عاد امس الشيخ عبدالأمير الجمري إلى أرض الوطن بعد رحلة علاج مريرة بدأت في مطلع العام الماضي ثم انتقل بعد ذلك إلى ألمانيا في منتصف مايو/أيار 2002 ليصاب بعدة انتكاسات عكست ما عاناه خلال سنوات من النضال الوطني من أجل حياة أفضل للجميع. ففي فترة امتدت قرابة عشرين عاما (حتى2001) رابطت سيارات الأمن والمخابرات حول منزله ولاحقته اينما ذهب واحتجزته منزليا ثم اعتقلته في العام 1995 ليخرج ويعود إلى السجن الانفرادي ثم المعاناة والمحاكمة ليخرج في منتصف العام 1999وهو منهك القوى. ومنذ خروجه من السجن دخل الى المستشفى العسكري بعد اصابته بجلطة في القلب ثم تلاحقت الانتكاسات الصحية عليه الواحدة تلو الاخرى.
الشيخ عبدالأمير الجمري ليس صاحب نظرية خاصة وليس لديه كتاب يبشر بشيء لم تعهده البشرية من قبل. لقد كان انسانا عاديا يعيش مع الناس «العاديين» يتحسس آلامهم وينطلق لمواساتهم وحل مشكلاتهم، فـ «الخلق عيال الله، وأحبهم لله أنفعهم لعياله».
عندما ضاقت عليه الأجواء بسبب منعه من السفر طلب السماح له بالسفر إلى سورية (السيدة زينب) في العام 1987، والتقى به أحد المسئولين ليسأله اذا كان سيلتقي بالناس وعلماء الدين هناك. وكان جوابه واضحا من دون لف ودوران «هذا أمر طبيعي ولو أخبرتك بأي شيء آخر فإنه سيكون خارجا عن الصدق... أجل سألتقي بجميع من أعرفهم ويعرفونني». لم يُسمح له بزيارة سورية آنذاك وبدلا عن ذلك ذهب إلى مصر في فترة وجيزة ليعود إلى البحرين وتبدأ معها مرحلة عسيرة استمرت في التصاعد حتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2002 عندما رُفع الحصار المنزلي عنه وسُمح لغير أفراد عائلته بالاقتراب منه.
دخل السجن مع أصحابه في العام 1995 وخرج بعد اتفاق أبرم مع القيادة الأمنية يتضمن عودة الهدوء والاستقرار مقابل إطلاق سراح جميع المعتقلين، ثم معالجة آثار الأزمة، وتعزيز العلاقة الطيبة بين الشعب والحكومة وتصحيح العلاقة بين المعارضة في الخارج والحكومة.
الاتفاق لم يتم الالتزام به، بل تم إنكار وجوده وعاد إلى السجن ليُحتجز في زنزانة انفرادية لأكثر من تسعة شهور متواصلة لم يكن يرى أحدا سوى الذين حققوا معه وأساءوا معاملته. وبعد الزنزانة الانفرادية سُمح له بالانتقال لزنزانة مع سجين آخر ولكن مع وجود أنواع أخرى من المضايقات تسببت في تدهور حالته الصحية بحيث نقل عدة مرات اثناء وجوده داخل المعتقل، وثم أصيب بجلطات متتالية بعد خروجه.
كان سعيدا جدا عندما شاهد أبناءه (جميع أبناء البحرين) يخرجون من السجن ويعودون من المنافي ولذلك سعى بكل ما تبقى لديه من صحة جسدية إلى توحيد الصفوف للخروج من آثار الأزمة. ولكن الزمن له أثره وبالتالي لم يكمل العام 2001 ويدخل العام 2002 إلا وكانت أوضاعه الصحية تنتكس يوما بعد يوم وعلى رغم الطلب المتكرر من جميع المحيطين به من أعضاء مكتبه وأفراد أسرته للتقليل من نشاطه والابتعاد عن الساحة بعد أن ضحى بما لديه من امكانات، إلا انه كان يصر على البقاء في قلب الحدث.
غادرنا أكثر من عام ليعود مرة أخرى والبحرين تغيرت كثيرا خلال الاشهر الماضية، إلا ان أهل البحرين الذين أحبهم لم يتغيروا، فأصالتهم خالدة بخلود الزمان، وقلوبهم متآلفة ومتقاربة على رغم الظروف والصعوبات. ودعوة الشيخ الجمري «للتعاون على البر والتقوى» قائمة ولها من الأنصار كثير وهم الذين استطاعوا بجهودهم وتضحياتهم الدفع باتجاه الاصلاح السياسي.
وهذه الدعوة الخيرة تجدها في خطابات الشيخ الجمري إذ يقول في خطبة ألقاها في 13 اكتوبر/ تشرين الأول 1995 «أؤكد ان التعاون بين الحكومة والشعب يكسب الأمة، حكومة وشعبا، القوة والمنعة، ويجنبها الويلات، وينهض باقتصادها، ويحمي قيمها وثقافاتها، ويحقق لها النمو في كل مجالات حياتها، وذلك عندما يكون هذا التعاون معتمدا في وجوده وتفعيله على صلاح وحسن النية، وعلى الصدق والجدية من كل من الحكومة والشعب»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ