العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ

الحوار هو بداية الحضارة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ما لم تتصارح الأنظمة مع شعوبها في كل صغيرة وكبيرة ستبقى مراوحة في مكانها، فالمصارحة والشفافية بلا مكياج أو رتوش من شأنها أن تصيب الهدف وتبعد عن كسر مزيد من القارورات السياسية.

ومشكلة وزاراتنا هي هروبها من المشكلات ونومها تحت اللحاف على رغم سماعها لصرخات موظفيها وما يعانونه من بيروقراطية المديرين وفساد المسئولين. ومشكلة وزاراتنا هنا أنها تعتمد منذ الصباح الباكر على قلبها النابض (العلاقات العامة)، فهذه الغرفة الضيقة تبحث يوميا كل شاردة، صغيرة أو كبيرة، تُطرح في الصحافة لا لتعرف أخطاء الوزارة، فهي مشغولة دائما في معارك الرد والدفاع المطلق والتكذيب الدائم لأي نقد يوجه إلى الوزارة، هذا إذا لم تذهب لتفتش عن ذلك الشخص الذي أخذته الجرأة لـ «تشويه» سمعة الوزارة الرشيدة والأبية والعصية على النقد والملهمة من الله والمعصومة من الخطأ.

فلم نعجب عندما أقدمت إحدى وزاراتنا على توقيف موظف طالب بإنشاء نقابة، فأوقف عن العمل وحذر من التفكير في هذا الفعل الجبان؟! هذا هو واقعنا، دائما نحن على صواب. خلق الله الوزراء من العسل وطينتهم عجنت من البقلاوة يقطرون وتقطر وزاراتهم حلاوة وسكرا وطيبا أيضا.

بهكذا روحية لن يتغير شيء كما قال نزار:

السر في مأساتنا

صراخنا أضخم من أصواتنا

وسيفنا أطول من قاماتنا

خلاصة القضية توجز في عبارة

لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية

نحن العرب أقنعنا أنفسنا بالقشور واعتمدنا على خزانات الأصباغ والتلوين ووضع الألوان على أخطائنا. نعلم أن هناك فسادا ويغضب كل وزير لو قيل له: إن في وزارتك فسادا. فهو يريد من الصحافة أن تمطر وزارته الغراء بالقبلات وألا يتكلم عنها أحد إلا على وضوء. ولم نرَ يوما وزيرا واحدا خرج على الناس ليقول: «أعزائي المواطنين أعترف بخطئي»، على رغم أننا نرى في التاريخ كيف كان الخلفاء يرددون «من رأى فيّ إعوجاجا فليقومه».

لهذا نقول: علينا أن نتحاور ونناقش ونغربل أخطاءنا حتى نكتشف الصواب.

كان أرسطو (300 سنة قبل الميلاد) يقول: «الحوار هو بداية الحضارة». لكننا تعودنا على تلميع الشوارب والرقص في هذا «الكباريه» السياسي الكبير. ويسأل البعض: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، كما جاء عنوان كتاب «شكيب أرسلان»؟ الإجابة لا تحتاج إلى تعقيد... لأن أنظمتنا يضيق صدرها من النقد وترى في كل مساءلة «خيانة» و«مؤامرة» و«استهدافا» و«استغلالا»، في حين نرى كيف تحول الفساد إلى طاعون لم يترك شيئا.

الصراحة هي التي تقرب المسافات بين البشر، والدعايات والاعتماد الدائم على طبول الصحافة وكروش المتنفذين لا يغيران شيئا.

الحضارة تبنى بالعقول وليس بالكروش، والديمقراطية تحيا بالنقد والمراقبة وليس بالتزمير وإلا سنكتشف بعد 50 عاما أخرى أننا مازلنا نراوح في المكان ذاته... ابتدأت مصر مع اليابان في لحظة واحدة لبناء النهضة، فأين هي مصر وأين هي اليابان؟ أين نحن من سنغافورة؟ أين نحن من ماليزيا؟ وأين نحن من آخرين وآخرين؟

قد أقنعنا أنفسنا بأن نتعاطى مع مواطن صامت من دون أن يكون له رأي ويبقى متسمرا أمام كل مفصل سياسي كصورة الموناليزا، مبروزا معلقا من رقبته على حائط متحف... لا يسمع، لا يرى، لا يتكلم.

شعوب العالم العربي غرقت سريعا في قاع محيط الفقر بأسرع من غرق «التايتنك» وكرامتها تتحقق عندما نشعرها بكرامتها ويكون توافق الجميع على ذلك، وإلا فكلنا لا نستحق الحرية كما قال الكواكبي في كتابه الشهير «طبائع الاستبداد»: «الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً