زادت أحوال المواطنين العراقيين سوءا بعد الاحتلال وبصورة أسوأ بكثير عن المرحلة التي سبقت الحرب. هذا ما يقوله ديفيد ماكلاهلان الذي يعمل في تنسيق المساعدات الإنسانية في الهيئة الدولية وزميلته رئيسة منظمة رعاية الأطفال(يونيسيف) كارول بيلامي بعد عودتهما من زيارة تقصي الحقائق في العراق استغرقت بضعة أسابيع. وقد وجه المسئولان اتهامات قوية لقوات الاحتلال الأميركية لأن الجنود فشلوا في فرض الأمن والاستقرار ومنع أعمال القتل والنهب. في هذه الأثناء قرر الاتحاد الأوروبي تقديم معونات إنسانية جديدة للعراق قيمتها 37 مليون يورو. وتركز المعونة الأوروبية على إصلاح شبكات المياه. يرى ماكلاهلان مشكلة المياه واحدة من أبرز المشكلات التي تعوق تحسن أوضاع المواطنين العراقيين. ففي بغداد تعرضت نسبة 40 في المئة من شبكة المياه للدمار ويتزود المواطنون بنسبة 50 في المئة من المياه المتوافرة عن طريق منشئات معطلة. إضافة الى أن محطات تزويد سائر المناطق العراقية بالمياه معطلة وكل يوم تتدفق مئات الآلاف من أطنان المياه في نهر دجلة. الرأي السائد أن منشآت المياه تعرضت للدمار ليس خلال الهجمات العسكرية ولكن نتيجة أعمال النهب، في حال تم إصلاح منشأة للمياه يجري نهبها في اليوم التالي، وأكد ماكلاهلان أن غياب الأمن يسهم في عدم تحسين أوضاع المواطنين وخصوصا مسألة تزويدهم بمياه الشرب.
وليس الوضع بالنسبة إلى شبكة توزيع الكهرباء أفضل، بعض المناطق في العاصمة بغداد تحصل على الكهرباء مدة ساعتين في اليوم ولا يعلم المواطنون مسبقا موعد وصول الكهرباء إلى مساكنهم وإذا كان هذا في الليل أم في النهار وليس بالوسع استخدام المكيفات الكهربائية خلال الصيف إذ تبلغ درجة الحرارة 40 مئوية في الظل. كذلك لا يجري العمل في التخلص من النفايات وتفتقد الشوارع إلى التنظيف وقال ماكلاهلان في تصريحات تم نشرها: تفوح في شوارع بغداد روائح كريهة، وأضاف قائلا: إن مخازن التموين التابعة لهيئة الأمم المتحدة تتعرض بصورة متواصلة لهجمات ويعترض مسلحون عربات نقل المؤن، ويصفهم بأنهم خطرون ليس بالوسع مقاومتهم وقال إن الأمر الطبيعي هنا، أن تقوم قوات الاحتلال ببناء نظام يسمح للمنظمات الإنسانية القيام بعملها بتوزيع المساعدات بصورة عادلة على المواطنين وتوفير الأمن حرصا على عدم تعرض مهمتهم للخطر. اتهم ماكلاهلان قوات الاحتلال الأميركية بتوفير الحماية في المواقع الخطأ، وقال إن الجنود الأميركيين منتشرون بوضوح في كل مكان لكنهم يوفرون الحماية لمبان لا تعود بالفائدة على المواطنين.
أوضح ماكلاهلان أن المواطنين العراقيين لا يشعرون بأنهم استفادوا من هذه الحرب بل يشعرون بأنهم خسروا الكثير وخصوصا الشعور بالأمن الشخصي. وأوضح بقوله: لقد دمرت الحرب كامل البنية التحتية وعادت بالتجارب القديمة. إن الأشخاص الذين حصلوا على تدريب عسكري ليسوا مؤهلين لبناء نظام مدني كما ليس بوسعهم تحمل مسئولية إدارة هذا النظام.
كذلك فإنه ليس لدى رئيسة منظمة(يونيسيف) كارول بيلامي أنباء جيدة حملتها معها من العراق لكنها على الأقل قالت: إن برنامج تطعيم الأطفال الذي أقرته المنظمة، تم العمل به في شهر يونيو/ حزيران الماضي بعد توقف دام تسعة أشهر وعلى رغم هذا فإن غالبية الأطفال تحت سن عام واحد مازالوا يفتقدون إلى أي نوع من التطعيم. وأوضحت بيلامي في تصريحاتها أن أهم ما تسعى إليه منظمة(يونيسيف) هو عودة الأطفال العراقيين إلى المدارس وفي هذا السياق قامت المنظمة الدولية بتوزيع 15 مليون دفتر كي يتمكن الأطفال في نهاية العام الجاري من تقديم امتحاناتهم وعدم خسارة الموسم الدراسي وأضافت بيلامي بقولها: كلما نجحنا بإعادة أكبر عدد ممكن من الأطفال إلى مقاعد الدراسة كلما استطعنا تخفيف عدد الضحايا بينهم الذين يعبثون بالألغام أو يدوسون خطأ عليها.
غير أن أكبر خطر يواجهه أطفال العراق يأتي من المياه القذرة وكذلك من النفايات والقذارة المنتشرة في كل مكان. وقالت إن نسبة الأطفال الذين يتوفون نتيجة الإصابة بمرض الإسهال المتواصل يرتفع بصورة مستمرة. إضافة إلى أن مجموعات متزايدة من الأطفال يعانون من سوء التغذية أو من الجوع. قبل الحرب كان معدل الوفيات بين الأطفال واحد من أصل ثمانية لم يكن هؤلاء يبلغون سن الخامسة من أعمارهم وتعتقد بيلامي أن الوضع إذا استمر على هذا المنوال فسيرتفع عدد الضحايا بين الأطفال. كما لاحظت بيلامي زيادة كبيرة في عدد الأطفال الذين أصبحوا يفترشون الشوارع وتخلوا عن عائلاتهم أو أنهم فقدوا عائلاتهم في الحرب، إذ قالت إن أطفال الشوارع ظاهرة جديدة في العراق والعالم العربي والإسلامي. في الوقت نفسه تراجع عدد الأطفال الذين يزورون المدارس. وقالت بيلامي إن نسبة 25 في المئة من أطفال العراق كانوا يتغيبون عن المدارس وخصوصا الفتيات وقد طرأ نقص ملحوظ على عدد الفتيات اللواتي يزرن المدارس، اذ يتعرضن للتهديد ولا يشعرن بالأمان أبدا ولاحظت بيلامي أنه بدأ العمل بالفصل بين البنين والبنات في المدارس كما لا تشعر المعلمات بالأمان في الذهاب إلى المدرسة. بحسب بيانات رئيسة منظمة (يونيسيف) هناك ثمانية آلاف مدرسة أي تنقص البلاد خمسة آلاف مدرسة على الأقل عدا أن مدارس العراق تفتقر إلى المستلزمات كافة ففي الكثير من المدارس التي زارتها بيلامي لم يكن فيها طاولات وكراسي للأطفال.
كذلك ساءت أوضاع المرأة العراقية وقالت بيلامي ان المرأة في العراق تتحمل الرزح الأكبر من أتعاب الحياة الفوضوية والعبثية التي تسود البلاد بعد الحرب والآن أصبحت هناك عراقيل تواجه المرأة العراقية عند سعيها الى الحصول على وظيفة عمل. وتعتبر نساء العراق بين أنشط المثقفات في العالم العربي لكن حرب الخليج العام 1991 وفترة الحصار الطويلة ثم الحرب الأخيرة أحبطت عزائم نساء العراق وتحول البلد إلى مكان للمعاناة والآلام والفقر المدقع على خريطة الشرق الأوسط.
كما قالت بيلامي إن أسوأ ما نتج عن هذه الحرب أن قوات التحالف فتحت الأبواب على مصراعيها أمام جماعات النهب والسرقة والتدمير بصورة تجعل المرء يصاب بالصدمة لهول ما واجهه العراق بعد دخول قوات الاحتلال. وكشفت أن المرء كان يتوقع قيام حال من الفوضى لكننا كنا نتوقع أن يعمل جنود الاحتلال في فرض الأمن والنظام والتعاون مع العراقيين لتسيير أمور البلد. وأضاف ماكلاهلان قائلا: ينبغي أن تدرك قوات الاحتلال أن من يحتل بلدا ينبغي عليه تحمل المسئولية نحوه والوضع الجاري في العراق يدفعنا إلى القول صراحة انه كان ينبغي التفكير بصورة أكثر جدية بجدوى هذه الحرب ونتائجها كما كان ينبغي الاستعداد بصورة أكثر جدية لمرحلة ما بعد الحرب
العدد 311 - الأحد 13 يوليو 2003م الموافق 13 جمادى الأولى 1424هـ