بين الملفات والأوراق... تجدها تفتش عن الانتهاكات، لتقارنها بالاتفاقات الدولية التي صادقت عليها البحرين، تستأنس بالتنقيب عن الحقيقة... تجتمع بالضحايا وتعيش همومهم لتتجرع مرارات العمل الحقوقي... إنها الناشطة الحقوقية رملة جواد...
كيف كانت بداياتها في مجال حقوق الإنسان، وما الصعوبات التي واجهتها كناشطة في هذا الحقل؟ وهل تعاني من ضغوط نفسية نتيجة تراكم القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان؟ ولماذا تضحي بوقتها وجهدها من أجل هذا العمل؟
بداية الإنطلاق...
وتتحدث رملة عن بدايتها في العمل الحقوقي «بدأت برصد بعض الانتهاكات وابتعاثها للمنظمات الدولية بشكل فردي مباشر، ولدت بعد ذلك الجمعية البحرينية لحقوق الانسان، وكانت أول الطريق للعمل الحقوقي، وكنت في أول دفعة تم قبولها للعمل التطوعي في الجمعية، وما أن تم إخباري بالقبول حتى أتيت الى البحرين للتسجيل في دورة «حقوق الإنسان» نظمها مركز القاهرة لحقوق الإنسان لطلبة الجامعات، فدفعت رسومها على حسابي الخاص وحضرت الدورة مباشرة واستفدت كثيرا من تلك الدراسة».
وتواصل «درست لخدمة أبناء شعبي ولأكون أكثر فاعلية في الجمعية، ومنها انتقلت أيضا الى العضوية في منظمة العفوالدولية. كما أنني في سنة 2002م انضممت الى عبد الهادي الخواجة ونبيل رجب ومجموعة أخرى من الحقوقيين والمهتمين بمجال حقوق الإنسان لتأسيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، وانتقلت بعد انسحابي من الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان إلى المركز».
العقليات القديمة...
وعن تقبل أسرتها للعمل في هذا المجال تقول: «بالنسبة إلى أسرتي فإنهم يعون ضرورة العمل الحقوقي وأتذكر حينما أخبرت أبي عن سفري لفرنسا لحضور إحدى المؤتمرات وورش العمل الحقوقية وعلى رغم خوف أمي نوعا ما من سفري الى هناك بعد 11 سبتمبر/ ايلول فقضية الحجاب بفرنسا معروفة في الانتهاكات التي تحدثها ضد المحجبات فإن والدي كان يشدد على ضرورة الحضور والخدمة الإنسانية كما أنني كنت مصرة على ان أذهب لأنال شرف تمثيل أبناء وطني هناك. أما بالنسبة إلى المجتمع فإنه لم يكن يعرف مدى أهمية العمل الحقوقي الإنساني، لأنه كان حينما يسمع عن حقوق الإنسان تختلط عليه الأوراق ولا يعرف ما اساس ذلك العمل، وقد يخيف البعض. فالبعض يعتبره سياسة والبعض يعتبره معارضة حكام أونظام والبعض الآخر يعتبره تافها، كل حسب ثقافته وبيئته وتربيته ومجتمعه».
«... أما بالنسبة الى الصعوبات التي قد تواجهني مع بعض الجهات فهي العقلية القديمة في التعامل مع الطرف الآخر. فمازال البعض يعتبر نفسه يعيش في العصور القديمة الاستبدادية وقد يتناسى البعض بأنهم يعيشون في عصر القانون والحريات والانفتاح والديمقراطية، وتراهم لا يتعاملون مع قضايا حقوق الإنسان بشكل مرن أوصحيح بل بشكل بوليسي لأنهم يريدون أن يثبتوا شخصيتهم عن طريق ذلك».
الآلام النفسية...
وعن حجم الضغوط النفسية التي تتعرض لها أثناء العمل الحقوقي الملئ في القضايا المعقدة والانتهاكات تستطرد «تسبب لي بعض القضايا أزمة نفسية مثلا (قضية شارع المعارض) كانت قضية مجموعة خربت وكسرت، وراح ضحيتها أناس أبرياء أصلا ليس لهم أي علم بما حدث ولم يكونوا في موقع الحادث، فما كان من الأهالي سوى اللجوء الى المركز وكان تعاطفي مع الآباء والأمهات كبيرا وكنت أقلق لدرجة الأرق بعض الليالي وكأن في القضية أبنائي وليس أبناء غيري بل حينما أخبرت بالحكم على المجموعة التي ظُلمت من ضمن المجموعات التي عملت عليها، بكيت بكاء شديدا أنا وإحدى العضوات بالمركز لدرجة أن زوجي كان يستغرب لانفعالنا وبكائنا وشعورنا بهم.
وكثيرا ما أتألم لقضايا الانتهاكات التي ترد إلي فأشعر بأنني أعيش معاناة الأهالي ومعاناة الطرف المنتهك حقه. فمثلا قضية المفقودين في العراق، حينما كنت أجلس لأرتب الملف أو أعمل على القضية في بداياتها كنت أتألم لدرجه البكاء على أمهاتهم وعليهم وأتساءل يا ترى بأي أرض أنتم؟ وما هو مصيركم في ظل نظام ظالم مستبد؟
الاعتقال السياسي...
وبسؤال لها عما إذا كان لأثر المعتقل والسجن الانفرادي والمعانات التي تعرضت لها دور في بلورة شخصية رملة الحقوقية تجيب «كثيرا ما كنت أقرأ عن حقوق الإنسان وكيفية نشأته وبداياته، ولكن بدأ اختياري للعمل به بشكل أساسي منذ أن أفرج عني من السجن في العام 1998م وتحديدا شهر مايو/أيار وأثناء سجني نذرت نفسي و قررت أن أول عمل أقوم به بعد الخروج من السجن هو أن أخدم البشرية بكافتها باختلاف ثقافاتها وعرقها وفكرها وجنسيتها. وبعد خروجي من السجن وشعوري بالظلم بسبب سحب جواز سفري ومنعي من مواصلة دراستي ومنعي من العمل بدأت رحلة حياة جديدة في مجال حقوق الإنسان. فحقوق الإنسان جزء لا يتجزء مني تماما فهو يجري في شراييني وخدمة البشرية تجري في أنفاسي. وأشكر كل من آذاني أو أساء إلي سواء خارجا أوداخلا لأتعرف على ذاتي و كيفية خدمة البشرية. أكرر شكري لهم جميعهم.»
العمل سري...
ولم تجب على السؤال الموجه إليها عن كيفية ارتباطها بالمنظمات الحقوقية الخارجية في انتفاضة التسعينات وذلك حفاظا على «سرية العمل» على حد تعبيرها. وتذكر أن العمل الحقوقي يأخذ من وقتها الكثير «لأنني أعشقه فهو يأخذ غالبية مواعيدي وهوفوق كل شئ... سلطة حقوق الإنسان سلطة فوق كل السلطات، فأنا أحب عملي الحقوقي لدرجة أنني أدخله في كل شئ في حياتي».
خدمة الانسانية
واختتمت حديثها بكلمات مؤثرة «كم يساوي في عداد الأرقام أن تري دمعة مظلوم أوشخصا يحتاج الى المساعدة وقد قدمتي له المساعدة؟ كم يساوي أن تري شخصا يبتسم وعلى وجهه الفرح لحل قضيته؟ كم يساوي أن تري الناس فرحين هانئين من أجل حل قضاياهم.
فكم هو جميل أن تري سجينا خرج كالحمامة من سجنه طليقا حرا... وكم هو رائع أن تري أما سعيدة باحتضان ابنها... أوطفلا يرى أباه أوزوجة قاست من زوج استغلها وقد فُكت معاناتها منه... أوعاملا سُلب حقه فرجع له حقه بعد طول عذاب... أليس جميلا أن نعيش ونكافح ليعيش غيرنا بهناء سالمين... ومستعدة أن أعطي وقتي لخدمة البشرية لأن الله خلقنا لنخدم الإنسانية جمعاء الى حين وضعي في لحدي...».
- اختارتها قناة «العالم» كمراسلة لها في البحرين ولم يُسمح لها بالعمل الرسمي بعد، إذ إنها مازالت تنتظر الترخيص من وزارة الإعلام، وربما لعملها في مجال حقوق الإنسان دخل في ذلك.
- شاركت في فرنسا بورشة عمل تتناول الصعوبات التي تواجه ناشطات حقوق الانسان في العالم العربي.
- شاركت في دورة نظمتها منظمة العفو الدولية بالمغرب تناولت حقوق المرأة.
- تستعد لحضور دورة في مجال حقوق الإنسان والحصانة ضد العقاب في دبلن عاصمة ايرلندا
العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ