العدد 308 - الخميس 10 يوليو 2003م الموافق 10 جمادى الأولى 1424هـ

فرق المعتزلة: أصول الأقوال الثلاثة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين انزوى واصل بن عطاء تاركا مجلس شيخه الحسن البصري (توفي في البصرة سنة 110 هـ - 728م) ليقعد في زاوية أخرى من المسجد لم يدرك أن حركته تلك ستطلق فرقة إسلامية (كلامية) سيكون لها أثرها الكبير في حياة المسلمين وتحديدا في الفترة الأولى من الدولة العباسية. فتلك الحركة تحصل يوميا ويكررها ملايين الناس إلا أن وقعها آنذاك جاء في ظروف موضوعية أعطتها الكثير من المعاني والدلالات الرمزية وتحولت مع الأيام الى مدرسة فكرية طرحت تحديات كبرى على فقهاء وعلماء وقضاة وأئمة طاولت أحيانا الذات الإلهية وصفاتها وقدراتها. كان على علماء الأمة الإجابة عن الأسئلة والرد على التحديات (الاستفزازية) الفكرية، وهذا ما حدث. وما حدث كان له وقعه الكبير في التاريخ الإسلامي، إذ تأسست في فضاءاته المذاهب والطرق والمدارس والاجتهادات. لم تكن المعتزلة هي الفرقة الأولى إلا أنها الأكثر تأثيرا في إثارة سلسلة نقاشات وسجالات في المئة الثانية للهجرة.

قبل المعتزلة شهدت الأمة الكثير من الانشقاقات والاختراقات والخلافات إلا انها في معظم الحالات كانت أقرب الى الفرق السياسة لا الكلامية. وكانت تطرح برامج عمل، تبدأ بالصراع على الإمامة والخلافة ولم تتناول إلا بحدود نسبية قضايا الفكر والفقه والالتزام.

قلبت المعتزلة المعادلة فانتقل محور الصراع من قضايا السياسية إلى القضايا الفكر. ولم تعد الإمامة محور النقاش بل تعدت هذه المسألة لتشمل الكثير من النقاط الحساسة التي تتناول الصفات وصولا الى السؤال: من هو الصانع؟

حركة واصل بن عطاء وانتقاله من زاوية الى زاوية لم تكن هي المهمة، فهي جاءت نتاجا لتراكم من الصراعات السياسية والانقسامات والانشقاقات أعطت لتلك الحركة بعديها الزمني والموضوعي. وواصل لم يخترع أفكاره وإنما أعاد نظم كلام غيره وأدرجه في سياق منهجي. والواصلية في النهاية نتاج فترة تاريخية فكرية وسياسية. وأفكارها لها أصول سابقة على ظهورها العلني.

بدأت حركة واصل في زمن خروج الأزارقة وهي الفرقة الأكثر تطرفا من فرق الخوارج وجاءت على رأس تيار ورث أقوال معبد الجُهني وغيلان الدمشقي. آنذاك اختلف الناس في «أصحاب الذنوب» على خمس فرق، وكما يقول البغدادي في كتاب «الفرق» كان الخلاف على أشده، فهناك، فرقة الأزارقة تقول إن كل مرتكب لذنب صغير أو كبير مشرك بالله، وقالت إن أطفال المشركين مشركون. وذهبت فرقة خوارج الصفرية مذهب الأزارقة وخالفتها في مسألة قتل الأطفال. وقالت فرقة النجدات من الخوارج إن صاحب الذنب الذي اجمعت الأمة على تحريمه كافر مشرك. وصاحب الذنب الذي اختلفت الأمة فيه حكم على اجتهاد أهل الفقه، وعذرت مرتكب ما لا يعلم تحريمه بجهالة تحريمه الى ان تقوم الحجة عليه. وقالت فرقة الأباضية (وهي المعتدلة من الخوارج) إن مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة، وليس بكافر كفر شرك. وزعمت فرقة خامسة آنذاك ان صاحب الكبيرة من الأمة منافق، والمنافق شرٌ من الكافر المظهر لكفره.

آنذاك كان علماء الأمة التابعون، على حد قول البغدادي، يقولون إن صاحب الكبيرة مؤمن لما فيه من معرفته بالرسل والكتب المنزلة ولمعرفته بأن كل ما جاء من عند الله حق ولكنه فاسق بكبيرته، وفسقه لا ينفي عنه اسم الايمان والاسلام. وعلى القول الأخير كما يقول البغداي، مضى سلف الأمة من الصحابة وأعلام التابعين.

في هذه المسألة (وهي الأولى) خالف واصل بن عطاء الجميع في «أصحاب الذنوب» على الوجوه الخمسة، وقال: «إن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر»، فجعل الفسق «منزلة بين المنزلتين».

وفي المسألة الثانية (القُدرة) أظهر واصل لاحقا انحيازه الى قول القُدرية على رأي معبد الجُهني فقال الناس عنه «إنه قُدَرِيٌّ» فلقبت المعتزلة بالقدرية. وهناك من نسب واصل الى الخوارج (وهذا غير صحيح) حين رأى لأهل الذنوب «الخلود في النار» من دون أن يسميهم كفرة. وأطلق البعض على المعتزلة أسماء متفرقة منها تسمية أطلقها عليهم اسحق بن سويد العدري فلقبهم بـ «مخانيث الخوارج».

المسألة الثالثة التي خالف فيها واصل أهل زمانه، تعلقت بالإمامة حين وجدهم مختلفين في ولاية الإمام علي وأصحابه (رض) وفي طلحة والزبير وعائشة (رض) وسائر أصحاب يوم الجمل.

الخوارج على حدّ قول البغدادي، كفرت طلحة والزبير وعائشة (رض) لقتالهم في يوم الجمل، وان الإمام علي (رض) كان على الحق الى وقت التحكيم فكفرته لقبوله التحكيم وحكم الحكمين. بينما قال أهل السنة بصحة اسلام الفريقين في حرب الجمل وان عليا (رض) كان على حق لقتالهم وأجازوا الحكم بشهادة عدلين من كل فرقة من الفريقين. وخرج واصل على قول الفريقين وقال: إن فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم، وانه لا يعرف الفسقة منهما، وأجاز ان يكون الفسقة من الفريقين. (راجع البغدادي، الفرق بين الفرق، صفحات 96 الى 100).

وعلى إثر هذا القول (المخالفة في الأقوال الثلاثة) طرد الشيخ حسن البصري ابن عطاء من مجلسه فاعتزل واصل عند سارية من سواري مسجد البصرة، وانضم اليه (صهره) عمرو بن عبيد بن باب، فقال الناس: إنهما اعتزلا قول الأمة، وسمي اتباعهما بالمعتزلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 308 - الخميس 10 يوليو 2003م الموافق 10 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً