درسنا في العام 2000، عندما كنت في الصف التاسع، تاريخنا من كتاب كبير غير متحفظ. ولكون أساتذة التاريخ في مدارس المرحلة المتوسطة أحرارا إلى حد ما ليقرروا المادة التي تُدرّس في الغرف الصفية، فقد درسنا تاريخ أوروبا في القرن التاسع عشر وغيره من المواضيع التي يمكن إدراجها تحت بند المعلومات العامة. غطى الكتاب مجالا واسعا من المواضيع بأسلوب واقعي، وكنت أتمتع بقراءته حتى في أوقات الفراغ.
وهكذا اكتشفْتُ الكثير من الحقائق المذهلة. على سبيل المثال، كانت هناك حرب أهلية في لبنان، أو أن بريطانيا كانت مسئولة عن إنشاء المملكة الأردنية. كانت تلك اكتشافات مثيرة تلفت الانتباه، وقد أعطاني الإدراك بأن سياسة منطقة البحر الأبيض المتوسط لا تدور حول الكراهية تجاه «إسرائيل» بشكل قسري، شعور بالارتياح. قامت وزارة التعليم في السنة التالية بالاستغناء عن الكتاب لأنه لم يكن صهيونيا بشكل كافٍ.
لا أستطيع تجنّب مقارنة موقف التيار الرئيسي في نظام التعليم في «إسرائيل» تجاه التلاميذ مع «همبرت همبرت»، الرجل كبير السن في رواية نابوكوف، الذي كان يخاف أن تتركه لوليتا أو تفضحه، لدرجة أنه كان يكذب ويجعلها تعتقد بوجود أسباب لتخاف من مستقبلها إذا خانته أو تخلت عنه. لذا يقوم بتشكيل عالمها الداخلي ويديم علاقة ذات طبيعة فرضية.
هل تواجه القومية اليهودية تهديدا وجوديا داخليا قويا لدرجة أنه يتوجب على النظام التربوي أن يفعل ما بوسعه لحجب المعرفة عن الذين يرفعون لواء القومية؟
أليس بالإمكان أن نثق أن تعليما واسع النطاق ومعمقا يستطيع أن يقوّي الشباب بأسلوب يساهم في دعم الدولة؟
اسمحوا لي أن أستذكر باختصار تجربتي في دراسة التاريخ داخل التيار الرئيسي للنظام التربوي الإسرائيلي، لأن هذا الموضوع أرّقني بشدة وأنا تلميذة.
من الحقائق المعروفة جيدا أن التلاميذ في «إسرائيل» يتعلمون عن دولة «إسرائيل» في مضمون صهيوني فقط. يُدرَّس التاريخ اليهودي والصهيوني من المدرسة الابتدائية وحتى نهاية المدرسة الثانوية بشكل متكرر (ولكن ليس تاريخ دولة «إسرائيل» بعد تأسيسها). وتكرَّس امتحانات الشهادة الثانوية بشكل قسري لهذه المواضيع، باستثناء الركود الاقتصادي الكبير في العام 1929 في الولايات المتحدة، وهذا ما أستطيع تذكّره من سنواتي كطالبة.
وعندما تخرّجتُ من المدرسة الثانوية، لم أكن أعرف أن بريطانيا حَكَمَت قناة السويس في يوم من الأيام. من ناحية أخرى، وخلال اثنتي عشرة سنة من الدراسة أتذكر ما لا يقل عن ثلاث حالات درسنا فيها عن الاستيطان اليهودي في «إسرائيل» أثناء الفترة العثمانية، ومازلت أتذكر الإعداد المكثّف لامتحانات الثانوية التي كانت تطلب، بتفصيل شديد، معرفة النزاعات الداخلية لهذا السياسي أو ذاك، الذي أمسك بزمام الحكم في دهاليز السلطة في ممالك يهودا في حقبة الهيكل الأول.
لا يمكن حتى التفكير بأن يتخيل أحد أن هذا مجال مهم للدراسة بينما تُعتَبر النزاعات الداخلية لدول تشترك بحدود مع «إسرائيل» ولها نتائج يومية على دولتنا ذات أهمية ثانوية.
النتائج الوحيدة التي يمكن أن أتوصّل إليها من هذه الأوضاع هي أن هؤلاء الذي يضعون السياسات التربوية يخافون أن يفقد الطلبة الحافز للانضمام إلى الوحدات القتالية إذا كان بإمكانهم أن يتصوروا أن هناك أناسا على الجانب الآخر من الحدود لا يدور وجودهم فقط حول كونهم تهديدا دائما لـ «إسرائيل» (كما هو الحال دائما، كما هو الحال أبدا).
يحتلّ سرد الضحية اليهودي الإسرائيلي مكانة مهمة في تشكيل القومية الإسرائيلية. إلا أن النظام التربوي يخلق جهلا معمقا وداخليا حول تاريخ المنطقة وسياساتها من خلال فرض شكل شديد من أشكال الرقابة على الطروحات العديدة التي شكلتها. وهكذا، عندما يواجه خريج مدرسة ثانوية أخيرا معلومات تتعلق بديناميات السلطة ذات العلاقة بتشكيل تاريخ دولته، والتي لم يعرف عنها شيئا حتى الآن، فقد يبدأ بالتساؤل عن مصداقية النظام التعليمي. وعندما يبدأ هذا الخريج بالتفكير بالأسلوب الذي جرى به تدريسه موضوع تأسيس الدولة، فقد يرى التركيز المبالغ فيه على الصهيونية والتاريخ اليهودي على أنه محاولة لإخفاء شيء ما. قد يعتقد أن هذه التغطية المقصودة تصل حد الاعتراف بالظلم والإجحاف الذي جرى إلحاقهما بالشعب الفلسطيني بإنشاء دولة «إسرائيل».
يجب أن يتعرف الطلبة اليهود على الخريطة السياسية الأوسع للمنطقة، فهم يملكون الحق بأن يعرفوا أن إيران ليست فقط تهديدا وجوديا لدولة «إسرائيل»، ولديهم الحق بمعرفة الظروف المختلفة التي جعلتنا نشير إلى السلام مع مصر بأنه سلام «بارد»، ولهم الحق بأن يعرفوا ويفهموا لماذا لا يوجد للفلسطينيين مكان في الدول العربية المجاورة في المنطقة، وما هو المعنى الكامل لكلمة «الجهاد» التي لا تشير فقط إلى الأعمال الإرهابية.
يفتخر الإسرائيلي العادي بأن بعض كلماته العاميّة هي باللغة العربية، وأن نواحي أساسية من مطبخه لها جذور محلية. يشكّل منهاج التاريخ واحدا من أمثلة عديدة حول الأسلوب الذي يطمس فيه النظام التعليمي هذه الناحية من حياتنا ويضع القومية اليهودية الإسرائيلية بهذا العمق داخل تجربتنا بحيث يجعل أي جدل سياسي مع شخص غريب ذلك الشخص جاهلا أو عدوا للسامية.
يتخذ النظام التربوي، من خلال الاعتراف بالمضمون الإقليمي الذي توجد فيه دولة «إسرائيل»، خطوة عملية صغيرة للصهيونية، التي توقّفت منذ فترة طويلة عن الاعتماد على جذورها الأوروبية أو التوراتية، وإنما على قدرتنا على العيش كيهود في أرض «إسرائيل». يمكن للمعاني الضمنية لهذا الاعتراف أن تشكل موضوع جدل بين مواطني هذه الدولة. في الوقت نفسه نستطيع الافتراض أن اعترافا صحيحا بأن أرض «إسرائيل» تقع وسط شعوب تتواجد بحكم حقها في الوجود وليس فقط كأعداء لـ «إسرائيل»، سوف يشكل خطوة مهمة نحو إيجاد حياة مستدامة في هذه الأرض.
* عمرها 24 عاما ولدت ونشأت في القدس، وهي الآن طالبة في السنة الثالثة من شهادة البكالوريوس في الاجتماع وعلم السكان بجامعة تل أبيب، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ