هناك نقطة جوهرية يجب عدم إغفالها في أية محاولة إصلاح في أية وزارة وهي عملية إصلاح الكادر الوظيفي، فلا يكفي مثلا أن يكون الوزير مصلحا أو ذا سمعة طيبة مادامت وزارته ترزح تحت رحمة مديرين ورؤساء فاسدين. هذه نقطة جوهرية يجب عدم القفز عليها. فلو سلّمنا جدلا بأن هناك نية عند وزير يهدف إلى الإصلاح «لله في لله» من «أجل عبادك يا كريم» فذلك لا يكون مع الإبقاء على مستنفذين في الوزارة ذاتها عشعشوا وفرّخوا لهم صبيانا وبنات من الفاسدين في الوزارة ذاتها.
من يريد إصلاح أية وزارة يجب أن يبدأ بتغيير شامل فيها ويجب أن يبتدئ باجتثاث كل رموز الفساد في هذه الوزارة وإلا سيكون بمثابة من ينفخ في قربة مقطوعة أو يصرخ في خربة مهجورة، فمهما كان السائق ماهرا فهو لا يستطيع أن يقود سيارة قديمة استهلكت كل مفاصلها وتكلست كل أساسياتها، فقد يستطيع أن يطلي السيارة بأجمل الألوان ولكن الطلاء لا يمكن أن يثبت طويلا مادامت تعاني من مشكلات في أساسياتها.
وباستطاعة أي رمز فساد في أية وزارة أن يسقط الوزارة على رأس الوزير لأي تصرف أهوج وخصوصا إذا كان في موقع مهم جدا من قبيل مدير توظيف أو غير ذلك، فإذا كان فاسدا هنا تبدأ رائحة المحسوبية في الانتشار إلى أن تقع المؤسسة في أزمة كبرى فتكون رصاصة الرحمة التي تقضي على الوزارة وبقاء الوزير.
لذلك تبقى عملية التدوير وإزالة رموز الفساد في المؤسسة مسألة في غاية الأهمية إن أراد الوزير فعلا تطوير الوزارة بعيدا عن المكياج والأصباغ الزيتية الزاهية، أما إذا أصبح همّ الوزير تأمين رئيس علاقات عامة قادر على اللف والدوران والرقص بحسب النوتة المعزوفة وقادر على بيع الكلام وشراء أو اصطياد الصحافيين لممارسة دور التلميع والتطبيل والتسويق اليومي، فذلك لن يفيد الوزارة بقدر ما سيعمل على ضعفها وفضحها ساعة أي حدث متعلق بها.
أعتقد أن واجب أي وزير جديد هو البحث عن رموز الفساد المتضلعة لسنين طويلة والتي استطاعت أن تنشئ لها مافيات إدارية قائمة على المصلحة الخاصة وقائمة على التستر وإخفاء الأخطاء بحجة الحفاظ على سمعة الوزارة.
يذكر أنه في فضيحة فساد في إحدى الدول الإفريقية أن زوجة أحد الوزراء لهذه الدولة كانت تتقاضى مبلغا يقدر بـ 700 دينار للحلقة الواحدة من برنامج يعرض لها في التلفاز على رغم أن الحلقة لا تتجاوز الـ 15 دقيقة، واكتشفت الدولة أيضا أن زوجة وبنت أحد المسئولين الصغار استغلتا بث برامج لهما بالكيفية ذاتها، بيد أن الدولة اكتشفت هؤلاء الفاسدين وقدمتهم إلى المحاكمة.
فعلا، استغلال المنصب والنفوذ من أجل الأقارب مسألة في غاية الخطورة وتكون عادة على حساب موازنة الدولة وعلى حساب المال العام
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 317 - السبت 19 يوليو 2003م الموافق 19 جمادى الأولى 1424هـ