من السهل أن تُوقِّع الحكومات عشرات الاتفاقات والمواثيق الدولية، وأن تتباهى بما تملك من قوانين ودساتير، وما أحلاها وهي تطلق الخطابات عن أوضاع حقوق الإنسان، إذ تستغرق في وصف «الجو الربيعي» في تقاريرها المُسلَّمة إلى الأمم المتحدة أو المنظمات الحقوقية الخارجية. البعض لايسلم تلك التقارير إلا بعد الحاح قد يستمر لسنوات، وإحراج بالأسئلة وبطلب البيانات والاحصاءات والحقائق، بل وتتعرض لإحراج أكبر عندما تطالبها بعدم المماطلة في تسليم التقارير المطلوبة منها في مواعيدها. وفي حال البحرين فان الاوراق تختلط كالعادة ...
وقَّعت البحرين «الاتفاق الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري» في 27 مارس/آذار 1990 وكان يتوجب على حكومة البحرين وبناء على البند التاسع من الاتفاق والذي ينص جزء منه على «تتعهد كل دولة من الدول الأطراف بأن تقدم الى الأمين العام للامم المتحدة - لتنظر فيه اللجنة - تقريرا عن التدابير التشريعية أو القضائية أو الادارية أو التدابير الأخرى التي اتخذتها والتي تمثل اعمالا لأحكام هذه الاتفاق وبأن تفعل ذلك في غضون سنة من بعد نفاذ الاتفاقية» و «وتقديم تقرير دوري كل سنتين».
طلبت اللجنة الدولية المختصة بتطبيق الاتفاق المعنية بمراجعة ما تقوم به الدول المُوقِّعة، من الحكومة تسليم تقرير عن التمييز في البحرين ــ طلبت ذلك ــ في 26 ابريل /نيسان 1991 وعاودت طلبها في 1995 وجددته في 1997. وعلى رغم إلحاح اللجنة فإنها لم تلق تجاوبا حتى 1998، ولذلك ادرجت اللجنة اسم البحرين في قائمة الدول التي تأخرت بشكل كبير في تسليم التقارير. اللجنة الدولية، وبعد الحاح، تسلمت التقرير الرسمي بعد 8 سنوات من التأخير.
تقرير الحكومة
سلمت البحرين تقريرها في فبراير /شباط 1999، وركز التقرير على المعلومات التي تبين درجة التنمية الاقتصادية والبشرية والتسامح الديني مع الديانات غير الاسلامية والنصوص الدستورية والقانونية التي تحظر التمييز. أما المنظمات غير الحكومية، فركزت على الممارسات التي تواجهها بعض الفئات الأخرى مثل السكان من اصول فارسية وخصوصا في الحصول على جنسية (آنذاك كان يطلق عليهم فئة «البدون»).
ردت المنظمات غير الحكومية على تقرير الحكومة الذي ركز على نصوص الدستور في الوقت الذي كان فيه الدستور معطلا آنذاك، والخبراء الآخرون لم يتغاضوا بل وجهوا أسئلة وطلبوا توضيحات عن عدة أمور منها دور المنظمات غير الحكومية في تعزيز حقوق الانسان وان كان هناك أية منظمة غير حكومية تتخذ من البحرين مقرا رئيسيا لها.
الوفد قال في تقريره «تم في العامين 1998 و 1999 استقبال ممثلين عن منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الانسان والصليب الأحمر الدولي». وشدد الوفد الحكومي على «أن بنود الاتفاقية الدولية أصبحت جزءا من قوانين البحرين وأن النظام الدستوري والقانون الاداري في البحرين والشريعة الاسلامية جميعها تؤكد المساواة بين جميع البشر، وتحتوي على ضمانات لمقاومة جميع اشكال التفرقة العنصرية».
واخذ الوفد يشرح ما لابد أن يكون بدلا من تقديم البيانات والحقائق، وعن سبب تأخرهم عن تسليم التقرير هو عدم توافر الكوادر البشرية.
رد فعل اللجنة الدولية
طالبت اللجنة الدولية حكومة البحرين بتقديم المعلومات المتعلقة بالتركيبة السكانية بشكل يوضح جنسيات السكان وأعراقهم لاسيما أن غير البحرينيين يشكلون نسبة 38 في المئة ويشكلون الغالبية من قوة العمل (63 في المئة)، كما طالبت الحكومة بتقديم نماذج من التطبيق العملي لفقرات الاتفاق الدولية الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري، وعدم الاكتفاء بعرض تفصيلي للنصوص الدستورية والتشريعية المتعلقة بذلك. وقالت اللجنة «إن احتواء الدستور على ضمانات المساواة، أو انعدام أحكام قضائية مرتبطة بفقرات الاتفاق الدولي يجب ألا يؤخذ كدليل على عدم وجود التمييز في المجتمع البحريني».
ودعت اللجنة الحكومة إلى مواصلة مراجعة التشريعات وطلبت منها ان تطبق بشكل كامل المادة الرابعة من الاتفاق الدولي.
وطالبت بأن يتم توفير تقارير الحكومة (المقدمة للجنة الدولية) الى عامة الناس في البحرين حال تقديمها الى اللجنة وأن يتم وبالطرق نفسها نشر ملاحظات اللجنة على تلك التقارير، وشددت اللجنة على الحكومة بتسليم التقرير السادس في 2000... إلا أنه لم تسلم البحرين تقريرها السادس، وكان من المفترض ايضا أن تسلم تقريرا اخر في 2001 ولم تسلمه، ومن المفترض أن تسلم تقريرا بعد ذلك في 2003 والى الآن لم تسلمه بعد.
لماذا لا تسلم البحرين التقارير؟
يُلاحَظ أن الحكومة لم تُسلم تقريرها في 1999 إلا بعد الحاح شديد من لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة وبعد ان تسلمت اللجنة الدولية تقارير صادرة من منظمات غير حكومية.
وعن أسباب عدم تسليم البحرين للتقارير الى حد الآن يقول المدير التنفيذي لمركز البحرين لحقوق الإنسان: «هناك مجموعة من المواصفات لابد ان تتقيد بها الحكومة في التقرير نفسه فلابد أن يرد المساءلة. والحكومة دمجت ردودها في تقرير واحد بدلا من 4 تقارير في فترات مختلفة، ووضعت وجهة نظرها والاحصاءات والبيانات التي ذكرتها تصب في أن البحرين من أفضل دول العالم وخالية من التمييز».
واستطرد الخواجة «بعد مناقشة تقرير الحكومة في 1999 طرحت اللجنة الكثير من الأسئلة وطلبت عدة أمور من الحكومة وأي تقرير تقدمه الحكومة فلابد أن تكون فيه إجابة عن تطبيق التوصيات، وربما الحكومة تجد صعوبة في الاجابة على بعض الأسئلة لأن هناك مطالب أساسية لم تتجاوب معها الحكومة».
نائب الامين العام للجمعية البحرينية لحقوق الانسان سلمان كمال الدين قال «لا اجد مبررا للجهات الرسمية بان تتأخر في تسليم التقارير المستوجبة حسب الاتفاقية الدولية التي وقعتها الحكومة. فهذا ينعكس بشكل سلبي على سمعة البحرين ويثير الشكوك بشأن مصداقية تعاطي مملكة البحرين في تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها وصادقت عليها».
ومن جانبه قال نائب رئيس الجمعية البحرينية للحريات العامة ودعم الديمقراطية نزار القارئ «ان التأخير غير مبرر ويبدو انه لايوجد هناك ما تكتبه الحكومة لتفتخر به، اذا اخذنا بجانب الشك. ولربما ان عدم توافر الخبرات لدى الحكومة يجعلها عاجزة عن الالتزام بما يتوجب عليها من خلال الاتفاقيات الدولية».
استراتيجية اللجنة
وذكر الخواجة«إن ما يميز هذه اللجنة بأنه اذا تأخرت الحكومة بشكل كبير فإنها تلجأ الى مصادر أخرى للمعلومات وعلى اساسها يتم التقييم ..
العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ