لست أدري كم سيكون عدد الشهداء والجرحى عندما يُنشر هذا المقال، لكن الذي أدريه أن الصهاينة لن يدخروا وسعا لفعل أي شيء لإنهاء هذه الحرب البربرية لصالحهم وبما يتفق مع أهدافهم وأهداف من يتفق معهم في تلك الأهداف.
الصهاينة وعبر تاريخهم الطويل لم يتورعوا عن ارتكاب المجازر البشعة حتى مع أنبيائهم، ولم يتورعوا - أيضا - عن الكذب والوقاحة لتبرير أعمالهم الإجرامية، وها هم اليوم يعيدون ذلك التاريخ البشع مع أبطال غزة ومواطنيها جميعا.
الصهاينة قتلوا مئات الأطفال والنساء، وهدموا دور العبادة على رؤوس من فيها، كما هدموا المدارس والجامعات والمقار الحكومية ومنازل المواطنين وسواها.
يفعلون كل ذلك بدعوى الدفاع عن أنفسهم من صواريخ حماس، وأتساءل: ما علاقة كل تلك الجرائم البشعة بحماس وصواريخها؟ إنه الحق ولا شيء سواه!
الصهاينة قتلوا الأطباء والمسعفين وقصفوا سياراتهم ليمنعوهم من تقديم المساعدة الطبية لمحتاجيها، فما علاقة هذه الجرائم بحماس؟ وأي همجية أكثر من هذه الهمجية؟ إنه العداء الأحمق ولا شيء سواه.
لا أستغرب كل ذلك من الصهاينة فهذا دأبهم، وهذا تاريخهم الأسود مع الفلسطينيين منذ النكبة وحتى الآن.
ولا أستغرب كذلك الموقف الأميركي الداعم للصهاينة فهذا ما يقومون به دائما، والكل يعرف أنهم شركاء في هذه الجريمة وفي كل جريمة ارتكبها الصهاينة بحق أبناء فلسطين أو لبنان.
لكن الذي أستغربه الموقف العربي الرسمي الذي أوغل في الصمت كما أوغل في المشاركة لأسباب أعتقد أنها خاطئة بكل المقاييس.
قبل اجتماع وزراء الخارجية سئل السيد أبوالغيط عما سيفعله الوزراء فقال: إن أهم شيء الدعوة لإعادة التهدئة، ثم استنكار ما حدث بأقسى العبارات! يا سلام... أهذا هو المطلوب لإنقاذ القتلى والجرحى؟!
واجتمع القوم... وأنكروا واستنكروا... ثم زاد حماسهم، وارتفعت وتيرة شجاعتهم فطلبوا إحالة الجراح الغزاوية إلى مجلس الأمن!
كأن القوم لا يعرفون ماذا سيجري في ذلك المجلس الذي تتحكم فيه أميركا!
أي باختصار شديد أحالوا الضحية للجلاد ليقول فيها رأيه! أحيلت القضية للمجلس الموقر... اتهم حماس أنها السبب، وأن عليها أن توقف صواريخها «عابرة القارات المدمرة» ليطمئن الصهاينة «المساكين» ثم بعد ذلك يتم الحديث عن وقف الغارات التي قام بها «المظلومون» دفاعا عن أنفسهم!
وزراء الخارجية «هددوا» مجلس الأمن بأنه إذا لم يتخذ قرارا صائبا فإنهم سيدعون إلى قمة عربية، والويل لهم عند ذلك! والآن لست أدري هل سيفعلون ذلك أم أن شجبهم السابق سيكون كافيا!
الشيء «الجيد» أنهم أوصوا بفتح معبر رفح، لكن «أبوالغيط» لم يكترث بهذه التوصية وركلها بقدمه، وهذا يؤكد أن القوم كانوا على قلب رجل واحد، وأن كلامهم «ما يخرش الميه» كما يقول إخواني في مصر!
الرئيس حسني مبارك أكد أن المعبر لن يُفتح إلا بمشاركة إسرائيلية، وكرر قوله السابق عن وجود معاهدات دولية تلزمه بذلك! أعتقد أن سيادة الرئيس لو استمع إلى رأي بعض أهل القانون الدولي من مصر وسواها لعرف أن القانون الدولي لا يلزمه بشيء مما يقول...
ولو شاهد السيد الرئيس أشلاء القتلى بالمئات، وجثث الأطفال مقطعة الأوصال، ونياح الأمهات الثكالى، وهدم المنازل على رؤوس أصحابها لما تحدث مطلقا عن أي قانون دولي ولا سواه... أي قانون يبيح هذا كله يا سيادة الرئيس؟
ولماذا تلزم نفسك وبلدك بقانون لا وجود له وأنت ترى أن أعداءك وأعداء الأمة كلها لا يتلزمون بأي شيء؟
سيدي الرئيس: أعرف أنك تختلف مع حماس كثيرا، وأعرف أن «مصطفى الفقي» قال إن مصر لا يمكن أن تقبل بإمارة إسلامية على حدودها الشرقية... ولكن أليست «حماس» وكل سكان غزة أقرب إليك من الصهاينة؟ مع أنني أعرف أنه لا يمكن مقارنة حماس وكل من معها بالصهاينة ولكني أقول هذا لأؤكد لك أن وقوفك مع أهالي غزة مطلب شعبي إسلامي ومصري، وهو فوق هذا كله مصلحة لمصر كما هو مصلحة للأمة كلها. إن مصلحة الأمة كلها - ومنها مصر - أن تفتح معبر رفع، وأن تسمح بدخول كل شيء إلى غزة، وأقول: كل شيء، وهذا واجبك أمام الله وأمام الناس... من المشين أن يبقى الغزايون دون طعام وشراب ودواء ومأوى .
أعرف جيدا أن الإخوة في مصر شعب مليء بالدين والنخوة وأنهم لن يقبلوا بما يجري في غزة، وآمل من الرئيس أن يستجيب لآمال كل العرب فيه، وأن يترك جانبا كل المطالب الصهيونية والأميركية.
الموقف العربي الرسمي كله لم يكن عند مستوى الحدث، ولا قريبا منه، وإلا كيف يقبل الرؤساء العرب بالمجازر الرهيبة التي يشاهدونها وهم لا يفعلون شيئا؟! هل الاستنكار وحده يفيد في شيء؟
إن تركيزي على مصر لأنها وحدها التي بإمكانها أن تقدم شيئا ذا قيمة حقيقية وهو فتح المعبر لتقطع الطريق على كل من يقول: إن مصر لو فتحت المعبر لفعلنا الكثير لأهالي غزة.
إن سمعة مصر الحكومية متوقفة الآن على طريقة تعاطيها مع قضية غزة، والشعوب لا ترحم ظالميها.
إن قضية غزة أكدت أن هناك بونا شاسعا بين الحكام وشعوبهم، وأن الشعوب لاتزال حية ونبحث في كل اتجاه عن طريقة يستطيعون بواسطتها أن يفعلوا أي شيء لإخوانهم في غزة.
لقد تعرض العديد منهم للسجن والضرب بسبب رغبتهم في تقديم مساعدات لإخوانهم ولكنهم ماضون في طريقهم.
إن المسئولين العرب الذين يخشون من الإرهاب عليهم أن يدركوا أن مواقفهم ومنعهم الشعوب من تقديم المساعدات لإخوانهم يزيد كثيرا من وتيرة الإرهاب في نفوس الناس فعليهم الحذر من ذلك إن كانوا جادين في البحث عن الأمن لبلادهم.
الشيء المخجل والمحزن مواقف بعض العلماء الذين يفترض فيهم الدين والفهم للإسلام ومقاصده، فقد أثبت العلماء الرسميون أنهم متخلفون عقليا ودينيا... أتحدث عمن تحدث منهم عن أهالي غزة بصورة مثيرة للاشمئزاز.
هيئة العلماء العالمية تحدثت بعد صمت طويل، وقراراتها ليست في مستوى الحدث وتسارعه، وليست في مستوى تطلعات الأمة المسلحة، ولكننا مع هذا كله نأمل منهم أن يتحركوا وبقوة لفعل شيء له قيمة، وأن يطلعوا الشعوب المسلمة على واجباتهم الشرعية تجاه إخوانهم في غزة.
إن كل ما فعله العرب حتى الآن لا قيمة له بصورة حقيقية، وأنه لابد من الضغط لتقديم عمل مفيد وأهم ذلك فتح معبر رفح وتقديم جميع الأشياء المطلوبة لأهالي غزة بما فيها السلاح.
إننا نأمل من الله أن يبارك جهود الغزاويين، وأن يثبتهم، كما نأمل من كل المسلمين أن يفعلوا كل شيء من أجلهم.
إن الحرب الإعلامية لها دور بارز في تحقيق النصر، ولهذا نرى حرص الصهاينة على تدمير قناة الأقصى وكذلك الإذاعة التابعة لحماس، كما نرى كذلك حرصهم على التعمية على خسائرهم، وهنا يبرز دور الإعلام العربي الحر الذي لا يخضع للضغوط الصهيونية. ولعلي هنا أحيي قناة الجزيرة على جهودها الهائلة في متابعة الأحداث أولا بأول، وأعزي العرب بمعظم القنوات التي استمرت في بث الفجور وكأن ما يجري في غزة لا علاقة لهم به.
وهنا - أيضا - أحيي أمير قطر على كلمته وموقفه الطيب، وأتمنى منه المزيد لتقديم كل ما يستطيعه لإخوانه في غزة، كما أنني أتعجب من موقف الرئيس الفلسطيني وبعض مستشاريه الذين يظهرون وكأن غزة ليست جزءا منهم بل عدو يتمنون زواله وينتظرون الفرصة لزوالهم ليدخلوا غزة على جثثهم.
الصهاينة حاولوا القضاء على المقاومة في لبنان ففشلوا، ويحاولون الآن القضاء على المقاومة في غزة أسأل الله أن يفشلوا كذلك.
وسؤالي: إذا كان للصهاينة مصلحة واضحة في القضاء على المقاومة فما هي مصلحة البعض في القضاء عليها؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ