التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن التنمية في الدول العربية مجتمعة (أكثر من 300 مليون نسمة) ليست مشجعة. فالناتج القومي العربي (مجموع الناتج من جميع الدول العربية) قدّره برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة بـ 530 مليار دولار في السنة، وهو أقل من الناتج القومي لدولة أوروبية متوسطة مثل اسبانيا التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة ولكن ناتجها القومي يزيد على 800 مليار دولار.
وتقدر الأمم المتحدة بأن عدد العاطلين في البلاد العربية يتراوح بين 14 و20 مليون شخص، وبينما يزداد عدد السكان في الدول العربية بمعدل 3,5 في المئة سنويا فإن الناتج القومي يزيد فقط بمعدل نصف نقطة في المئة، بمعنى آخر فإن انخفاض الثروة يزداد سنويا بمعدل 3 في المئة، وعلى أساس ذلك يزداد عدد الفقراء وعدد العاطلين بهذه الدرجة أو أكثر، إذا أخذنا في الاعتبار ان الثروة ليست موزعة توزيعا عادلا، ما يعني ان هناك اشخاصا لديهم دخل بمعدل دولارين في اليوم (وهم بالملايين) بينما هناك من لديهم دخل بمعدل ألفي دولار في اليوم وهم الأقلية التي تمتلك نفوذا في الدوائر القريبة من السلطة.
تقرير الأمم المتحدة يتحدث عن عدة عوامل تؤخر التقدم في البلاد العربية منها انعدام الحريات العامة والديمقراطية، وتحقير دور المرأة في عملية التنمية وعدم وجود برامج استثمارية في تدريب وتطوير الموارد البشرية. والإشكالية التي يقع فيها البعض هي الاعتقاد بإمكان التنمية من دون وجود للديمقراطية، وهذا أمر اثبت عدم صحته. «فالمال عديل الروح»، بحسب ما يقول المثل، ورجال الأعمال يبحثون عن المنافسة والشفافية ويطالبون بدور واضح لهم في تحديد استراتيجية البلاد، ولتحقيق الشفافية لابد من المساءلة والمحاسبة، ولتحقيق المساءلة لابد من الديمقراطية.
يخطئ من يعتقد بأن «الازعاج الصحافي» يشرّد المستثمرين، ولو كان هذا صحيحا لشردت الأموال في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وأميركا وبقية الدول المتقدمة اقتصاديا. وحتى الدول التي حاولت التطور اقتصاديا فقط، فإن الفساد الإداري يستشري بسرعة فيها إذا انعدمت الصحافة. والصين التي تحاول الانفتاح اقتصاديا فقط تجد نفسها الآن على المحك، ومثال ذلك أزمة وباء «سارس». فقد اضطر كبار مسئولي الدولة إلى التدخل وأمر الجهات المعنية بنشر الأخبار وعدم إخفائها عن الناس لأن ذلك يضر بالصين والصينيين. بل ان بعض المعلقين قال ساخرا «ان من نعم الله على الناس ان مرض «سارس» انتشر في دول أخرى مثل كندا، حيث توجد شفافية، لكي يتمكن الأطباء من وقاية الناس منه».
المرأة ليست كما يصورها البعض، فهي الآن تحتل مناصب كبرى في اماكن عديدة، حتى في عدد من البلدان الإسلامية (غير العربية). واستمرار احتقار المرأة واعتبارها شأنا ثانويا تابعا للرجل أمر خطير، واستمراره يهددنا بالمزيد من الضعف الاقتصادي كما يقول ذلك تقرير الأمم المتحدة.
وبينما ندخل القرن الحادي والعشرين فإن البعض مازال يناقش إذا كان سيعطي المرأة حق التصويت والترشيح أو سيسمح لها بتولي المناصب. هذا يحدث في مجتمعاتنا التي تحرم المرأة باسم الإسلام، بينما تصل المرأة إلى رئاسة الدولة في بلدان إسلامية أخرى. بل ان هناك نساء حكمن بلدانا إسلامية قبل قرون في اليمن واندونيسيا والمالديف. فجزر المالديف التي تحتوي على 1200 جزيرة في المحيط الهندي بالقرب من خط الاستواء حكمتها امرأة اسمها «السلطانة خديجة» لمدة 33 عاما حتى وفاتها في 1383م، وبعدها حكمت ابنتها فاطمة خمس سنوات. والجزر المذكورة يسكنها سكان جميعهم مسلمون إذ تقترب نسبة المسلمين من المواطنين درجة المئة في المئة...
وهذا يطرح سؤالا عن أسباب استمرار احتقار العرب لدور المرأة، وعمّا إذا كانت هناك معالجات حقيقية وفهم لخطورة استمرار هذا الأمر. فالدول الإسلامية في شرق آسيا عبرت هذا الحاجز، والمرأة في ماليزيا تعمل في مصانع الأجهزة الإلكترونية وتتصدر أنشطتها الشركات من دون حواجز باسم الدين أو العادات والتقاليد.
ثم هناك مسألة التدريب والتطوير الذي يغيب عن أكثر سياساتنا. ففي البحرين يتم استيراد العامل الأجنبي الذي لا يعلم شيئا وتقوم الشركة بتدريبه، وأصبحت لدينا الآن طبقة قوية من المتمكنين في أعمالهم، بل انهم سيطروا على الأعمال التي لم يكونوا يعرفون عنها شيئا. وهذا يعود إلى نقص في الفهم العام لمتطلبات التدريب والواجب الوطني الذي يلزم ان يقوم به كل طرف في الحكومة إلى القطاعين العام والخاص ضمن خطة تدريبية وطنية شاملة...
لقد فشلت «الدولة العربية المستقلة» في تحقيق كثير من طموحات مواطنيها ما حدا بالبعض إلى الدعوة ساخرا أو جادا إلى عودة «الاستعمار»، فلعله ينفع أكثر من الحكومة المستقلة! إننا نرفض كل هذه الدعوات، لأننا قادرون على القيام بدورنا وما ينقصنا هو الثقة بقدراتنا وببعضنا بعضا. أما استمرار التحقير والاستهجان والتشكيك فإنه يضيع المال والبلاد، ولا يمكن ان يستفيد حتى أولئك النفر القليل من المستفيدين حاليا من انعدام الديمقراطية والشفافية..
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 308 - الخميس 10 يوليو 2003م الموافق 10 جمادى الأولى 1424هـ