العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ

القربان

هيّا... تقدّم أنت وحدك، أنت وحدك

حولك الكهان ينتظرون أمر الله فاصعد

أيها القربان نحو المذبح الحجري، يا كبش

الفداء - فدائنا... واصعد قويّا

لك حُبُّنا، وغناؤنا المبحوح في

الصحراء: هات الماء من غَبَش السراب،

وأيقظ الموتى! ففي دمك الجواب، ونحن

لم نقتُلك... (لم نقتل نبيا)

إلا لنمتحن القيامة، فامتحنّا أنت

في هذا الهباء المعدني. ومُت لتعرف

كم نُحبُّك... كم نحبك! مت لنعرف

كيف يسقط قلبك الملآن، فوق دعائنا،

رطبا جنيّا.

لك صورة المعنى. فلا ترجع الى

أعضاء جسمك. واترك اسمك في الصدى

صفة لشيء ما. وكن أيقونة للحائرين،

وزينة للساهرين، وكن شهيدا شاهدا،

طلق المحيّا

فبأيّ آلاءٍ نكذب؟ من يُطهّرنا

سواك؟ ومن يحررنا سواك؟ وقد

وُلدِتَ نيابة عنا هناك. وُلدْتَ من نور

ومن نار. وكنا نحن نجارين موهوبين في

صنع الصليب، فخُذ صليبك وارتفع فوق الثريا

سنقول: لم تُخطئ، ولم نُخطئ. إذا

لم يهطل المطر انتظرناه، وضحينا بجسمك

مرة أخرى. فلا قربان غيرك، يا حبيب

الله، يا ابن شقائق النعمان. كم من

مرة ستعود حيّا!

هيا، تقدم أنت وحدك، يا استعارتنا

الوحيدة فوق هاوية الغنائيين. نحن الفارغين

النائمين على ظهور الخيل.... نسألك الوفاء،

فكن وفيا للسلالة والرسالة. كُن وفيّا

للأساطير الجميلة، كن وفيّا!

وبأي آلاء نكذب؟ والكواكبُ في

يديك. فكن إشارتنا الأخيرة. كن عبارتنا

الأخيرة في حُطام الأبجديّة «لم نَزَل نحيا،

ولو موتى». على دمك اتّكلنا.

دُلّنا، وأضِئْ لنا دمك الزكيّا!

لم يعتذر أحد لجرحك. كلنا قلنا

لروما: «لم نكن معه». وأسلمناك للجلاّد.

فاصفح عن خيانتنا الصغيرة، يا أخانا

في الرضاعة. لم نكن ندري بما يجري.

فكن سمحا رضيّا

سنُصدّقُ الرؤيا ونؤمن بالزواج الفذ

بين الروح والجسد المقدّس. كل ورد

الأرض لا يكفي لعرشك. خَفّت الأرض،

استدارت، ثم طارت كالحمامة في سمائك

يا ذبيحتنا الأنيقة. فاحترق لتضيئنا، ولتنبثق

نجما قصِيّا

أَعلى وأَعلى. لست منّا إن نزلت

وقلت: «لي جسد يعذبني على خشب

الصليب». فإن نطقت... أفقت، وانكشفَت

حقيقتُنا. فكن حلما لنحلم. لا تكن بشرا

ولا شجرا. وكن لغزا عصيّا

كُن همزة الوصل الخفيفة بين آلهة

السماء وبيننا. قد تمطر السُّحُبُ العقيمة

من نوافذ حرفك العالي. وكن نور البشارة،

واكتب الرؤيا على باب المغارة، واهدنا

دربا سويّا

وليحتفِل بك كل ما يخضرُ، من

شجر ومن حجر، ومن أشياء تنساها

الفراشة فوق قارعة الزمان قصيدة...

وليحتفل بك كل من لم يمتلك ذكرى، ولا قمرا بهيّا

لا تنكسر! لا تنتصر. كن بين -

بين معلقا. فإذا انكسرت كسرتنا. وإذا

انتصرت كسرتنا، وهدمت هيكلنا. إذن،

كن ميتا - حيّا، وحيّا - ميتا، ليواصل

الكهان مهنتهم. وكن طيفا خفيا

ولتبق وحدك عاليا. لا يلمسُ الزمن

الثقيل مجالك الحيوي. فاصعد ما استعطت،

فأنت أجملنا شهيدا. كن بعيدا ما استطعت

لكي نرى في الوحي ظلك أرجواني الخريطة.

فالسلام عليك يوم ولدت في بلد السلام،

ويوم مت، ويوم تبعث من ظلام الموت

حيّا!

مجلة «الكرمل» (66





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً