منذ أولى جلسات الدور الأول من الفصل التشريعي الأول في 14 ديسمبر/ كانون الاول 2002 وحتى آخرها في نهاية مايو/ايار 2003 قام مجلس النواب بمناقشة 18 مشروعا من مشروعات القوانين (تقدمها الحكومة) وعشرات الاقتراحات بقانون (يقدمها أعضاء المجلس فإذا وافق المجلس عليها تحال الى الحكومة من أجل صوغها واعادتها كمشروع قانون) والاقتراحات برغبة (اقتراحات من المجلس للحكومة وهي غير ملزمة به)!
حتى 18 يونيو/ حزيران قامت الحكومة باصدار 8 قوانين أهمها قانون رقم (1) لسنة 2003 بالموافقة على اقتراض مبلغ 500 مليون دولار لاصدار سندات تنمية حكومية وقانون رقم (6) لسنة 2003 باعتماد الموازنة العامة للدولة للسنتين 2003 و2004 وكانت الحكومة قد أكملت الجزء الأهم من التشريعات قبل انعقاد جلسات المجلس اذ اصدرت خلال الاشهر العشرة الأولى من العام الماضي 56 مرسوما بقانون منها 21 مرسوما بقانون صدرت في اكتوبر/تشرين الاول الذي جرت فيه انتخابات مجلس النواب وبذلك تجنبت الحكومة الاصطدام مع المجلس في قضايا حساسة مثل المرسوم بقانون رقم 56 الذي يفسر المرسوم رقم 10 لسنة 2001 الخاص بالعفو العام، الذي يعتقد بأنه فصل على مقاس الضابط الذي هرب إلى استراليا والمتهم في قضايا انتهاكات حقوق الانسان، والمرسوم بقانون رقم 47 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر الذي يلقى معارضة واسعة من قبل الصحافيين وأصحاب المطابع والجمعيات الحقوقية والسياسية.
قوانين الحكومة لها الأولوية
تنص المادة 18 من الدستور الجديد على أن «تعطى الأولوية في المناقشة دائماَ لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة» لذلك فقد اغرقت الحكومة المجلس بمشروعات قوانين غالبيتها محدودة الأهمية. ولا يملك المجلس بحسب نص المادة حق تحديد جميع أولوياته التشريعية بحيث يقدم الأهم على المهم.
ولم ينتقد المجلس الخروقات الدستورية والقانونية التي اقدمت عليها الحكومة. فقد قدمت الحكومة مشروع قانون الموازنة متأخرة 3 أشهر عن موعد التقديم المحدد في المادة 109 (ب) من دستور 2002، وشهرا ونصف الشهر بعد انعقاد أولى جلسات المجلس. كما قام وزير المواصلات بخرق المادة 15 (ج) من مرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2002 باصدار قانون الاتصالات الذي تنص المادة على عدم جواز أن تكون للوزير أية سلطة ادارية أو يشارك في ادارة أية مؤسسة مرخص لها (الوزير يرأس مجلس ادارة شركة البحرين للاتصالات «بتلكو» حتى اللحظة).
ومنحت الحكومة نواب المجلسين علاوات شهرية بمبلغ اجمالي شهري 1250 دينارا وهو ما يشكل زيادة 60 في المئة على راتبهم الشهري، ولم يناقش المجلس هذه الزيادات كما لم يعترض عليها أحد من النواب. وأضافت الحكومة على الأعضاء مكرمة أخرى بمنحهم مبلغ 10000 دينار قيل مرة إنها تعويض عن حملاتهم الانتخابية ومرة أخرى إنها تعديل وضع. ومن الناحية السياسية فإن جميع هذه المكرمات الحكومية اهانة للمجلس النيابي، ومن ناحية أخرى فهي مطعون في دستوريتها وقانونيتها. فالمادة 96 من دستور 2002 تنص على «تحدد بقانون مكافآت كل من مجلس الشورى ومجلس النواب، وفي حال تعديل هذه المكافآت لا ينفذ هذا التعديل إلا ابتداء من الفصل التشريعي التالي». بينما تنص المادة 119 منه على: «ينظم القانون شئون المرتبات والمعاشات والتعويضات والاعانات والمكافآت التي تقرر على خزانة الدولة»، فما القانون الذي استند إليه المجلس في حصوله على العلاوات الشهرية ومبلغ الـ 10000 دينار، علما بأن المادة 40 من قانون مجلسي الشورى والنواب حددت المكافأة الشهرية للنواب بـ 2000 دينار؟ وإذا كان مبلغ الـ 10000 تعويضا عن الدعاية الانتخابية فهو أمر يتعارض ونص المادة 25 من قانون مجلسي الشورى والنواب التي تنص على «كما يحظر على المرشح تلقي أية أموال للدعاية الانتخابية من أية جهة كانت».
ينص دستور 2002 على مشاركة مجلس الشورى المعين في التشريع ولكنه أضاف، في حال الموازنة العامة، نصا للمادة 109 (ب) جاء فيه «ويجوز ادخال اي تعديل للموازنة بالاتفاق مع الحكومة»، وهذا النص يسلب المجلس حق التعديل، اي انه يشرك الحكومة في التشريع. لذلك اضطر المجلس إلى التفاوض مع الحكومة للحصول على موافقتها على القيام بتخفيض طفيف على موازنة الدفاع.
تجنب أول مواجهة بين المجلسين في المشروعات «المستعجلة»
تقدمت الحكومة في يناير/ كانون الثاني بثلاثة مشروعات قوانين تحمل صفة الاستعجال (بحسب المادة 87 من الدستور الجديد التي تجيز للحكومة أن تطلب من مجلس النواب النظر بصفة مستعجلة خلال 15 يوما في مشروعات تنظم موضوعات اقتصادية أو مالية). قبل المجلس مشروعين ورفض الثالث بسبب عدم توافر المعلومات الكافية بحسب ما قال بعض أعضائه في حين وافق مجلس الشورى على المشروعات الثلاثة بالاجماع.
وبحسب نص المادة 87 كان على المجلسين الاجتماع في جلسة مشتركة للمجلس الوطني للتصويت على المشروع موضوع الخلاف بينهما. ولكن الحكومة أرادت، على ما يبدو، تجنب الصدام الأول بين المجلسين الذي سيرجح رأي الحكومة مقابل النواب. لذلك لجأت الى وسيلة مشكوك في دستوريتها إذ أعادت مشروع القانون بعد ان ألغت صفة الاستعجال، الأمر الذي أثار خلافا دستوريا داخل المجلس انتصر في نهايته رأي الحكومة. والحقيقة أن أيا من المشروعات المطروحة لا يحمل صفة الاستعجال إذ ان الحكومة قامت فعلا بترتيب عملية الاقتراض مع المصارف قبل موافقة المجلس الوطني عليها. والمادة 87 التي أقحمت في دستور المنحة الجديد والتي تنص على «كل مشروع قانون ينظم مشروعات اقتصادية او مالية، وتطلب الحكومة نظره بصفة عاجلة، يتم عرضه على مجلس النواب أولا ليبت فيه خلال 15 يوما، فإذا مضت هذه المدة عرض على مجلس الشورى مع رأي مجلس النواب إن وجد، ليقرر ما يراه بشأنه خلال 15 يوما أخرى، وفي حال اختلاف المجلسين بشأن القانون المعروض، يعرض الأمر على المجلس الوطني للتوصيت خلال 15 يوما...». تجعل من السهل على الحكومة وضع صفة الاستعجال من دون ابداء المبررات.
فرصة مناقشة المشروعات الاقتصادية الكبرى تمر من دون حساب
لم يتناول المجلس ولجنته المالية والاقتصادية بالتفصيل المشروعات الكبرى مثل «ألبا» ومعمل تكرير النفط و«الفورميلا 1» وجدواها الاقتصادية. فمثلا ستؤدي توسعة «ألبا» الى تراكم كبير في الدين القومي بسبب حجم التمويل المطلوب لهذا المشروع وهو كامل مبلغ الـ 1700 مليون دولار اللازمة لتشييده بما فيها الـ 13 مليونا التي استلفتها الحكومة لتمول حصتها في رأس مال المشروع. وتحوم حول المشروع أسئلة كبيرة لم يتصد لها مجلس النواب منها انه يوفر أقل من 500 فرصة عمل، ويستهلك كميات ضخمة من الغاز المنخفض السعر (وهو 75 سنتا لكل 1000 قدم مكعب أي أقل من 20 في المئة من السعر الذي يباع في الولايات المتحدة)، وتعتمد الجدوى الاقتصادية للمشروع على سعر الغاز المدعوم وليس على بدائل في حال استيراد الغاز مثلا من قطر. ومن المعلوم أن انتاج الكهرباء يتزايد بمعدل 6 في المئة سنويا ويحتاج الى الغاز نفسه الذي تستهلكه «ألبا»، الأمر الذي سيؤدي الى أزمة طاقة خلال عقدين من الزمن إذ من المتوقع ان تنضب مخزونات الغاز، وهذا ما دعا الحكومة أخيرا إلى تشكيل لجنة للغاز الطبيعي لتدرس البدائل في الوقت الذي عجز المجلس عن تأخير إقرار قرض «ألبا» بانتظار دراسة من هذا النوع.
وفي حال مشروع حلبة سباق «الفورميلا 1»، وهي واحدة من 18 حلبة سباق في العالم، وافق المجلس على قرض بـ 200 مليون لتمويل المشروع إلا ان هناك كلفا إضافية كبيرة للارتقاء بالبنية التحتية لم يطلع المجلس عليها او على شروط العقد التي يقال إنها مشددة وتحمل جزاءات مالية كبيرة في حال اخفقت البحرين في الوفاء بالتزاماتها تجاه منظمي السباق العالمي.
المجلس يتوه في نقاش الموازنة
أعقد مشروعات القوانين وأهمها على الاطلاق خلال الدور الأول كان مشروع الموازنة العامة للعامين 2003 و2004. في هذه الموازنة أقر المجلس عجزا هو الأكبر في تاريخ البحرين إذ بلغ مستوى 12 في المئة من الناتج المحلي وهو مستوى ينذر بأخطار شديدة على الوضع المالي للمملكة ومستوى الدين العام مستقبلا.
وفي نهاية الأمر وجدنا لجنة الشئون المالية والاقتصادية بالمجلس توصي «بإعادة النظر في الاقتراض والتوجه الجاد لتخفيض الدين العام بحيث لا يتجاوز 60 في المئة من اجمالي الناتج المحلي القومي للدولة» كما جاء في تقريرها المقدم إلى المجلس. وللوهلة الاولى يبدو الحرص على عدم تضخم الدين العام عملا رصينا إلا ان اللجنة نفسها والمجلس بعد ذلك يقومان بإقرار موازنة الدولة للعامين المقبلين والتي تظهر عجزا اجماليا يقدر بـ 25 في المئة من الناتج المحلي وقبلها يقران اقتراض الحكومة لتمويل مشروع «البا» وما يترتب عليه من احتياجات تمويلية تقدر بـ 1700 مليون دولار، وهذان الامران سيجعلان الدين العام يتخطى حاجز الـ 60 في المئة الذي اوصت اللجنة بعدم تخطيه، فكيف سيقوم المجلس لاحقا بمحاسبة الحكومة على عدم العمل بتوصياته وهو الضالع في اتخاذ قرارات تتسبب في زيادة خطيرة للدين؟
وقبل عامين بدا الحديث عن مشروع الاسكان حلا جذريا، وقالت الحكومة إنها ستقوم ببناء 50000 وحدة سكنية نصفها على ساحل القرى الشمالية حيث حزام البؤس. وفي مطلع العام اعلنت وزارة الاسكان أنها ستقوم ببناء 2000 وحدة سكنية هذا العام (وهو اقل من الطلبات السنوية المستجدة)، وهذا ما رصدت له مبالغ في الموازنة العامة للدولة تبلغ 40 مليونا للعام 2003 و38 مليونا للعام 2004. ولم يخطر ببال النواب ان يجبروا الحكومة على مضاعفة الموازنة لتلبية طلبات المواطنين بالوحدات والقروض الاسكانية المتأخرة البالغة 40000 وسط ضغط شديد على خدمات الحكومة الاسكانية ساعد التجنيس السياسي على تفاقمه.
ومرة أخرى يثبت اعضاء المجلس أن افعالهم ليست على مستوى ضجيجهم، فعندما تناول المجلس موضوع موازنة الدفاع والداخلية حانت الفرصة لأعضائه بأن يرفعوا اصواتهم مطالبين الحكومة بعدم التمييز في التوظيف.
وحمل المجلس إلى الحكومة عددا كبيرا من الرغبات التي تترتب على الكثير منها موازنات كبيرة. وعلى رغم ان اقرار الموازنة تم بعد ان قدمت هذه الرغبات فإن النواب لم يسعوا إلى تحويل رغباتهم إلى موازنات تربط في الموازنة العامة للدولة. هل كان النواب جادين فعلا في حمل رغبات المواطنين إلى الحكومة لتحسين اوضاعهم المعيشية، أم انهم قاموا بذلك لرفع العتب؟
ولم يفتح المجلس ملفات الفساد الكبرى التي يتحدث عنها المواطنون، ولم يشأ المجلس، على ما يبدو، الاصطدام بالحكومة فتعامل معها بصبر شديد حتى انتهى دور الانعقاد من دون ان يحقق شيئا في هذا الملف المفتوح.
لقد أقر المجلس او حوّل إلى لجانه الكثير من الاقتراحات والرغبات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، ولكن غالبيتها الساحقة تقع في خانة المسكنات، وهو المطب نفسه الذي وقعت فيه الدولة في العامين الاولين للإصلاح، وهو النظام نفسه الذي تتعامل به الحكومة مع طلبات بعض النواب الحصول على مزيد من الامتيازات والعلاوات الخاصة. يبقى على المجلس ان يناقش القضايا الكبرى مثل الفساد وتمركز الثروة وتوزيعها العادل والفقر والتمييز والبطالة وإصلاح التعليم والاسكان وتوسيع دور القطاع الخاص، وغيرها، ويضع استراتيجيات المستقبل التي عجزت الحكومة عن وضعها. كما ان عليه ان يمتلك فلسفة اجتماعية بحيث يتم توجيه الفائدة في خدمات الدولة المدعومة، مثل الكهرباء والاسكان، بشكل اساسي إلى ذوي الدخل المحدود بدلا من ان تعم المحتاج وغير المحتاج، المواطن والاجنبي
العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ