لا يزال موضوع حرمان المرأة الكويتية من حقها في التصويت والترشح للبرلمان يثير استغراب كل مراقب ومتابع للمسيرة الديمقراطية لهذا البلد الخليجي. هذا التغييب المستمر والمقصود للنساء عن الحقل السياسي جعل الكثير من الكويتيين والكويتيات يصفون ديمقراطيتهم بكونها منقوصة أو معوقة. فإخراج أكثر من 50 في المئة من دائرة ممارسة حق اختيار ممثلي الشعب قلص كثيرا من عدد الناخبين الذين لا تتجاوز نسبتهم 15 في المئة من السكان، وهو ما جعل اللعبة السياسية ضيقة المجال ومحصورة في أوساط واتجاهات محدودة، ودفع الرأي العام نحو الشعور بالملل من بقاء بعض الوجوه والتيارات سنوات طويلة داخل المؤسسة البرلمانية، وشجع أصواتا كثيرة على المطالبة بتجديد الطبقة السياسية وكسر آليات الاحتكار النيابي.
يشترط القانون الانتخابي الكويتي في الناخب أو المترشح أن يكون من الذكور. وعلى رغم التعديلات المتكررة التي أدخلت عليه حافظ على مبدأ إقصاء المرأة. وأسهمت التقاليد والعقلية القبلية منذ البداية في تبرير مثل هذا التوجه التشريعي وتثبيته على رغم كل المتغيرات التي مر بها المجتمع الكويتي. لكن كان بالإمكان أن يقع تجاوز الأمر لو قرر الإسلاميون خوض معركة جادة من أجل تمكين المرأة من حقوقها السياسية، مثلما فعلوا في قضايا أخرى كمنع الاختلاط وأسلمة القوانين. فالحركة الإسلامية الكويتية السنية التي تحولت إلى رقم مهم في المعادلات المحلية، بدل أن تتصدى لهذا الحيف وتعمل على تغييره ولو بصفة متدرجة، اتخذت موقفا مضادا، واختارت أن تكون في هذه القضية رديفا قويا للتيار القبلي.
السند الفقهي
والاجتماعي للحرمان
بالنسبة إلى المستندات التي اعتمدوها فهي متعددة، نكتفي بالإشارة إلى اثنتين منها : أحدهما فقهية والأخرى اجتماعية. أما الأولى فقولهم إن السماح للمرأة بالترشح للبرلمان هو شكل من أشكال الولاية الكبرى التي يعتقد الكثير من الفقهاء بحرمتها على النساء واشترطوا فيها الذكورة. وهي حجة لا تستقيم، لأن العضوية في البرلمان لا يمكن مقارنتها بالإمامة التي كانت تطلق غالبا على منصب الخليفة الذي تعود إليه مسئولية إدارة شئون كل المسلمين. كما ثبت عدم إطلاقية هذا الشرط مثله مثل شرط القرشية في الإمام. فكلاهما يعكس مرحلة تاريخية حكمتها اعتبارات سياسية واجتماعية وقبلية حاولت أن توظف النصوص الإسلامية لإضفاء الشرعية على مصالحها ومواقفها. ولو كان الأمر فيه قدر من الوجاهة الدينية لما امتدح القرآن الكريم حكم الملكة بلقيس التي لم يكتف بإضفاء الشرعية على مسئوليتها السياسية، بل امتدح أداءها وأسلوبها في الحكم. فالنبي سليمان عرض عليها الدعوة ولم يعترض على قيادتها لشعبها. كما سجل لنا القرآن قاعدة من قواعد نجاحها في إدارة الحكم عندما عرضت رسالة سليمان على ممثلي شعبها و«قالت: يا أيها الملأ افتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون». وكان ردهم «قالوا: نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين» (سورة النمل). كانت حريصة على تشريك ممثلي الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية، وفي المقابل كانوا يثقون في رأيها وحكمتها. لهذا لم تختر المواجهة والحرب كما حسسوها بذلك، بل لجأت إلى الحكمة لمعرفة الأهداف الحقيقية للنبي سليمان. وعندما اطمأنت قبلت الدعوة فأنقذت شعبها وحافظت على مصالحه. فهل في ذلك استنقاص من الدور السياسي للمرأة أم تأكيد لاحتمال تفوق بعض النساء على الرجال في هذا المجال الذي بقي حكرا على الذكور في معظم أصقاع العالم الإسلامي.
أما الحجة الثانية التي غالبا ما يوردها الكثير من الإسلاميين في مجادلاتهم ، فهي اجتماعية من ناحية و«منهجية» من ناحية أخرى. يقولون إن المجتمع الكويتي لم يصبح ناضجا أو مهيئا لخوض التجربة، وأن هناك مسائل أخرى أكثر إلحاحا لم تتوافر بعد. ويعيبون على دعاة تشريك المرأة حرقهم للمراحل وعدم مراعاة «خصوصية» مجتمعاتهم وسقوطهم في الفوقية التي تقفز على الواقع، وتعطي نتائج عكسية. وهو رأي لا يخلو في حد ذاته من صحة، لو تم ربطه بخطة تصاعدية تبدأ بخطوات عملية في اتجاه تشريك المرأة في اللعبة السياسية. فوضع المرأة والمجتمع في الخليج يدعم هذا الرأي، وهو ما أثبتته تجربتا قطر والبحرين حين سقطت كل النساء المترشحات للبرلمان في المنامة والبلدية في الدوحة. لكن هناك فرقا بين الإقرار بالحق وبين السعي إلى إقناع الآخرين باحترام أصحابه. فقد تفشل النساء في مرحلة أولى في كسب ثقة الرأي العام، لكنهن من دون المشاركة وخوض الكثير التجارب والصراعات لن يتمكن من التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
من الخطأ التعميم
وليس كل الإسلاميين سواء
الصراحة والموضوعية تفرضان في هذا السياق الإشارة إلى بعض المسائل المهمة:
- موقف الكثير من الإسلاميين الكويتيين من مسألة الحقوق السياسية للمرأة، يعكس مظهرا من مظاهر النزعة المحافظة التي لازمت الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي منذ قرون تجاه النساء. فملف تحرير المرأة لم تطرحه قوى محلية إلا بعد أن فرضه الغرب. وعندما أخذت ترتفع أصوات وطنية من داخل المجتمعات الإسلامية تطالب بالإقرار بالحقوق الأساسية للنساء المسلمات، كانت من بين القوى التي تصدت لهذه الدعوة الحركات الإسلامية، التي شككت في النوايا الإصلاحية لأصحاب تلك الدعوات الذين كان من بينهم علماء مجددون مثل الشيخ محمد عبده، ومثقفون وطنيون مثل قاسم أمين في مصر وطاهر الحداد في تونس. وهذا ما يفسر عدم وجود أية تجربة افتكت فيها الحركة الإسلامية مبادرة تطوير التشريعات المحلية المنظمة للأحوال الشخصية. بل على العكس من ذلك، وقفت هذه الحركات ضد المحاولات التي قامت ولا تزال في هذا الاتجاه، وكانت آخرها ما تم قبل سنتين في المغرب وقبلها في الجزائر. وهو ما أعطى فرصة للقوى العلمانية بأن تحتكر قيادة هذه المعركة وتقودها وفق أهدافها ومصالحها.
- على رغم استمرار طغيان النزعة المحافظة على الخطاب الإسلامي الحركي، وبقائه في حال مواجهة مع دعاة تحرير المرأة، فإن العشرين سنة الأخيرة شهدت تطورات ملموسة أقدمت عليها حركات إسلامية كثيرة. ومن اللافت للنظر أن حركة (الإخوان المسلمون) التي تعتبر (الحركة الدستورية) في الكويت فرعا من فروعها، أقرت قبل سنوات عددا من الحقوق السياسية للمرأة بما في ذلك حقها في الترشح للبرلمان.بل إن عددا من الإسلاميين الكويتيين تخلوا عن مواقفهم المعارضة، وأيدوا تمكين المرأة من هذا الحق. إسماعيل الشطي الذي يعتبر أحد الوجوه البارزة في الحركة الدستورية، اعتبر أنه لا يوجد مانع شرعي في هذا المجال. لكن الاقتراح الذي بدأ يتبلور في المرحلة الأخيرة يفصل بين حق التصويت وحق الترشح، وهو فصل غريب يفتقر للتجانس الداخلي. فالمنطق يقول إن الذي أصبح مؤهلا لاختيار غيره يكون من باب أولى مؤهلا لتزكية نفسه.
- تقدم بعض الاجتهادات في هذا المجال على اجتهادات اخرى. فهناك مسلمون في الكويت مثلا لا توجد لديهم مثل هذه الإشكالية. وهناك مراجع في الكويت ولبنان وإيران حسمت هذا الموضوع منذ فترة طويلة. بل إن عالما مجتهدا كبيرا خسره العرب والمسلمون هو العلامة المرحوم محمد مهدي شمس الدين أصدر كتابا قبل وفاته أباح فيه تولي المرأة المسلمة منصب رئاسة الدولة. ولعل ارتباط هذه الاجتهادات بديناميكة المجتمعات الحديثة للمسلمين والصلاحيات التي يتمتع بها الفقيه ساعدا على تجديد آليات الوعي والحسم في الكثير من القضايا.
- إن المشكلة الرئيسية التي إذا تجاوزها الإسلاميون سيتمكنون من التعاطي مع أوضاع النساء بشكل جوهري، هي أن يعيدوا النظر في التقسيم التقليدي للأدوار بين المرأة والرجل. فقولهم إن الوظيفة الأساسية للمرأة هي البيت وتربية الأطفال، في مقابل مسئولية الرجل خارج البيت، هو اعتقاد تجاوزته المرحلة التاريخية. لا يعني ذلك التضحية بالأطفال كما يقال عادة، وإنما المطلوب هو إعادة ضبط المهمات وفق منهج المسئولية المشتركة والمساواة بين الجنسين. فتربية الأطفال ليست مسئولية الأمهات فقط، وتوفير موازنة العائلة لم تعد مسئولية من الآباء فقط
العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ