العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ

اكتشفوا عاشوراء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحد المآخذ الكبرى على التسجيل التلفزيوني الذي أصدرته وزارة الداخلية مطلع شهر محرّم الحرام، وبثته وزارة الإعلام، ما تضمّنه من تعميم أريد به الإيحاء أن المتهمين كانوا يتلقون تعليمات الحرق من المآتم!

هذه الرسالة السلبية كان صداها سلبيا جدا في الشارع، ويكفي أن تطوف بالمنامة هذه الليالي لتتأكّد من ذلك. فالناس في قلب العاصمة لا تتحدّث إلاّ عن حدثين سياسيين: حصار غزة وشريط بث الاعترافات وتفسيراته، وهو عكس ما أرادته الوزارة من الابتعاد عن التسييس في موسم عاشوراء.

هناك حتما سوء فهم، إن لم يكن سوء ظن على طريقة من اتهموا المآتم قبل عامين بتخزين الأسلحة، وهم يعلمون أنهم كانوا يكذبون على الناس وعلى المسئولين في الدولة من دون حياء.

الدول الحديثة شرقا وغربا، تقيم أياما خاصة للاحتفال بتاريخها وتراثها وأمجادها وأبطالها، ومن مآثر هذا البلد أنه دأب على الاحتفال رسميا وشعبيا، على إحياء إحدى الوقائع الكبرى في التاريخ الإسلامي، وهي كربلاء. فما جرى في عاشوراء سنة 61 هـ، كان ملحمة إنسانية كبرى، أدمت قلب الأمة وألهمت الشعراء والكتاب والمفكّرين عبر القرون، ولم تحظ حادثةٌ من الاهتمام مثلما حظيت به واقعة الطفوف.

عاشوراء البحرين كان موسما لتلاقي أبناء الطوائف والمذاهب المختلفة دون عُقَدٍ ولا استعلاء، وكان المأتم رمزا بحرينيا أصيلا يضمّ الجميع في مناسبات الأفراح والأتراح. والمنبر الحسيني كان يستقطب كبار الخطباء من العراق حتى نهاية السبعينيات، حيث يهفو لسماعهم الوافدون العرب من العاملين بسلك التدريس، وهم من الطبقة الوسطى المثقفة. وكان لهؤلاء الخطباء صولاتٌ وجولاتٌ في طرح مختلف القضايا الثقافية والتاريخية، مستوحاة من كتب التاريخ والسيرة.

اليوم... هناك حالةٌ من التربص والتصيّد، مع حساسيةٍ مفرطةٍ، من طرح أي موضوع تاريخي، لأنه سيفسّر على أنه استفزازٌ لمشاعر الآخرين. فشخوص التاريخ التي يتفق الجميع على أنها غير معصومة، أصبح ممنوعا نقدُ ما قامت به من أعمال، وبالتالي عليكم أن تحفظوا عقولكم في الثلاجة، وتترحّموا على القاتل والقتيل.

مما يحسب للبحرين، أنها تطوّر طرق تعاطيها مع إحياء هذه المناسبة الدينية التاريخية، وإذا برزت بعض الأخطاء هنا وهناك، إلاّ أن الجوانب الإيجابية أكبر وأعظم. ومن الخطأ تشويه هذه المؤسسات الأهلية العريقة، والكذب عليها، أو حتى نشر فيلم متلفز لمتّهمين ترد على ألسنتهم أقوال لم يجرِ تنقيحها حفاظا على المصلحة العامة، رغم شدة الاهتمام والعناية بعملية المونتاج، حسب شهادة أحد نواب الموالاة بأنه «أفضل فيلم أنتجته الوزارة».

المنبر يستعرض وقائع التاريخ بتفاصيلها، ولا يضيره أن يتهمه البعض زورا أو توهما، بسبّ الصحابة، والتعرّض لأمهات المؤمنين (رض)، فكربلاء لم تشارك فيها أيٌ من زوجات الرسول التسع (رض)، وكان بطل المذبحة شابٌ نزِقٌ شاربٌ للخمر ومعلنٌ بالفسوق، اسمه يزيد، لم يكن صحابيا أصلا ولم يدّعِ أحدٌ أنه من التابعين.

عاشوراء البحرين اليوم ترسم آلام «غزّة» التي يحاصرها ذوو القربى، وتهتم بقضايا البيئة ومكافحة التدخين والتثقيف بالأمراض المستوطنة كالسكلر، وتنظيم حملات التبرع بالدم التي توفر ثلث مخزون بنك الدم. وتنظّم الملتقيات التي تجمع السني بالشيعي، والمسيحي بالبهري، والمواطن بالوافد، حيث يطوف شبابٌ متطوّعون بالسيّاح الأجانب ليعرّفوهم بمعالم المنامة.

عاشوراء البحرين شمعةٌ... عليكم أن تكتشفوها بدل أن ترشقوها بالخيالات وتشوّهوها بالأكاذيب

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً