تلك حقيقة أثبتها تاريخ الانقلابات في العالم العربي «إن ما جمعته نملة الديمقراطية في عقود طويلة أخذه خف جمل العسكرية في دقيقة»، وان ما تقوم به الشعوب سنين من التضحيات قد يذوب في لحظة إذا هي لم تحسن التصرف في انتهاز الفرص واللعب سياسيا بطريقة واعية ذكية بعيدا عن لغة الصراخ والبكاء على اللبن المسكوب أو الالتهاء بتفسيرات الألفاظ.

هناك فرق بين أن تكون لاعبا سياسيا تمارس فن الممكن ببراغماتية إيجابية، وبين أن تكون مؤدلجا إلى حد النخاع فتبيع الناس وهم الانتصار ووهم الحرية. فرق بين أن تكون شاعرا سياسيا وبين أن تكون حصيفا سياسيا. الناس لا تبحث عن شعارات... تريد إنتاجا على الأرض... ترافعا عن آلامها بواقعية وكيف تحقق لها المكاسب بأقل الخسائر.

لذلك إن أردنا للأمة واقعا حقيقيا يجب أن يُركز على ثلاث:

1- المؤسسات.

2- الأفكار.

3- الأشخاص.

ويجب مراجعة طبيعة الخطاب وأسلوب الأداء ليتم الإمساك بالقضايا الجوهرية للأمة بدلا من الجدل على صلعة لينين أو العبث بلحية ماركس أو قضية خلق القرآن والناس تريد حلا لمشكلاتها.

إن تصلب شرايين الخطاب ما عاد يجدي، قد نبدو طرزانيين أكثر من اللازم، نصرخ في وجوه بعضنا ونستعرض كديك منفوش الريش لكنا لا نستثمر ذلك في السياسة لمسألة بسيطة أن بين الشجاعة والتهور وبين النصر والهزيمة خيطا دقيقا إذا لم نره جيدا قد نسقط في الدائرة الخطأ فنكون كعنترة الصحاف إذ كان يسقط في اللحظة الواحدة عبر الكلام فقط مئة دبابة و20 طائرة.

يجب أن نكتشف الخطأ لكي نربح النتائج، وأكثر ما أعجبني في كتاب هتلر «كفاحي» وصيته لنا نحن معاشر الشباب إذ أوصى «بعدم تدخل الشاب في السياسة وفي القضايا الحساسة منها حتى يبلغ الثلاثين حيث النضج»... كي لا نورط الناس بحماسة آثر عليها علي (ع) رأي الشيخ ذي الخبرة عندما قال: «رأي الشيخ ولا جلد الغلام». لذلك نجد خطابنا مازال قاصرا عن استيعاب حتى الشباب.

ومشكلة خطابنا أنه إلى الآن لم يستطع أن يدرك كيف يعالج الأمور برقمية وعلمية وواقعية، ولا أن يدرك قوتك وقدرتك وذكاءك في أن تقنع مهووسا بكرة القدم بأن قضية الشرق الأوسط أهم من رونالدو ومارادونا! ومشكلة خطابنا أنه لا يراعي تبدل الزمان كما ألمح إليه علي (ع) في نهج البلاغة وهذه أزمة الحكومات والحركات.

فمن منا أقنع شابا يحب سباق الخيل بأن قراءة ديوان شعر رابعة العدوية يزيده ثقافة؟... المشكلة تكمن في القطيعة المتفاقمة مع شبابنا من دون أن نشعر بها.

هل أقنعت وزارة الصحة آلاف المدخنين بأن يطفئوا سيجاراتهم على رغم عباراتها الخالدة «إن التدخين مضر جدا بالصحة»؟

مشكلتنا أننا نوجه موجة إرسال لا يلتقطها الآخرون... خطابنا مازال قديما ومناهجنا التعليمية مازالت ببغائية ومازالت هموم خطابنا في وادٍ وهموم الناس في وادٍ آخر والتجارة الشخصانية خربت الكثير والإقصاء وتكسير الآخر وفوضوية وبعثرة الأجندة صنعت لنا ألف هزيمة وهزيمة وعلى رغم كل ذلك مازالت الحكومات والحركات تردد أمام أية هزيمة محلية أو دولية «لقد انتصرنا فليخسأ الخاسئون»، وهكذا نكرر يوميا سمفونيات «أم المعارك» حتى بعد سقوط بغداد عاصمة الرشيد. والسيناريو يتكرر يوميا في حياتنا بأشكال مختلفة