العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ

إيران... وتجربة «النمور» الآسيوية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عاد التوتر من جديد بين الحكومة الايرانية وقطاعات معينة من الحركة الطالبية المدعومة من دوائر سياسية ونخب من المثقفين. عنوان التوتر هو الذكرى السنوية الرابعة لاقتحام قوات الأمن الحرم الجامعي في طهران. وتقع تحت هذا العنوان العريض سلسلة من التفصيلات الصغيرة التي تهم أكثر من قطاع في المجتمع.

لا شك في ان المناسبة تأتي في ظروف دولية واقليمية حساسة، يمكن ان تعطي الكثير من التفاسير لموضوع واحد. الدولة ترى في تحريك الطلبة في كل مناسبة مسألة خارجية الهدف منها زعزعة الثقة بين النظام والمجتمع لتحقيق اغراض سياسية لا صلة لها بالهموم والمطالب التي يرفعها المتظاهرون او المحتجون. وقادة الحركة الطالبية يصرون على ان احتجاجاتهم نابعة من حاجات داخلية ولا تتأثر بالاوامر او التوجيهات التي تعمد الاذاعات الغربية التي تبث بالفارسية إلى اطلاقها وتحرض مؤسسات المجتمع الاهلي كافة على القيام بها.

وبين الاتهام والنفي هناك قراءة موضوعية لتكرار حالات التوتر لها صلة بمجموعة علاقات داخلية وصلت إلى حد من التأزم البسيط الناجم اصلا عن نمو المجتمع وتطوره خلال فترة العقود الثلاثة الاخيرة. فالازمات عادة تأتي بسبب النمو، والمجتمع الذي لا يتطور يتجه نحو الانقسام الاهلي ولا تظهر عليه بوادر الازمة السياسية إلا بعد حصول الانهيار العام.

الازمة هي من الدلائل الصحية في المجتمع وهي عادة تكون نتاج حصول تقدم في بنية العلاقات الاجتماعية واتساع رقعة التطور الاقتصادي وتحسن نسبة توزيع الثروة. فهذا النوع من الازمات يشير او يضغط على الدولة لتقوم بتطوير بنيتها السياسية التي تسمح لها باستيعاب او الرد على الحاجات الجديدة... وهي حاجات لا تأتي من فراغ وانما تظهر تعبيرا عن تطور ملموس بدأ ينشأ من داخل بنية المجتمع من دون ان تكون للخارج علاقة بالمسألة. الخارج (القوى المتربصة بإيران وغيرها) يستفيد من الازمات ويعمد إلى دفع التوتر نحو الانفجار لتحقيق غايات لا صلة لها بتلك المطالب التي يرفعها هذا القطاع الطالبي او تلك الشريحة من المثقفين.

التطور الاقتصادي ونمو الثروة واتساع رقعة قطاع التربية والتعليم وانتشاره في القرى والريف يجلب معه دائما الكثير من السلبيات وخصوصا اذا حصل التقدم بسرعة زمنية وقبل ان تستكمل الدولة بناء قطاعات مدنية قادرة على استقبال القوى الجديدة الوافدة إلى ساحة العمل. وعموما حصل هذا الامر في الدول الآسيوية وتحديدا تلك التي أُطلقت عليها تسمية دول «النمور السبع». هذه الدول (النمور) حققت قفزات ضخمة على صعيد نموها الاقتصادي بلغت معدلاتها السنوية نسبة تتراوح بين 6 و8 و10 في المئة. وتواصل التقدم الاقتصادي (التقني) على مختلف المستويات ولمدة زمنية تراوحت بين 10 و15 و20 سنة، الامر الذي رفع تلك الدول (النمور) إلى مصاف الاكثر نموا في دول العالم إلى فترة لا تقل عن عقدين.

ونجحت تلك الدول (السبع) في فترات متقطعة امتدت على سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات في الثبات على مرتبة متقدمة نافست احيانا في النوعية المنتوجات الاوروبية والاميركية في مختلف الاسواق الدولية واحيانا ضاربت الصناعات الاستهلاكية في السوقين الاوروبية والاميركية، بسبب اسعارها المنخفضة نظرا إلى قلة كلفها ورخص الايادي العاملة في آسيا.

لا شك في ان هذا النمو المتسارع لم يأت من فراغ وإنما ظهر التقدم في ظل ظروف دولية شجعت هذا الدول على توظيف ثرواتها، كذلك فتحت لها باب الاستثمارات لتقوية قطاعاتها الانتاجية حتى لا تسقط سياسيا وتستفيد من سقوطها الدول المنافسة ايديولوجيا للهيمنة الاميركية (الصين والاتحاد السوفياتي آنذاك).

وحين اختلفت الظروف الدولية بانهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع الخطر الصيني، وبدلت الولايات المتحدة سياساتها وتبعتها اوروبا في خطواتها، انهارت بعض اوجه التقدم الاقتصادي في الكثير من دول «النمور» السبع وتحوّل النمو إلى مشكلة بسبب عجز الدولة عن استيعاب القوى الجديدة الوافدة إلى سوق العمل. فالانهيار حصل لا بسبب اللاتطور بل نتيجة التطور الاقتصادي السريع الذي بدل شخصية المجتمع خلال فترة وجيزة زمنيا (20 و30 سنة) من دون ان تتطور على السوية نفسها شخصية الدولة. فالتطور الاقتصادي ليس كافيا لأنه اذا حصل التقدم في جانب واحد وأُهملت الجوانب الاخرى يظهر في الابنية الانتاجية ما يشبه الفجوات الاجتماعية. وإذا لم تلحق العلاقات الاجتماعية سلسلة تعديلات تناسب تطور العلاقات الاقتصادية يصبح النمو في وضع متأزم بسبب تلك الفجوات السياسية - الدستورية التي تتراكم مع الايام وتتحول إلى عائق داخلي يعطل امكانات الاستفادة من النمو وتحسن معدلات الانتاج وارتفاع نسبة توزيع الثروة.

المثال الآسيوي (النمور السبعة) لا يتطابق حرفيا مع النموذج الايراني. فإيران دولة عريقة وتتميز بثوابت سياسية اعطتها قدرة على الاستقلال النسبي عن الهيمنة الدولية على رغم كل الظروف الصعبة والحروب المفروضة والحصار الدائم. وعلى رغم عدم تطابق المثال الآسيوي مع النموذج الايراني يمكن الاستفادة من تجربة «النمور السبعة» وصعودها السريع ثم انهيارها وتصدعها بعد اختلاف المناخات الدولية للقول إن حكومة طهران يجب ان تقرأ التحولات الجارية في بلادها من منظار ايجابي وليس سلبيا. فحتى الآن لا تشير التوترات الطالبية إلى كارثة بل هي مجرد اشارات سريعة تعكس إلى حد ما حيوية المجتمع وطموحه المستمر نحو التقدم والازدهار.

ايران وفق تصنيف «صندوق النقد الدولي» هي الأفضل ضمن سلسلة دول «الشرق الاوسط» و«شمال افريقيا». وبحسب تقرير الصندوق سجلت ايران زيادة في الناتج المحلي وتراجعت ديونها، كذلك تراجعت نسبة البطالة. إلى ذلك نجحت ايران في رفع احتياطها النقدي وحققت نسبة نمو في العام 2001 بلغت 4,8 في المئة، وتطورت النسبة في العام 2002 لتبلغ 6,5 في المئة. وهذا الازدهار يعتبر من الانجازات المهمة على رغم ان ايران لاتزال تعاني من مشكلات التضخم وارتفاع الاسعار، الأمر الذي يضغط على الفئات الشعبية وأصحاب الدخل المحدود.

اذا ايران من الناحية الاقتصادية تسير في الاتجاه الصحيح وهناك سلسلة خطوات متقدمة على هذا الصعيد.

يبقى اذا الجانب الاجتماعي الذي يضغط باتجاه تنمية العلاقات السياسية - الدستورية (تطور بنية الدولة) وهو موضوع مهم. وإذا أُهمل فإن الفجوات بين الاقتصاد والاجتماع ستتسع وبالتالي ستتحول «الفجوات» إلى هوة سياسية بين الدولة والمجتمع.

حتى الآن تبدو مطالب الحركة الطالبية بسيطة وعادية ويمكن استيعابها وتلبيتها، وهي في معظمها تقع في دائرة الاستهلاك والسلوكيات الاجتماعية ولم تتحول إلى شعارات سياسية ولم تنتشر او تنتقل إلى قطاعات منتجة في البلاد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً