وجه موظف كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (السي آي إيه) اتهامات قوية لإدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في إطار المناقشات الجارية بشأن الأدلة الخاطئة عن مزاعم امتلاك العراق أسلحة للدمار الشامل قامت حجج حرب العراق عليها وردا على سؤال عما إذا كانت الإدارة الأميركية عملت متعمدة في تزييف المعلومات التي وردت في تقارير أجهزة الاستخبارات لتحقيق أهدافها السياسية في المنطقة العربية أجاب غريغ تيلمان بوضوح: نعم.
لقد شنت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا ودول أخرى ضمن تحالف عسكري، الحرب على العراق بحجة أن نظامه يهدد أمن العالم بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل. ولم يكف كبار المسئولين في الولايات المتحدة وبريطانيا عن التأكيد أن العراق يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية وأنه يعمل في صنع القنبلة النووية وأصبح يهدد أمن الولايات المتحدة والعالم. لكن حتى اليوم لم تفلح الولايات المتحدة وبريطانيا بجهودهما في تقديم أدلة على مزاعمهما، وحتى يحصل ذلك فإن أهم سبب للحرب: مجموعة من الأكاذيب.
وقال غريغ تيلمان الذي كان يرأس قسم المعلومات بمكتب وزير الخارجية الأميركي في تصريحات لقناة التلفزة الألمانية(زد دي إف) في برنامج خاص عن هذا الموضوع: بحسب معلوماتي لم يكن العراق في وضع يسمح له أن يهدد أمن الولايات المتحدة. فالمعلومات التي كانت لدينا، كانت تشير بوضوح إلى الضعف الذي يعاني منه الجيش العراقي وبعد أن عاد المفتشون الدوليون إلى العراق إذ قاموا بعملية تمشيط مركزة للمواقع المشتبه بأمرها، وتؤكد تقاريرهم أن العراق ليس في وضع يسمح له بتهديد جيرانه وبالتأكيد ليس «إسرائيل» أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط وليس الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم.
الرجل الذي يقول هذا الكلام يعرف تماما حقيقة ما يقر به للرأي العام. وكان هذا أول ظهور علني لموظف السي آي إيه السابق غريغ تيلمان للتعقيب على السؤال المطروح: هل تعمدت الإدارة الأميركية تزييف المعلومات في تقرير أجهزة الاستخبارات لتحقيق أهدافها السياسية في العراق؟ وقال تيلمان: بالنسبة إلي، كشخص عمل فترة طويلة في مجال جمع وتحليل المعلومات بعد أن لمست التناقض الكبير بين المعلومات التي وضعتها أجهزة الاستخبارات والمعلومات الكاذبة التي وردت في الخطابات الرسمية والتصريحات العامة، فإن الإجابة الطبيعية هي أنه تم تزييف هذا المعلومات وبصورة مقصودة فعلى سبيل المثال - والقول هنا مازال لموظف السي آي إيه السابق - طلب الرئيس بوش في أهم خطاب له أمام الكونغرس خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، تأييده للإطاحة بنظام صدام حسين والسبب أن العراق يسعى إلى صنع القنبلة النووية. وكدليل على صحة كلامه أشار بوش إلى ما وصفه بأدلة حصلت عليها الحكومة البريطانية من قناة ترفض حتى اليوم الكشف عن هويتها. وجاء في خطاب بوش أمام الكونغرس: حصلت الحكومة البريطانية على معلومات مفادها أن صدام حسين حاول منذ وقت قريب شراء كميات معتبرة من مادة اليورانيوم من دولة افريقية. كما إننا نعلم من تقارير أجهزتنا الأمنية السرية أنه يحاول الحصول على فوهات من الألمنيوم. لقد فشل صدام حسين حتى اليوم في الكشف عن تبريرات مقنعة للنشاطات التي يقوم بها ويبدو أنه يخفي أمورا كثيرة.
قال غريغ تيلمان لمحطة التلفزة الألمانية (زد دي إف): حين سمعت خطاب بوش أصبت بصدمة كبيرة وكنت منزعجا كثيرا لأن هذه المعلومات الباطلة بالذات تم استخدامها كأدلة على أن العراق يحاول بناء برنامج إنتاج أسلحة الدمار الشامل. قبل نصف عام على خطاب بوش وتحديدا في صيف العام 2002، عاين غريغ تيلمان بصورة مكثفة التقارير التي أرسلتها الحكومة البريطانية وقال إن فريق الخبراء أجمع بصورة ليس فيها مجال للشك على أن التقارير تحتوي على معلومات مزيفة ونصحنا الإدارة في واشنطن بعدم استخدام هذه التقارير وتبني المعلومات التي تتضمنها عند الحديث عن احتمال امتلاك العراق أسلحة للدمار الشامل. في خزانة حديد داخل مقر المنظمة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، توجد نسخة عن التقارير المزيفة لكن على رغم التحذيرات التي صدرت عن خبراء أميركيين، قامت الإدارة الأميركية باستخدام هذه المعلومات كأدلة قاطعة ضد العراق.
وظهر مدير عام المنظمة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي وقال بصريح العبارة إنه قام بنفسه بمراجعة التحليلات التي صدرت عن كبار معاونيه الذين أكدوا أن هذه المعلومات ليست صحيحة وقال البرادعي: حقيقة لم يكن الأمر صعبا بالنسبة إلينا في الكشف عن زيف هذه المعلومات على الإطلاق ولقد أصبنا بدهشة لأن أجهزة الاستخبارات التي نقلت إلينا هذه المعلومات لم تنجح بنفسها في الكشف عن زيفها، ما يدعو إلى الشك في أن تقديم أدلة غير صحيحة كان أمرا متعمدا.
مما لاشك فيه أن أجهزة الاستخبارات كانت مسبقا على علم بزيف المعلومات عن أسلحة العراق لكن ما لم يرغب السياسيون في واشنطن ولندن سماعه في هذا الوقت هو عدم صحة هذه المعلومات لكن يبدو أنهم أساءوا تقدير تبعات نفاقهم في المستقبل. بين الأكاذيب أيضا، المزاعم التي روجها كولين باول في مجلس الأمن الدولي عن فوهات من الألمنيوم التي أكد وزير الخارجية الأميركي أن العراق يريد استخدامها في برنامجه التسليحي النووي. وقال غريغ تيلمان: شعرت بأسف شديد لأن باول قدم معلومات مزيفة أمام مجلس الأمن الدولي والرأي العام العالمي وهكذا أساء إلى صدقيته وصدقية الولايات المتحدة.
لقد كانت لدى المسئولين السياسيين في واشنطن ولندن رغبة قوية للقيام بالحرب وكان لابد من العثور على أدلة. غير أن الاستخبارات الأميركية وجدت أن فوهات الألمنيوم المزعومة غير صالحة للاستخدام في برنامج تسليحي نووي وهذه الحقيقة لم تمنع باول من القول إن العراق قام بشراء هذه الفوهات بصورة غير مشروعة وكونه حصل عليها بصورة غير مشروعة فهذا يعني أنه حصل على لوازم أخرى بصورة غير مشروعة أيضا. بعد نهاية الحرب راح الجنود الأميركيون يبحثون عن أسلحة قد لا تكون موجودة أبدا وفقا لأقوال مفتش السلاح السابق بيرند بيركيشت وهو ألماني إذ قال: إن الجنود يفتشون عن السلاح بأمر من السياسيين وهذا الأسلوب نفسه الذي عملنا به وفي الغالب لم نكن نتوصل إلى نتائج. وأضاف بيركيشت قوله: كان شائعا أنه حين كنا نقوم بمهمات التفتيش في موقع ما بناء على معلومات ولم نكن نحصل على شيء كانت أجهزة الإعلام الغربية تقول إن العراق قام بخداع المفتشين الدوليين لكن في الحقيقة فإن الذين كانوا يخدعونا هم عملاء الاستخبارات الأميركية الذين كانوا يقدمون بيانات خاطئة لنا والمهم أن نحصل على أي شيء يثير الرأي العام العالمي على العراق. والمعروف أن بيركيشت كان ضمن فريق المفتشين الدوليين حتى انسحابه قبل وقت قصير على اندلاع الحرب وقال إن ما زعمه الأميركيون عن مختبرات كانت في الأساس مزارع دجاج وما قالوه عن منشآت متنقلة لم يكن غير عربات إطفاء الحرائق. وقال بيركيشت بالحرف الواحد: إن استنتاجي الشخصي للعبة هو أن الولايات المتحدة مارست الكذب وتضليل الرأي العام للحصول على مبرر لحربها ضد العراق والعمل بشريعة الغرب المتوحش: أطلق النار أولا ثم اطرح الأسئلة
العدد 317 - السبت 19 يوليو 2003م الموافق 19 جمادى الأولى 1424هـ