العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ

معلومات خاطئة للاستخبارات الأميركية والبريطانية لتبرير الحرب على العراق

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

العرض الذي طرحه السياسي الاميركي ليبرمان في «واشنطن بوست» يتحدث عن الخطوات التي على بوش اتخاذها فورا في العراق، وفي طليعتها إرسال قوات وموارد إضافية إلى العراق، والطلب من حلف شمال الأطلسي أن يتولى حفظ السلام في العراق، لأن بعض دول الحلف لن تقبل بالانضمام إلى قوات حفظ السلام في حال كانت القيادة في يد الولايات المتحدة. كما اقترح ليبرمان، أن تضع الولايات المتحدة، فورا، خطة وجدولا زمنيا لإنشاء حكومة عراقية انتقالية تركز على مستقبل العراق السياسي، إلى جانب تسليم إدارة القطاع النفطي إلى العراقيين. إلى جانب ذلك طالب ليبرمان، الولايات المتحدة العمل جنبا إلى جنب مع الشعب العراقي والأمم المتحدة لوضع نظام عادل وفعال لمحاكمة صدام وأتباعه، كي يرى العالم العربي على وجه الخصوص ان الولايات المتحدة تؤمن بالعدالة وليس فقط بالاقتصاص من المجرمين. واختتم ليبرمان مقاله بالقول انه على عكس أعضاء حزبه الذين يستمرون في التشكيك في ذرائع الحرب على العراق، لم ولن يتردد لحظة في تأكيد صوابية تلك الحرب.

من جانبه دانييل ماك غوري في «تايمز» البريطانية تحدث عن الانتهاكات الانسانية التي يمارسها جيش الاحتلال الأميركي تجاه العراقيين. وأوضح كاتب المقال ان الأسابيع الماضية شهدت ظهور تقارير متزايدة عن دخول دوريات أميركية إلى بيوت العراقيين ليلا لأخذ رجال ونساء لا بل وأطفال عراقيين، إضافة إلى قيام هذه الدوريات باختطاف عراقيين من الطريق وأخذهم معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي إلى معسكرات اعتقال أقيمت في محيط العاصمة العراقية. وأضاف ماك غوري، ان كثرا هم من يزعمون ان من بين الذين تم القبض عليهم أطفال لا تتعدى أعمار بعضهم الحادية عشرة تم احتجازهم لمدة أربع وعشرين ساعة داخل غرف ينعدم فيها النور على ان بعضهم حشر في خيام مزدحمة تحت حرارة تقارب الخمسين درجة. ولفت ماك غوري، إلى ان القادة العسكريين الأميركيين أقاموا خيما في محيط مطار بغداد الدولي، تشبهها جماعات حقوق الإنسان بمعسكر خليج غوانتنامو في كوبا الذي تحتجز فيه الولايات المتحدة مئات ممن تقول انهم عناصر من تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» الأفغانية. وأضاف الكاتب البريطاني، ان ما يثير الانتباه هو ان الأميركيين أقاموا معسكر اعتقال في سجن أبو غريب الشهير غرب بغداد، وهو السجن الذي أدخلت إليه عدة آلاف من العراقيين في سنوات حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ولم يظهر لهم أثر منذ ذلك الحين.

كما شغلت الصحف الأميركية والبريطانية، أزمة الثقة بالحكومتين الأميركية والبريطانية، بعد ما يسميه البعض «الهفوات» في المعلومات الاستخبارية، أو بعبارة أوضح تلفيق الحكومتين تهمة امتلاك أسلحة دمار شامل للعراق لتبرير حرب التدمير وانتهاك سيادة هذه الدولة لاسيما بعد أن تراجع البيت الأبيض عن زعمه بأن العراق حاول الحصول على مواد نووية من افريقيا. فللمرة الأولى منذ الحرب على العراق، أقر البيت الأبيض بأن حديث الرئيس الأميركي في خطابه عن «حال الاتحاد» في يناير/كانون الثاني عن سعي العراق إلى شراء يورانيوم من النيجر استند إلى معلومات خاطئة. الأمر الذي أذكى الجدل المحتدم في شأن ما إذا كانت الحكومتان البريطانية والأميركية استخدمتا معلومات خاطئة للاستخبارات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق لتبرير الحرب على هذا البلد. ذلك على رغم مواصلة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، دفاعه عن صحة المعلومات التي عرضها أمام مجلس العموم البريطاني، وتمسكه بأن هذه الأسلحة كانت السبب الرئيسي لشن الحرب.

أما المثير فهو مقال نشرته «واشنطن بوست»، كتبه جوزيف ويلسون (سفير أميركي سابق لدى الغابون 1992) أكد فيه ان تحقيقاته عن صفقة يورانيوم للعراق من النيجر أثبتت ألا وجود لمثل هذه الصفقة، وعلى رغم انه كشف ألا وجود لتقارير مكتوبة عن مهمتّه أكد ان ثمة أربع وثائق على الأقل في أرشيف الادارة الأميركية تؤكد قيامه بهذه المهمة. وتساءل ويلسون في مستهل مقاله هل تلاعبت إدارة الرئيس بوش بالمعلومات الاستخبارية عن برنامج أسلحة الرئيس العراقي لتبرير اجتياح القوات الأميركية أرض العراق؟ وأجاب استنادا إلى خبرته مع الإدارة الأميركية في الأشهر التي سبقت الحرب على العراق، بأنه تم التلاعب فعلا ببعض المعلومات الاستخبارية للمبالغة في مدى التهديد الذي تشكله الأسلحة العراقية. وكشف انه في فبراير/ شباط 2002، طلب إليه نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، أن يتحقق من تقرير الاستخبارات الإفريقية عن اتفاق بيع النيجر كميات من اليورانيوم إلى العراق، في نهاية التسعينات، كما طلب إليه مقابلة المسئولين في النيجر. واتضح لويلسون، من لقاءاته المسئولين النيجريين ألا وجود لأية صفقة بين العراق والنيجر لشراء اليورانيوم. وأوضح ان الاتحاد المالي النيجيري، الذي تشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يدير مناجم اليورانيوم في النيجر بالتعاون مع شركات فرنسية وإسبانية ويابانية وألمانية ونروجية، لذلك كان من الصعب جدا نقل اليورانيوم إلى العراق، لأنه في حال رغبت الحكومة في نقل اليورانيوم من أحد المناجم، عليها أن تطلع الاتحاد المالي على ذلك. وأضاف ويلسون، ان عملية بيع اليورانيوم في النيجر، تستوجب موافقة وزارة المناجم ورئيس الوزراء وحتى رئيس الجمهورية. وقال انه قبل مغادرته البلاد، أطلع السفير الأميركي في النيجر على النتائج التي توصّل إليها، وعند وصوله إلى الولايات المتحدة، أطلع وكالة الاستخبارات على تفصيلات رحلته. وعلى رغم انه كشف ألا وجود لتقارير مكتوبة عن مهمته أكد ان ثمة أربع وثائق على الأقل في الأرشيف تؤكد قيامه بهذه المهمة. واستغرب ويلسون، حديث بريطانيا والولايات المتحدة، عن صفقة لبيع اليورانيوم بين النيجر والعراق، مشيرا إلى ان احتمال أن تكون الإدارة الأميركية تجاهلت نتائج رحلته إلى النيجر لأنها غير دقيقة، احتمال مقبول بالنسبة إليه. إلا انه قال في حال ان هذه الإدارة تتجاهل نتائج رحلته بهدف إرضاء بعض الأهواء، فذلك يعني ان الحرب شنّت على العراق وفقا لادعاءات خاطئة. وشدد ويلسون على انه كان يجدر بالكونغرس الذي أعطى الموافقة على استعمال القوة العسكرية في حرب العراق، أن يتحقق بنفسه من صحة هذه المعلومات. وإذ أقر ويلسون بالمخاطر التي يشكلها الرئيس العراقي وأسلحته الكيماوية التي يملكها وتخرق قرارات الأمم المتحدة، تساءل عما إذا كانت المخاطر هي نفسها التي تحدثت عنها الإدارة الأميركية التي جعلت منها سببا رئيسيا لشنها الحرب على العراق. وختم بالقول انه لابد من أن يكون خيار الحرب آخر خيار للديمقراطية. مضيفا انه بعد مقتل أكثر من 200 جندي أميركي في العراق حتى الآن، لابد من أن تتأكد الولايات المتحدة من ان التضحية بجنودها جاءت لأسباب صحيحة ومنطقية.

من جانبه، لفت هيوغو يونغ في «الغارديان» البريطانية في مقال تحت عنوان «طاقة بلير بدأت في النفاذ وآن الأوان لرحيله» إلى ان رئيس الوزراء البريطاني يواجه أسوأ أزمة صدقية منذ أن شغل منصب رئاسة الوزراء، وذلك على جبهتين: الأولى، جبهة خلافه مع شبكة «بي.بي.سي» البريطانية. والثانية، قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية. واعتبر يونغ، ان الأزمة التي يواجهها بلير، هي أزمة وجود يواجهها رجل دولة يحتاج -على حد قوله - إلى مواجهة حقيقة لا تخطر ببال أحد ألا وهي انه أطال البقاء في منصبه. وأوضح يونغ، ان بقاء أي رجل دولة في منصبه أكثر من ولايتين يؤدي إلى استنفاد قواه ويقلل من إمكان الاستفادة من وجوده في ذلك المنصب. مشيرا إلى ان الأمر نفسه ينطبق على بلير. وتابع يونغ، أن عددا كبيرا من البريطانيين سيفرحون إذا رحل بلير، مشيرا إلى ان ما سيدفعهم إلى ذلك هو إيمان بلير الأعمى بكل ما يقوله بوش الابن، وظهوره بمظهر التابع السياسي له. وأضاف ان السبب الرئيسي الذي يدعو البريطانيين إلى الرغبة في رحيل بلير، هو من دون شك الحاجة الملحة إلى إحياء موقع الحكومة البريطانية عبر ترحيل هذه الحكومة العقيمة والناكرة للجميل. وختم بالقول ان بلير استنفد قواه في المشكلات الكثيرة التي واجهها منذ أن دخل للمرة الأولى إلى مكتب رئاسة الوزراء البريطاني لذلك عليه أن يعطي لغيره فرصة المحاولة.

لكن نيكولاس كريستوف في «نيويورك تايمز»، أجرى في مقال بعنوان «نحن نثق ببلير» مقارنة بين الرئيس الأميركي، ورئيس الوزراء البريطاني. واستهل مقاله بالقول ان أسوأ نتائج الحرب على العراق، هي احتمال أن تقضي على طوني بلير حتى قبل القضاء على صدام حسين. وأشار كريستوف إلى ان استطلاعا للرأي أجراه مركز بيو الأميركي للأبحاث أظهر ان 83 في المئة من الأميركيين يحترمون بلير، وان بوش يأتي في المرتبة الثانية بعده. واللافت في الأمر - على حد قول كريستوف - ان الرجلين بالغا بالقدر نفسه في الحديث عن ذرائع الحرب على العراق، وانهما اتخذا المواقف نفسها خلال السنتين الأخيرتين إلا ان بلير مازال يعتبر رجل الدولة الرائد في العالم بينما يُنظر إلى بوش على انه «راعي بقر بليد». وعزا كريستوف انخفاض التأييد لبوش في العالم لصالح بلير، إلى مسألة الوضوح التي يركز عليها بوش في كل تصريحاته وخطاباته، إلى حد تبدو كل المسائل واضحة كعين الشمس. أما بلير، فهو يدرك تماما تعقيدات بعض الموضوعات ومن بينها الموضوع العراقي. ولفت كريستوف إلى ان بلير وبوش يختلفان أيضا في ما يتعلق بمعارضيهما. فبوش يقلل من شأن معارضيه بينما بلير يحاول دائما تأكيد ان احتمال المعارضة قائم. وأورد في هذا السياق تصريحا لبلير في مؤتمر صحافي مشترك مع بوش، في كمب ديفيد في بداية الحرب يقول فيه انه من المؤكد ان ثمة دولا تعارض الولايات المتحدة وبريطانيا، في قرارهما بشأن الحرب وألا مفر من إنكار ذلك لأنه من الطبيعي ألا تتفق الدول كلها على مسألة واحدة. أما بوش، فقال في المؤتمر نفسه، إن الولايات المتحدة وبريطانيا أنشأتا ائتلافا واسعا وانه سعيد بحجم هذا الائتلاف. وأضاف كريستوف، ان بوش رفض مناقشة الاعتراضات على الحرب مع رئيس مجلس الكنائس الأميركية وحتى مع رئيس الكنيسة التي ينتمي إليها بوش، أي «البروتستانتية المنهجية». أما بلير، فلفت كريستوف، إلى انه ناقش مع البابا يوحنا بولس الثاني، ومع رئيس أساقفة كانتبري، موقفيهما من الحرب. وختم بالقول ان بوش يبدو شخصا مثاليا لا يهتم بالتفاصيل، أما بلير، فهو يهتم بالمثاليات ولكنه لا يعتبر نفسه مثاليا

العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً