انتهت ظهر الجمعة (11 يوليو/ تموز) اعمال مؤتمر «العراق والمنطقة بعد الحرب» الذي انعقد في بيت الامم المتحدة بدعوة من «الاسكوا» بالتعاون مع البنك الدولي و «المركز اللبناني للدراسات» ومؤسسة «فريدرتش ايبرت» والمعهد الالماني للابحاث الشرقية في بيروت وبرنامج الامم المتحدة الانمائي. وشارك فيها خبراء لبنانيون وعراقيون وعرب واجانب وشخصيات دبلوماسية واكاديمية. وكان لايام 9، 10 ، و11 يوليو الجاري. الجلسة الافتتاحية اقتصرت على كلمتين، الاولى لمدير المكتب الاقليمي للبنك الدولي في بيروت عمر رزاز الذي شدد على «اهمية هذا اللقاء الذي يتم في مرحلة حرجة، إذ كل مقدرات العراق، وربما المنطقة العربية على المحك».
واذا اوضح ان «لا دور للبنك الدولي في العراق حاليا على صعيد تقديم الخدمات»، ركز على «دور اجهزة الامم المتحدة في تأمين المساعدات الآنية»، ورأى انه «اذا نجحنا، في حصيلة لقائنا، ان نضع اطارا او مقياسا لما يحصل في الميدان وان نقوم الاداء من منظور متوسط ومستقبلي، نكون قد نجحنا في ورشتنا (...) وتمكنا من وضع تصور للتنمية المستدامة في العراق».
وهواجس البنك الدولي جاءت على شكل اسئلة: «كيف يمكن للعراق تجاوز هذه الازمة؟ وكيف يؤسس على المدى المتوسط والبعيد، علاقة بين الدولة والمجتمع تتجاوز الازمة التي يتسبب بها النفط؟ كيف نتأكد من ان هذه الدولة لن تكون متسلطة ودكتاتورية؟ وكيف نتأكد من ان القطاع العام لن يكون الاوحد، وان الصوت الخارج من هذه الدولة لن يكون واحدا، بل متعددا؟ كيف نتأكد من ان التنمية الاقتصادية ستأخذ في الاعتبار الزراعة الانتاج والتصدير والتصنيع، الى جانب النفط؟».
اما وكيلة الامين العام للامم المتحدة الامينة العامة التنفيذية لـ «الاسكوا» ميرفت تلاوي التي املت في ان «يكون الاجتماع مساهمة متواضعة في الجهود الرامية الى مساعدة العراق في الخروج من ازمته، ورأت ان هناك شعورا دفينا داخل كل عربي بالاهتمام بالعراق»، وما يحدث له يؤثر بوضوح على بقية الامة، وسقوطه انتقاص لها، بينما نموه وتقدمه ينعكسان فائدة عليها.
بعد استراحة، تناول المشاركون في الورشة «عمق» العراق وازماته. «الخلفية وقضايا ملحة» عنوان مداخلة استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة والجامعة الاميركية في القاهرة محمود عبدالفضيل الذي شدد على ضرورة ان «تكون هناك رؤية واضحة لمستقبل العراق، لان به يرتبط مستقبل الامة والمنطقة العربية». وحدد «لائحة» واجبات «يجب القيام بها على المديين القريب والبعيد»، ليخلص الى «حاجة لتوسيع دور منظمة الامم المتحدة، على رغم ان ثمة قرارا دوليا باعطاء نوع من الشرعية المؤقتة للوجود الاميركي في العراق».
وشكل النفط نقطة مهمة في مداخلته، فاعتبر ان «هناك رهانات كثيرة على مستقبله، وثمة من يتحدثون داخل الادارة الاميركية عن خصخصة قطاع النفط في العراق»، داعيا الى ان يكون هناك موقف للعرب والامم المتحدة من القضية، فقرار الخصخصة ليس اميركيا، بل هو من قرارات السيادة العراقية.
ولفت الى وضع «اوبك» وتأثرها باستمرار الاحتلال الاميركي للعراق»، وانتقل البحث الى جهود اعادة الاعمار في العراق في فترات ما بين الحروب مع العالم النووي العراقي جعفر جعفر الذي قال بحزم في مستهل مداخلته: لم تجد الولايات المتحدة اسلحة دمار شامل في العراق، لانها دمرت العام 1991. وقدم نماذج من مشروعات اعادة الاعمار تعود الى العام 1991، مركزا على الاعمار في مصافي النفط وقطاع الكهرباء.
اما العالم السياسي مايكل هدسون فقال ماذا يحصل اذا غادرت الولايات المتحدة العراق من دون ارساء بنية سياسية عادلة فيه؟
جواب الاكاديمي الاميركي من دون تردد: «ستكون حالته مماثلة لما حصل في بيروت عندما كانت مدمرة. اذ يمكن مقارنة العراق بلبنان خلال فترة الحرب الاهلية الطويلة التي شهدها وانطوت على صراعات بين ميليشيات وقطاعات مختلفة.
ولخص انطوان حداد (خبير تنمية) القضايا والتحديات ذات الصلة او ذات التأثير المباشر على الاوضاع الاجتماعية والانسانية لعراق ما بعد الحرب في اربع مجموعات:
- الأمن والنظام وسلامة الافراد وحقوق الانسان
- الحاجات السياسية والخدمات العامة
- مصادر الدخل وموازنة الاسرة
- القضايا المرتبطة بالتربية والنظام التعليمي.
اما رئيس قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة في بغداد عدنان ياسين مصطفى فقد ذكر ان دراسة ميدانية اظهرت ان 60 في المئة من النساء المعيلات لاسرهن تحملن عبء الحصار وان 26 في المئة منهن يقمن باعالة 7 افراد من الاسرة بالمقارنة مع عبء الاعالة على مستوى المجتمع ككل والبالغ (3,1) أفراد. من جانب آخر بلغ معدل وفيات الاطفال الرضع 107 لكل الف ولادة حية و 131 لكل الف من الاطفال من دون الخامسة وبلغ معدل وفيات الامهات 294 لكل عشرة الاف ولادة حية وانتشرت الانيميا بنسبة 61 في المئة بين النساء الحوامل حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. واشارت دراسات اخرى الى تزايد اعداد الحالات التي تعرض على اقسام الامراض النفسية والعصبية في المستشفيات. وقدرت احدى هذه الدراسات ان 57 في المئة من النساء يعانيين من حالات نفسية مرضية كالقلق والاكتئاب والارق والصداع. كل ذلك الى جانب تدهور الحياة الاسرية وتدني كثافة العلاقة الاجتماعية اذ ارتفعت حالات الطلاق من (19368) العام 1988 الى (25652) العام 1998. كذلك تعاظم عدد المتسربات من المدارس او غير الملتحقات وازدادت ايضا نسبة النساء الاميات.
واشار الى ظاهرة عامة برزت في المجتمع العراقي خلال العقود الماضية وهي ظاهرة (عسكرة حياة الاطفال) و (ادلجة تفكيرهم) على نحو صارم. واضطر آلاف الاطفال إلى العمل دون السن القانونية لمساعدة اسرهم. وقد اورد تقرير لجامعة الدول العربية نسبة ضئيلة مفادها ان الاطفال شكلوا العام 1987 (2,37 في المئة) من قوة العمل في العراق و94 في المئة تركوا مقاعد الدراسة وان 69,8 في المئة يأكلون وجبة طعام واحدة و 33 في المئة يفكرون في الموت او الانتحار.
واتسعت في المجتمع العراقي ظواهر خطيرة مثل التسول والتشرد كما اتسعت ظاهرة المرضى والمعوقين بين الاطفال اذ قدرت اليونيسيف عدد الاطفال المعوقين في العراق بحوالي 330000 طفل مقابل تراجع كبير في الخدمات المؤسسية والصحية المتوافرة لهم وخصوصا بعد العام 1991
العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ