.
وقد دخلت معركة السيطرة على الأقصى في متاهة جديدة مع حصار العدوّ للمسجد، واعتقاله للمصلّين، وإفساح المجال واسعا أمام المستوطنين لاقتحامه بحجة الاحتفال بما يسمّى «عيد المظلة» اليهودي، ليبقى الأقصى مفتوحا أمام أعياد اليهود المحتلّين، ومقفلا أمام الفلسطينيين والمسلمين، الذين توضع أمامهم العقبات والحواجز لمنعهم من الصلاة فيه، تمهيدا للاستيلاء عليه نهائيا.
وفيما تتواتر الأخبار التي تؤكد أن العدوّ بدأ بتنفيذ ثمانمئة وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، بما يشير إلى أن الإدارة الأميركية قد وفّرت كل الأجواء أمام العدوّ لاستكمال تهويد الضفة، تبرز الفضيحة الكبرى التي تمثلت بطلب السلطة الفلسطينية سحب تقرير لجنة تقصي الحقائق على حرب غزة من جدول أعمال جلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف، في واحدة من الحالات المخيفة التي تصرّ فيها الضحية على تبرئة جلاّدها، ومنع محاسبته ومحاكمته أمام العالم من خلال أول وثيقة دولية ممهورة بتوقيع قاضٍ يهودي، بما لم يكن في وسع الاحتلال الهروب منه ومن حُكْمِ الإدانة المبرم.
لقد تجرّأت هذه السلطة على ما لم يكن لأحد أن يجرؤ عليه، وأبعدت مسئولي العدوّ وقيادات جيشه عن المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي يفرض على الشعب الفلسطيني، وكل الشعوب العربية والإسلامية، العمل لإيقاف حركة المهزلة السياسيّة التي يُدخل فيها الحكّام قضيّة فلسطين، التي هي أقدس القضايا في هذا العصر، في متاهات التآمر الدولي والإقليمي، وحتّى في حركة الأطماع الشخصيّة.
إن المعنى العميق لسحب مناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق في مجازر غزة هو إعلان إطلاق يد «إسرائيل» في أن تشنّ حربا جديدة على غزة؛ لا بل أن توسّع من دائرة عدوانها لتشنّ حروبا ربما خارج فلسطين المحتلة، ولترتكب مجازر أفظع من مجازر غزة، وليقف العالم مؤيّدا لها، أو ساكتا على أفعالها وجرائمها، بحجة أن العرب هم الذين منعوا محاكمتها.
وما لا يقلّ خطورة عن قرار السلطة الفلسطينية، الذي يمثل القمة في الجريمة والفضيحة، هو تواطؤ الدول العربية والإسلامية وتمريرها لهذه الجريمة بحجة أننا لن نكون «ملكيين أكثر من الملك»، وكأن القوم وجدوا ضالّتهم في الأداء المعيب لممثل سلطة الحكم الذاتي.
إنّ هذا المنحى بات يُنذِر بخطورة المستوى الذي وصل إليه النظام العربي الرسمي، والذي بات الكثير من مسئوليه عراة أمام شعوبهم، وسقوطهم المدوّي أمام الإيحاءات الأميركية والإسرائيليّة، وعلى الشعوب أن تتحمّل مسئوليّتها في نزع الشرعيّة عن هؤلاء الذين لا يمثّلون أدنى مستويات الأمانة السياسيّة تجاه قضايا شعبهم، الذي لا يكفيه ما يناله من آلة القتل والتشريد الإسرائيليّة، حتّى يُطعن في قلبه بسكّين ذوي القربى.
وفي الخطّ نفسه، نشهد تحضيرات غير عادية من قِبَل العدوّ، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، في المناورات المشتركة التي تتكرر بين وقت وآخر، وها هي تتجدد في هذه الأيام، بما قد يؤسس لعدوان جديد داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، وخصوصا أنّ الإدارة الأميركية الديمقراطية كشّرت عن أنيابها، وأعطت عبر ضغوطها الجديدة التي مارستها ضد الفلسطينيين إشارات جديدة للعدوّ للاستمرار في عدوانه وزحفه الاستيطاني، وتهويده للقدس واستهدافه للأقصى.
إنّ علينا أن نعرف أن الإدارة الأميركية التي تزعم أنها تعمل للسلام في المنطقة، هي التي تعمل لتعميم المشهد الذي نراه في اليمن والعراق والسودان والصومال، إلى كل بقعة من بقاع العرب والمسلمين، في الوقت الذي تسعى فيه لإطالة أمد كل فتنة وكل مشكلة داخلية يعاني منها هذا البلد العربي أو ذاك، وتضع حواجز مرئية وأخرى غير مرئية أمام الحلول التي توضع لهذه المشكلة أو تلك، وعلى الجميع أن يعرفوا أن الإدارة الأميركية، وبالتنسيق مع «إسرائيل»، تقف خلف الكثير من الفتن والتعقيدات والحروب التي قد تحمل عنوانا قبليا أو عشائريا أو مذهبيا في هذا البلد أو ذاك، ولذلك فعلينا ألا ننخدع بصورة السلام التي تحاول الإدارة الأميركية تعميمها إعلاميا، لأنها صورة مخادعة وغير حقيقية.
وعلينا - في لبنان - أن نعرف أن الإدارة الأميركية هي التي تضع العصي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في دواليب الحل، وهي التي تحاول أن تنغّص على اللبنانيين شعورهم بالتفاؤل مع التقدّم الحاصل في بعض مسارات العلاقات العربية - العربية.
أما فرنسا التي توحي بأنها تبذل الجهود لتهيئة أجواء السلام، وللانفتاح على هذا الموقع العربي أو ذاك، فقد بات يحلو لها القيام بدور رعاية المصالح الصهيونية في العالم العربي، فيما يجتمع رئيس أركان جيشها مع رئيس أركان جيش العدوّ ورئيس أركان الجيش الأميركي للتنسيق والتخطيط في كل ما من شأنه استباحة الأمن العربي والإسلامي لمصلحة أمن العدوّ. ولذلك فعلينا أن نُبقي قراءتنا للواقع كلّه في حركة المشهد العام، ولا نغرق في التفاصيل.
وإن على اللبنانيين، الذين ينتظرون ولادة الحكومة المنشودة في خطّ تحسّن بعض العلاقات العربيّة - العربيّة، أن يعرفوا أن العرب ليسوا أحرارا في الذهاب بعيدا في عملية تحسين أوضاعهم، وترتيب علاقاتهم، وتهيئة الأجواء والمناخات لحلول في هذا الملف أو ذاك، لأن الاستكبار العالمي يختفي خلف كثير من التحركات والأوضاع، ولذلك فإن الطموح هو في تحرير الإرادة العربية من الضغط الأميركي، فهو الذي يمكن أن يوفّر الحلول للأزمة اللبنانية وغيرها.
وأخيرا، إننا أمام ما حدث من اهتزاز أمني، سواء في الشمال في منطقة جبل محسن وباب التبانة، وما حدث من جريمة في منطقة الشياح - عين الرمانة، وفي الوقت الذي يعلن فيه الجميع بأن المسألة لا علاقة لها بالشأن السياسي، ندعو إلى معالجة جذرية لهذه التجاوزات، ومنع كل المعتدين من الإجرام بحق الناس ومهاجمتهم في بيوتهم وشوارعهم، حيث لا يكفي أن يُقال بعد كل جريمة بأن الأمور أصبحت في عهدة الدولة وأجهزتها المعنية، بل لا بدّ من أن يتحمّل الجميع مسئولياتهم في ضبط هذه الظاهرة الفاسدة التي تمارس عدوانها على الناس الآمنين، لأن الاعتداء على استقرار الناس وأمنهم هو من أعظم المحرّمات، ولأن قتل أيّ بريء هو بمثابة قتل للناسٍ جميعا.
أيها اللبنانيون: إن عليكم أن تتوحّدوا جميعا في مواجهة صنّاع الجريمة، سواء أكانوا مجرمين في مواقع السياسة أو في مواقع الحقد والجهل، وأن تعملوا على فضح خفافيش الظلام، والتحديق بمستقبل أبنائكم كيف تسلّمونهم هذا البلد، وكيف تؤسسون لحركتهم في بنائه أو استمرار تهديمه.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ
اسرائيل
من منا لايعرف اسرائيل . وكل جرائمها ؟
اذا لمن هذا الخطاب موجه ؟ لنا نحن القراء البسطا الذي لاحولا لنا ولا قوه . وماذا نفعل ؟ نتضاهر ونضرب ونتفرق ........ انتهاء