العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ

القانون الدولي الإنساني والمنظمات الدولية

هناك منظومتان دوليتان تتعلق بشأن الحقوق والانسان. «القانون الدولي لحقوق الانسان» يحتوي على الاعلان العالمي لحقوق الانسان واعلان فيينا والمعاهدات الدولية المستمدة منهما. وهناك ايضا «القانون الدولي الانساني» الذي يتعلق بأمور اخرى مثل معاملة الاسرى والتعامل الانساني مع الافراد الذين يحرمون من الحقوق لأي سبب كان، مثل الطوارئ والحرب، الخ.

الى ذلك فقد ألقى مدير ادارة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية العربية السورية بشار الجعفري محاضرة في معهد الاعداد الاعلامي بدمشق ضمن دورة القانون الدولي الانساني التي ينظمها المعهد.

«القانون الدولي الانساني والمنظمات الدولية» كان عنوان المحاضرة التي اشار المحاضر في بدايتها الى بعض المفاهيم الجديدة القسرية التي يتعرض لها القانون الدولي، فالغرب يقول إن النظام العالمي الحالي تشكل بموجب معاهدة «ويستفاليا» في العام 1648، وان التحول إلى النظام الجديد هو تحول جار على قدم وساق، وهذا النظام الذي شكله الغرب يشهد احتضارا واغتيالا على يد الغرب نفسه، إذ إن المبادئ الاساسية للمعاهدة المذكورة تستند إلى نظام سيادة الدول، وتُعَرِّف العدوان بأنه تجاوز الحدود الدولية للدول بواسطة وحدات نظامه، بمعنى ان القانون الدولي (الويستفالي) يحمي السيادة ويناهض العدوان.

ثم رأى المحاضر ان خصخصة بعض مظاهر العلاقات الدولية على ايدي منظمات غير حكومية تحظى بدعم خفي من عدة قوى بدأت فعلا قبيل حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2002 بوقت طويل، وان هذه القوى كانت تنشط على الدوام في اختراق سيادة الدول بحجة حماية حقوق الانسان ونشر الديمقراطيات، ما ادى إلى ظهور مفاهيم انتقائية جديدة يراد لها ان تحل محل القانون الدولي المعمول به منذ وضع لبناته الاولى في معاهدة «ويستفاليا».

وأشار المحاضر إلى بعض هذه المفاهيم الانتقائية، ومنها الضغط باتجاه مواءمة القوانين المحلية للدول مع مقتضيات العولمة التي لا تعترف بسيادة الدول، وعولمة الاقتصاد العالمي بشكل يفقد الاقتصادات الوطنية القدرة على الاستقلالية ويجعلها تابعة لاقتصاد واحد، واستنباط مفهوم الحرب الوقائية، أو الاستباقية، بذريعة درء خطر كامن من هذه الدولة الضعيفة او تلك والتدخل في شئون الدول الداخلية بذريعة منع انتشار اسلحة الدمار الشامل ومكافحة الارهاب ونشر الديمقراطية، واقامة الحكم الرشيد، وحماية حقوق الانسان، واستبدال الشرعية الدولية بمنطق انشاء ما يسمى «دول التحالف»، كما وصفه وزير الخارجية الاميركي كولن باول.

ولم تقتصر هذه المفاهيم الانتقائية على هذه النقاط، كما يذكر المحاضر، بل تعدتها إلى خصخصة انشطة مجلس الأمن الدولي لخدمة أهداف مجموعة من الدول الكبرى على حساب المجتمع الدولي، والاستبداد الاعلامي والهيمنة على الاخبار والتعتيم الاعلامي من خلال تفوق هذه الدول الساحق في مضمار الاتصالات، وكذلك تجيير الخلافات السياسية بين الدول بشأن مفاهيم القانون الدولي لصالح ما يسمى بـ «صدام الحضارات»، وتهميش دور الاجهزة القانونية الدولية التي تمثل الاساس الدولي الوحيد المتفق بشأنه بين الدول في مضمار العلاقات بينها، وبطبيعة الحال فإن عملية خصخصة القانون الدولي العام لابد وان تترك بصمات واضحة على القانون الدولي الانساني واداء المنظمات الحكومية وغير الحكومية.

ثم انتقل المحاضر بعد ذلك إلى الحديث عن القانون الدولي الانساني مشيرا إلى ان المقصود به هو مجموعة قواعد القانون التي تستهدف حماية الاشخاص الذين يعانون ويلات النزاعات المسلحة، فهناك فارق بين القانون الدولي وحقوق الانسان، لأن مجال تطبيق حقوق الانسان اشمل من مجال القانون الانساني، ولا يقتصر على المنازعات المسلحة وحدها.

ويرى المحاضر في هذا السياق انه اذا كان تعبير القانون الدولي الانساني تعبيرا حديثا يرجعه بعضهم إلى قواعد (لاهاي) واتفاق جنيف للعام 1949، فإن جذوره اقدم من ذلك بكثير، مذكرا بالبلاغ الاميركي المشهور عن قواعد الحرب البرية للعام 1863، وبولادة فكرة الصليب الاحمر الدولي في العام 1859، وبمفكري عصر التنوير مثل جان جاك روسو ودي فاتيل.

ولمزيد من الدقة والموضوعية في رصد جذور القانون الانساني وارهاصاته، فإن المحاضر أشار إلى قواعد الفكر الاسلامي التي لا تفكر في الحرب إلا كضرورة مفروضة، ووضعت لها قواعد صارمة جدا إذ لا يجوز قتل المرأة والطفل والشيخ والأعمى والمقعد، ولا ينبغي الاستمرار في نزاع إن لاحت بوادر السلام المقبول، واذا دارت رحى الحرب فلا تنتزع من القلوب الرحمة، ولاسيما فيما يتعلق بالأسرى تطبيقا للآية (8) في سورة الانسان: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا»، كما وضع الخليفة الراشدي الاول أبوبكر الصديق «رضي» ما يمكن تسميته بالنهج الاسلامي الخاص بقواعد الحرب، وعندما بدأت قواعد القانون الدولي التقليدي في الظهور في العام 1648 في اوروبا كانت مبادئ الفكر الاسلامي قد اثرت في اعمال جان جاك روسو في فصل رائع من فصول كتابه «العقد الاجتماعي» وأعمال دي فاتيل الذي تناول على نحو أكثر وضوحا قانون الحرب في كتابه «قانون الشعوب».

وبعد ان استعرض المحاضر اتفاقات جنيف الخاصة بالجرحى وأسرى الحرب وحماية المدنيين اثناء الحروب، انتقل إلى الحديث عن المنظمات الانسانية في سورية العربية التابعة للأمم المتحدة، وفي المقدمة منها «برنامج الغذاء العالمي» و«منظمة الصحة العالمية» و«برنامج الأمم المتحدة للتنمية» و«وكالة الأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» و«صندوق الامم المتحدة للسكان» و«هيئة الامم المتحدة لمراقبة وفصل القوات» و«المفوضية السامية لشئون اللاجـئين» و«منظمة الاغذية والزراعة» و«منظمة التنمية الصناعية»، بالاضافة إلى المنظمات الانسانية غير التابعة للمنظمة الدولية مثل «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» و«منظمة الهجرة الدولية» و«منظمة الهلال الأحمر العربي السوري»..

العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً