قلنا وقال الجميع إن هناك شبابا منحرفا... عقدت الندوات وتعالت الصيحات الضرورية والجماعية مطالبة بعلاج الانحراف الشبابي، ولكن ما المقصود ومن المقصود بهذه الندوات وأي نوع من الانحراف لدى شبابنا نطالب بتقويمه ومعالجته؟... في الحقيقة إنني كلما مررت بمجموعة من شبابنا ومراهقينا وقد ارتدوا أحدث صيحات الأزياء كغيرهم من شباب العالم وقفت للتأمل فيهم وألف سؤال أطرحه بيني وبين نفسي... ترى إلى أين يذهب هؤلاء في صراعاتهم؟ هل هو تمرد على السلطة والتقاليد؟ أم شكل من أشكال الاحتجاج على الأهل والمجتمع والدولة في آن واحد؟ من المسئول؟ ماذا يريدون؟ وكيف يفكرون؟ بل كيف ينظرون إلى غيرهم من الأسوياء كما نعتقد نحن؟ وهل ما نراه من تصرفات غير لائقة وملابس مهلهلة والكثير من قصات الشعر، إلخ هل ذلك انحراف أم ضياع أم مجرد وسيلة تلفت النظر إليهم؟
قال لي أحدهم «أنا شاب سوي ومستقيم ولا أرتكب ما يخل بالعرف والآداب الاجتماعية وأعرف أن الكبار يعتبروني منحرفا لمجرد إطالة شعري وتمردي على بعض القيود الاجتماعية. ثم إنهم قد يعتبروني مجرما، بالله عليكم ألم يكن أجدادنا يطيلون شعورهم كما نفعل الآن؟ هل كانوا منحرفين؟ وإذا كان هذا حالهم، لماذا التغني بأمجادهم؟ وبأنهم رمز الرجولة والكفاح... إنني أعرف الكثير من الشباب يلبسون الأزياء التقليدية ويستبدلون الخطأ بالصواب وتلفهم كلمات الثناء والمديح، ولكنهم لا يتورعون عن ارتكاب الفواحش والمحرمات والأخطاء بينهم وبين أنفسهم، يكذبون وينافقون ويسرقون ويزنون، لماذا يحترمهم الأهل والمجتمع؟ ونحن بما نلبس وبالمظهر نسمى شبابا منحرفا، وحتى لو صح ما تدعون واقتنعتم جميعا بأن الانحراف من صفاتنا، فمن المسئول؟ الأسرة أم المجتمع أم الدولة؟ التفكك الأسري وحالات الطلاق وأنانية الآباء، ألا تدفع بشبابنا إلى الضياع والانحراف كما يقولون؟».
إن الأب والأم هما المسئولان بالدرجة الأولى عن تربية الأبناء وتقويمهم ورعايتهم، فالطفل نبتة طرية صغيرة تميل بها نسمات الرغبات والشهوات وتداعب عودها الطري فيميل، وإن لم يقوّم كبر على غير استقامة، فهل يعني هذا أن النبتة غير صالحة وعليها تقويم نفسها كلما كبرت... أم يجب أن تقلع وترمى؟ صيحة احتجاج وتظلم قد يطلقها شاب يعتبره المجتمع منحرفا ويعتبر نفسه ضائعا تائها، وإنني أوافقه إلى حد بعيد، فنثورات الشباب ليست اعتباطية، إنهم يطالبون بهوية الانتماء إلى مجتمع مسئول عن تربية أفراده وتقويمهم وتوجيههم لا النيل من كرامتهم بالتجريح والإيذاء النفسي وتركهم يلفون حول أنفسهم من دون مشاركة فعلية فيما يدور في مجتمعهم أو حتى تحمّلُ جزء بسيط من المسئولية في تخطيط مستقبلهم، فنحن نخطط وعليهم الانصياع والطاعة، كاظمين غيظهم وتمردهم، والفئات الفاسدة تتحين الفرصة لتندس بينهم وتستغلهم في نشر أهدافها ومبادئها الضالة.
الأمر يتطلب الكثير من العقلانية في مواجهة الثورات الشبابية، وأعتقد أنه بإمكاننا احتضانهم لمعرفة ما يريدون وكيف يفكرون بدلا من تركهم فريسة للفئات الانتهازية تدمرهم وتدمر معهم القيم والأخلاق والفضائل. إن الشباب ينشأ وكله طاقة وعنفوان وحماس، ويخيل إليه بأن الدنيا تفتح ذراعيها وتحتضنه وتنمي ما لديه من طموحات وطاقات إبداعية، إنه يطالب بحقه باعتزاز وثقة، فأين الأندية الرياضية الصالحة لتحتضنهم في أوقات الفراغ وتعطيهم الفرصة لممارسة هواياتهم الرياضية أو غيرها من الهوايات البناءة التي تنمي الشخصية والإدراك؟ ثم إن الكبار يجب عليهم العطف على صغارهم والأخذ بيدهم بدلا من إيلامهم بالكلمات اللاذعة والتصرفات الموجعة مع مراعاة ظروفهم النفسية والبيئية وتحاشي الاصطدام بهم لأي مظهر من مظاهر التمرد وفي أي ميدان من ميادين الحياة الاجتماعية ما لم يمس القيم والأخلاق، والاتجاه إلى أساليب الحوار والمناقشة في تصويب الأخطاء باحترام متبادل. وسنراهم كما نريدهم أصحاء أقوياء قادرين على تخطي الصعاب بعزم وثبات من دون أمراض نفسيه وعاهات أخلاقية اجتماعية
العدد 316 - الجمعة 18 يوليو 2003م الموافق 18 جمادى الأولى 1424هـ