كل يوم يمر على الإنسان يكتشف فيه ما لا يخطر على البال، فخلال الثلاثة الأشهر الماضية التي تعاملت فيها مع مختلف الأجناس من أصحاب القضايا التي تتبع وزارات الخدمات وغيرها من المشكلات الملحة، باعتباري مشرفا على صفحة «كشكول» تعرفت على أكثر من طبع من طباع البشر، فهناك حسن النية وفي المقابل سيئ النية، وهناك المشاكس يقابله الهادئ، وهناك العجول بجانب الصبور... وجميع هؤلاء تعرضت معهم لمواقف بعضها طريف والبعض الآخر لا أحسد عليه.
بين من يكتب الصفحات الطوال حتى لأحير كيف سأنشر في مساحتي المحدودة كل هذا الكم الهائل من الكلام، وبين من يريدني أن أكتب عنه مشكلته، أسرد لكم هذه الطرف...
- اتصل شخص يشتكي من مشكلة تخص جهة رسمية فطلبت منه كتابة رسالة لنشرها، أجابني: «ليس لديّ وقت لذلك، وما معنى وجودك في الصحيفة؟!».
وآخر لديه مشكلات ولكنه ـ كان الله في عونه ـ لا يفقه كيف يوصل رسالته إلى الصحيفة إذ ليست له أية علاقة بشيء اسمه بريد عادي أو إلكتروني أو فاكس، فقط يتصل هاتفيا أو يحضر شخصيا ويريد أن يرى مشكلته معروضة، وإذا كان لا يقرأ فهو يريد أن يرى صورته ليتأكد أنه تم نشر موضوعه، وجميع الاعتبارات المهنية ملغية بالنسبة إليه فهو لا يقبل أي مبرر لعدم النشر، أما حين يتكرّم علينا البعض برسالة فهو يملؤها في وجه وظهر الورقة ليجعلك تندم أنك طلبت منه كتابة رسالة!
والأغرب أن إحدى القارئات لا تريد أن تستخدم أيا من الوسائل التي تستخدم لإرسال رسالتها ولا تريد أن تأتي إلى الصحيفة، تريد أن يزورها أي صحافي لتملي عليه ما تريد قوله، وحينما طلبت منها الانتظار حتى تسنح الفرصة، ردت بأن موضوعها لا يحتمل التأجيل، فطلبت منها الاتصال مرة ثانية فرفضت ذلك لأن هاتفها النقال «سمسم»، لتبدأ حكاياتي مع الهواتف...
هناك بعض القراء من يتصل كثيرا وكأنه يتابع بذلك أخبار الـ «بي بي سي»، وهناك من «يضرب رنة» واحدة فقط على هاتفي النقال ليعرف آخر الأخبار الخاصة بموضوعه؟!
فمشكلة أحدهم زيادة على مشكلته أن هاتفه الخاص «سمسم». فهو كلما أراد الاستفسار عن موضوعه «يضرب رنة» ثم يقفل الهاتف، ولا يهم ما إذا كنت موجودا في الصحيفة أو خارجها، فهو يريد جوابا فوريا بعد «الرنة» مباشرة، وقس على ذلك الكثير.
بعض المراجعين يتحدث عبر الهاتف لمدة نصف ساعة من دون أن يدع لي مجالا للرد أو الاستفسار، ثم يطالب بنشر ما قاله وفي الحال، وإلا فإننا لسنا متعاونين معه.
والآخر يكتب مقالا وقبل أن يبعثه يتصل ليخبرنا بأنه سيرسل المقال، ثم يتصل مرة أخرى ليعلمنا أنه أرسله، ثم يتصل مرة ثالثة ليستفسر عن وصوله، ثم يتصل مرة رابعة ليتأكد ما إذا كان صالحا للنشر ومتى سينشر، واتصال آخر يسأل فيه ماذا يكتب في المرة المقبلة؟!
قد نعذر البعض حين يجهل أن لنشر الموضوعات في الصحف آلية يتحرك على ضوئها، وظروفا تحكم محرر الصفحة قد تكون خارجة عن إرادته.
فمثلا، بعض القراء حين لا يجد تجاوبا مع رسالته يرسلها لتنشر ثانية، غير معترف بأن الرسالة التي تنشر لا يصح نشرها مرة أخرى، ناسيا أن هناك من يتخذ صفة «المفتش والمدقق اللغوي» على الصحيفة باحثا عن خطأ عابر أو غير مقصود لينطلق متحدثا على الملأ ويبدأ في نشر ذلك على الإنترنت أو يرسل «المسجات» والفاكسات، وكأنه اكتشف «مقابر جماعية»!
... وغدا نستكمل الحديث
العدد 309 - الجمعة 11 يوليو 2003م الموافق 11 جمادى الأولى 1424هـ