العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ

أطروحات بشأن أداء المعارضة

شهرام اكبرزاده comments [at] alwasatnews.com

لن يكون بالإمكان النظر إلى أداء المعارضة في البحرين من دون العودة قليلا إلى الوراء، أي إلى الفترة السابقة للتصويت على ميثاق العمل الوطني وحال الانفراج السياسي الذي تعيشه البلاد، إذ تمحور أداء هذه المعارضة حول المطالبة بتحقيق هذا الانفراج، عبر إلغاء قانون أمن الدولة وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين والمبعدين وتفعيل الدستور.

وحين اعتلى جلالة الملك الحكم، وبدأت خطوات الانفراج بصورة تدريجية على شكل بعض الإجراءات والخطوات، لم تكن واضحة بعد طبيعة المشروع الإصلاحي ومداه، لأن هذا المشروع لم يقدم دفعة واحدة على صورة برنامج متكامل، وإنما جاء على شكل خطوات متلاحقة، وسريعة في بعض الأحوال، بحيث ان قوى المعارضة تفاجأت به، أو بالأحرى تفاجأت بتسارع خطواته.

شكل ميثاق العمل الوطني مخرجا من المأزق السياسي الحاد الذي كانت البحرين تعيشه. كان طرفا المواجهة في الفترة السابقة، أي الحكم والمعارضة معا، بحاجة ماسة إلى هذا المخرج. فبالنسبة إلى الحكم بدا واضحا أن الحل الأمني ووسائل القمع لم تحل الإشكالية الاجتماعية - السياسية في البلاد، ولم تضعف المطالبة بالمشاركة السياسية التي قيدت بعد تعليق الحياة البرلمانية العام 1975 وتجميد العمل فعليا بالدستور، وبالنسبة إلى المعارضة وضع الميثاق حدا لحالة الإنهاك التي بلغتها بعد عقود من القمع البوليسي الضعيف الذي اتخذ أشكال التصفية الجسدية والتعذيب وأحكام السجن الطويلة والاعتقالات المستمرة التي طالت الآلاف.

وعلى رغم أن قوى المعارضة أبدت في البداية بعض الشكوك والهواجس والمخاوف من فكرة الميثاق منطلقة من التساؤل البديهي: ما الحاجة إلى الميثاق طالما لدينا الدستور الذي يجب تفعيله، فإنها سرعان ما ارتضت التصويت عليه رغبة في الخروج من المأزق الحاد الذي تعيشه البلاد، وابداء لحسن النوايا تجاه ما استشعرته من الحكم ومن جلالة الملك شخصيا لطي صفحة الماضي.

ومن جهته فإن الحكم تغلب على الهواجس والشكوك والاسئلة التي انتابت المعارضة، بإعطاء تطمينات يمكن وصفها بأنها ذات طبيعة شفوية من أن الحاكمية ستكون للدستور، وان الميثاق لن يكون أكثر من وثيقة للاجماع الوطني على تجاوز الماضي والبدء بمرحلة جديدة، وهذا ما وفر للميثاق أثناء التصويت عليه ما يشبه الاجماع. وقد عززت التدابير التي اتخذها الملك في حينه، وخصوصا بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين والسماح بعودة من هم في الخارج ثم إلغاء قانون أمن الدولة، الثقة في المشروع وأشاعت مناخا من التفاؤل في المجتمع عامة.

تفاجأت المعارضة بطبيعة «التعديلات الدستورية» التي أدخلت على دستور 1973، لأنها وجدت فيها إخلالا بما كان قد اتفق عليه مع الحكم. وسبب هذه المفاجأة هو ان المعارضة لم تحسب التعقيدات الكثيرة في بنية الحكم وفي علاقته بالمجتمع، ولم تلتفت إلى أن الطريقة التي سار عليها المشروع الإصلاحي منذ بدايته كانت تحتمل مثل هذه المفاجأة، بمعنى أن الحكم ما كان ليطرح مشروع الميثاق الوطني أصلا، لو أن الأمر كان يتصل فقط بالرغبة في استئناف الحياة البرلمانية كما كانت عليه في أعوام 73 - 1975، والتي انتهت بحل البرلمان حين وجد نفسه في مواجهة مع الحكم بلغت ذروتها في الموقف من قانون أمن الدولة، أي أن الحكم راغب فعلا في استئناف هذه الحياة من جديد، بوصف ذلك ضرورة لا مناص منها، ولكن وفق ضوابط صارمة تجعل المبادرة في يد الحكم ولا تضطره إلى إيقافها مرة أخرى حين يجد نفسه في مواجهة مشابهة كتلك التي حدثت في منتصف السبعينات الماضية، وهكذا فإن التعديلات الدستورية بالغت في هذه الضوابط حتى بلغت بها الحد الأقصى، وهو أمر أربك هذه المعارضة ودفع قطاعات رئيسية فيها إلى ما يمكن وصفه بالموقف السلبي، ولسنا نقصد بهذا التعبير حكم قيمة، وإنما نقصد به توصيف ما ارتأت هذه القطاعات إبداءه، أي جعل استمرارها في دعم مشروع الملك مشروطا، بمعنى انه إذا لم يصر إلى إعادة النظر في التعديلات التي أدخلت على الدستور، فإنها لن تشارك في الإجراءات والعمليات الناجمة عن هذا المشروع أو التي ينظمها، وخصوصا المشاركة في انتخابات مجلس النواب.

وغنى عن التذكير هنا، انه ليس كل قوى المعارضة اختارت هذا الخيار، فهناك من قرأ الأمر سياسيا بصورة مغايرة، ورأى ان يشارك في هذه الانتخابات كوسيلة من وسائل الانخراط في الممارسة السياسية، اعتقادا من هذا البعض ان المقاطعة ليست حلا، بناء على تحليله للمعطيات الواقعية في البلد ولتركيبته الاجتماعية والطائفية المركبة والمعقدة، ومن إدراكه بأن عملية التحول السياسي في البلاد باتجاه الدمقرطة الحقيقية عملية طويلة وتراكمية ولن تنجز بين عشية وضحاها، وخصوصا إذا أخذنا في الاعتبار التعقيدات الكثيرة المحيطة.

من حيث أرادوا أو لم يريدوا اختار المقاطعون أن يعتبروا أنفسهم هم وحدهم «المعارضة الحقيقية» في البلاد، بل انهم وحدهم المعارضة، ورأوا فيمن خالفهم الرأي والتقييم مواليا، وصاروا يتحدثون عما يدعونه التحالف الاستراتيجي للمقاطعين، الذي يقتصر عليهم وحدهم، وهم بذلك يعيقون إمكان بناء صف وطني واسع هدفه تطوير العملية الإصلاحية وانتشالها من حال المراوحة التي هي فيها اليوم، لأن داعمي الإصلاح وأصحاب المصلحة فيه يمثلون تيارا واسعا في المجتمع موزعا على كل الشرائح والطوائف والاتجاهات، بما فيها قوى داخل الحكم نفسه، ولا يمكن استعداء كل هؤلاء لأن لهم منظورا آخر غير منظور الجمعيات المقاطعة، التي لا يمكن أن تتحدث عن تحالف استراتيجي بينها نظرا للتباينات الفكرية والسياسية العميقة بينها، وهي تباينات لا يمكن القفز عليها ولا خداع النفس أو الآخر بشأنها.

هذا الموقف انسحب على أداء الجمعيات الموقعة على ميثاق التنسيق السداسي، حين وجد ممثلو الجمعيات المشاركة في الانتخابات التي انضمت إلى الميثاق أنفسهم تحت ضغوط قوية من المقاطعين لتبني وجهات نظرهم وللانخراط في برنامج الجمعيات الأربع، وهكذا بدل أن يجري البحث في إيجاد قواسم سياسية مشتركة صار الأمر ينحصر في البحث عن مخارج لفظية تحافظ على استمرار هذا الميثاق. ثم ان الميثاق خضع لازدواجية في أدائه، لأنه كان خاضعا لآليتي عمل اثنتين، لا آلية عمل واحدة، إذ ان الإخوة في الجمعيات الأربع لم يحسموا أمورهم بعد بشأن ما هو الوعاء الأنسب لنشاطهم: التحالف الرباعي أم الميثاق السداسي؟! وبالتالي متى يتحركون بصورة رباعية ومتى يطرحون الأمور في اللقاء السداسي.

هناك نظرة خاطئة يجري الترويج لها فحواها ان الهدف من تحريك الملفات الحيوية في المجتمع كالبطالة والتمييز والتجنيس والفساد وسواها الوصول إلى المسألة الدستورية،أي أن إثارة هذه الملفات ليست سوى وسيلة، وبالتالي فإن التحرك بشأن هذ الأمور ليس موجها نحو البحث عن حلول لها أو التخفيف من حدتها وانعكاساتها المباشرة على حياة المواطن البسيط الذي يطمح إلى حياة كريمة وإنما توظيفها في العمل السياسي، وهذه نظرة لا تنم عن تبصر ويمكن أن تدفع الأمور نحو مواجهات غير محسوبة ونحو تصعيدات سترتد خسائر على المعارضة نفسها، لأنها لا تأخذ في الحسبان المناخ الجديد في البلاد، وحجم التحولات التي جرت في أمزجة الناس واستعداداتهم.

توازي هذه النظرة نظرة أخرى فحواها أنه ما ان تحل المسألة الدستورية فإن كل مشكلات المجتمع ستحل، فما ان نصل إلى دستور عقدي حتى يصبح بالإمكان حل كل القضايا المعلقة، وهذا تسطيح للأمور ووهم آخر يجري تصديره للناس، فكيف لنا أن ننسى أن دستور 1973 كان ناقدا من وجهة نظر قانونية حتى 14 فبراير/ شباط 2002، ولكنه لم يمنع أن تتفاقم كل هذه المشكلات، وأن تتم في ظل هذا الدستور بالذات كل الممارسات القمعية والفساد المالي والإداري والسطو على المال العام

ليست الاشكالية في البحرين اليوم اشكالية دستورية صرفة، حتى ندخل في حجاج قانوني أو دستوري عن أهميتها، ان هناك اشكالية سياسية عميقة، ليست المسألة الدستورية سوى أحد وجوهها.

إن المرحلة التي نعيشها اليوم هي مرحلة متقدمة بالقياس لما عانى منه الوطن سابقا من آلام. لكن المشكلات الكبرى لم تحل، ولن تحل بين عشية وضحاها، ونحن نتعاطى العمل السياسي ولا نلعب الشطرنج، ومن طبيعة هذا العمل انه طويل النفس وتراكمي، ننتزع فيه النجاحات بالتدريج خطوة خطوة، ونحن كقوى وطنية عصرية علينا الكثير لنعمله في سبيل بناء مجتمع مدني فاعل حديث ومنظم قادر على التطوير الحقيقي للمجتمع وبلوغ علاقة الدولة بالمجتمع مستوى جديدا أكثر تكافؤا وعدالة. ان النضال لم يبدأ بنا، ولن ينتهي بنا، لأنه عملية سيرورة مستمرة، وفي هذا النضال نحن محكومون بشروط العمل السياسي وليس برغباتنا أو تمنياتنا وحدها

العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً