هذا اليوم فزع إلى الله. فزع إلى خياره. فزع إلى الانعزال الصريح عن طمأنينات مؤقتة، ونعيم في ذروة لهوه وغفلته. فزع إلى الخيار الأوحد: خيار وضع الأمة أمام استحقاقها وأولوياتها وثوابتها. خيار المضي قدما في النظر بعين وضمير فاحص في مآلات المنحرف من تلك الأولويات.
فزع إلى الدم يهرق من دون نسيان أن في ذلك الدم ذاكرة حاضر الأمة ومستقبلها.
فزع إلى مضامين تلك المآلات. فزع إلى رؤية لا ترى في الإصلاح المنشود درس فرض وموقف جبر. هو فزع يؤسس لإلغاء الفرض ومحو الجبر.
يوم فزع يكون فيه الدم راية الشاهد والشهيد. ويكون فيه الدم حجة بالغة على المستهترين بحرقة ذلك الدم في الشهر الحرام والشهر المفتوح على الخيارات في الوقت نفسه، تبعا لمجرى التعاطي مع الله والإنسان.
شهر حرام لأنه يؤسس لحال من المراجعة في الاستهتار بالدم والأعراض.
شهر حرام لأنه يروض النفس الممعنة في هيجانها وولوغها في الدم. شهر حرام باحترامه الدم وإنسان ذلك الدم.
يوم فزع ملؤه الطمأنينة في جنب الله. يوم فزع حين يعمد صاحبه للثأر من المتطاول على الله والإنسان.
يوم فزع يعيد ترتيب العلاقة بين الممعنين في إهدار ماء وجوههم وبين الذين هم ماء كل معنى ووجود.
يوم فزع حين يكون الدم أول الفاتحة ومسك معراجه والمسرى. مسكا له في الضوع جنة ماثلة ونعيم مقيم.
يوم فزع بانتصار الدم في «انتباهته» على السيف في «سكرته وغفلته».
يوم فزع ملؤه: «لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما».
يوم فزع يحيلك إلى الطمأنينة الخالدة في جنب الله، وإلى الاحتساب بقضائه والصبر على ما ارتضاه. يوم فزع فيه للمرء ممالك من عز وفخر، ومجد باقٍ ما بقي الزمن.
جعفر الجمري
العدد 2315 - الثلثاء 06 يناير 2009م الموافق 09 محرم 1430هـ